خبراء: صفقة "الرافال" رسالة ضمنية من مصر لواشنطن عن تنويع مصادر السلاح
بشرائها 24 مقاتلة "رافال" فرنسية، تدشن مصر مرحلة جديدة في تنويع سلاحها وتوجه بذلك رسالة ضمنية إلى واشنطن مفادها أنها لن تحتكر تسلح الجيش المصري ولن تستطيع ابتزازها سياسيا، كما يرى خبراء.
وبعد أكثر من 3 عقود من اعتماد مصر بشكل رئيسي على السلاح الأمريكي، أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الخميس الماضي، أن بلاده ستوقع مع مصر الإثنين المقبل في القاهرة عقدًا لبيع 24 مقاتلة "رافال" و"فرقاطة" متعددة المهام، تصنعها مجموعة إدارة الصناعات البحرية الفرنسية (دي سي إن إس) بقيمة 5.2 مليار يورو.
قال اللواء متقاعد محمد مجاهد الزيات مستشار الأمن القومي بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط في القاهرة، إن عقد شراء المقاتلات من طراز "رافال" يحمل رسالة ضمنية للولايات المتحدة أن مصر لن تعتمد على واشنطن ولن تخضع لها وحدها في التسليح.
وأضاف مجاهد، لوكالة "فرانس برس"، أن التعاون العسكري بين القاهرة وواشنطن لا يسير في مساره الطبيعي منذ فترة طويلة، متابعًا "القاهرة تخضع لابتزاز أمريكي لتحقيق أهداف سياسية أمريكية، وأمريكا لها رؤية مغايرة لهيكلة الجيش المصري".
واستطرد "الولايات المتحدة تعترض على عقيدة الجيش التي لا تزال تقوم على أن إسرائيل هي العدو الرئيسي له".
يرى أحمد عبدالحليم العسكريال متقاعد والرئيس السابق للجنة الأمن القومي في مجلس الشورى المصري، أن تنويع مصادر السلاح والتكنولوجيا التي يحصل عليها الجيش المصري بشكل عام لا يعطي فرصة لأي دولة لاحتكار أو ابتزاز السياسة الخارجية لمصر.
وأضاف "مصر لا يمكن أن تظل أسيرة للرؤى الأمريكية خاصة مع التجاذب السياسي الأخير"، في إشارة منه لتعليق واشنطن المساعدات العسكرية لمصر إثر الإطاحة بمرسي.
وأشار إلى أن مصر سيكون لديها أسلحة من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وربما الصين وهذا تنوع جيد للغاية، لكن الولايات المتحدة أكدت مساء أمس، أنها لا ترى أي مشكلة في صفقة بيع مقاتلات "رافال" الفرنسية بين باريس والقاهرة.
فيما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفر بساكي، إن مصر بلد يتمتع بالسيادة، مضيفًا أنه يقيم علاقات مع دول أخرى كما يقيم علاقات مع الولايات المتحدة، متابعًا "لدينا علاقتنا الخاصة على صعيد الأمن ولن أقول تاليا أن هذا الموضوع يثير قلقا هنا".
وردًا على سؤال عما إذا كانت واشنطن تخشى أن تستبدل القاهرة الولايات المتحدة بفرنسا أاو روسيا على صعيد التسليح، قالت بساكي "حتما لا أعتقد أننا ننظر إلى الأمور بهذه الطريقة".
وعبر العقود الثلاث الأخيرة كانت الولايات المتحدة هي المورد الرئيسي للسلاح المصري، وتتلقى القاهرة مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بقيمة 1.3 مليار دولار سنويًا منذ توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل العام 1979.
ولكن واشنطن جمدت جزءًا من هذه المساعدات في أكتوبر 2013 واشترطت لاستئنافها أن تقوم القاهرة بإصلاحات ديموقراطية بعد إطاحة الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي وحملة القمع الواسعة ضد أنصاره.
وفي ديسمبر 2014 أعلنت الولايات المتحدة أنها سلمت لمصر مروحيات "أباتشي" بعد عدة شهور من التأخير في إطار الضغوط على القاهرة من أجل اتخاذ إجراءات ديموقراطية.
وتأخذ القاهرة على واشنطن عدم إعلانها دعم كاف لها في حربها ضد الإرهاب الذي تواجهه وخصوصًا المجموعات الجهادية في شمال سيناء التي شنت عدة خدمات دامية ضد الجيش والشرطة خلال الشهور الأخيرة.
كما تؤكد السلطات المصرية أن جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها تنظيمًا إرهابيًا، تقف خلف هذه المجموعات الجهادية من دون أن تقدم دليلًا على ذلك. والتنويع في مصادر السلاح المصري لا يقتصر فقط على الصفقة مع فرنسا.
فخلال زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى موسكو العام الماضي، تحدثت وسائل الإعلام الروسية عن صفقة تشتري بموجبها مصر أسلحة روسية تزيد قيمتها على 3 مليارات دولار.
ولم يتم تأكيد أو نفي هذه المعلومات رسميًا من قبل القاهرة أو موسكو، إلا أن السيسي أعلن هذا الأسبوع خلال زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى القاهرة توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء أول محطة توليد كهرباء بالطاقة النووية في مصر، وشدد على الاستمرار في تدعيم التعاون العسكري بين البلدين.
أكد اللواء الزيات، أن مصر كانت تتجه لتنويع مصادر السلاح منذ فترة، مشيرًا إلى أن مصر اتجهت نحو الاتحاد الأوروبي لشراء غواصات من المانيا في العام 2012، لكن الصفقة لم تتم لاعتراض إسرائيل.
ويتابع أن شراء طائرات رافال يخدم مبدأ تنويع مصادر السلاح الذي تريد مصر اتباعه.
رفض الناطق باسم القوات المسلحة في مصر العقيد محمد سمير، التعليق على سؤال لـ"فرانس برس"، عبر الهاتف عن الصفقة، لكن ثلاثين عاما وأكثر من العلاقات التي تصفها القاهرة وواشنطن بـ"الإستراتيجية" لا يمكن أن تذهب هباء بين ليلة وضحاها، بحسب خبراء آخرين.
فيما قال ماتيو جيدار خبير فرنسي في شؤون العالم العربي والإسلامي، لـ"فرانس برس"، إن العقد الأخير مع فرنسا لا يمثل تغييرًا كاملًا في إستراتيجية مصر في شراء الأسلحة الأمريكية المتدفقة استنادًا على المساعدات الأمريكية العسكرية.
وأضاف جيدار، المقيم في باريس، "مصر ستواصل شراء الأسلحة من أمريكا بشكل طبيعي، لكنها ستتجه أيضًا لشراء الأسلحة من روسيا حسب ما فهمنا من زيارة الرئيس الروسي الأخيرة للقاهرة، ما يجعلها في موقف سياسي أفضل أمام الولايات المتحدة".