م الآخر| "داعش" و"الموحدون".. ولكم في التاريخ عبر!
خرجوا إلى الطرقات يظنون أنهم بأفعالهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وينفذون شرع الله، وما كانو ألا صُناع فوضى، أدعو بناء دولة إسلامية فحطموا محال بيع الأدوات الموسيقية، وحرقوا الكتب، وهاجموا السيدات اللاتي تسفرن عن وجوههن، فعلاً وقولاً.
ادعى أميرهم أنه من نسل الحسين، وأنه "المهدي المنتظر"، و له العصمة عن الوقوع في الأخطاء، كانت سمتهم المميزة في المعارك الأبادة الكاملة للمُدن، وقتل كل من بها.
وربما عند وصفهم تخيلت تنظيم "داعش" لكننا لسنا بصدد الحديث عنهم، وإنما كل ما سبق ذكره حدث بالفعل في عام 1121، في شمال إفريقيا.
دولة الموحدين.. تلك الدولة التي كان ظاهرها "دولة إسلامية" كما يدعون، وباطنها أدى إلى سقوط الأندلس...
كانت الأفكار المتطرفة التي تحملها دول الموحدين بمثابة الفتيل الذي أشعل نيران الفتنة في الدولة الإسلامية، ورغم محاولات بعض خلفاء تلك الدولة بتصحيح المسار، إلا أن ما بني على باطل فهو باطل.
أسس الدولة محمد بن تومرت، بدأ مسيرته مرتحلاً من دولة لأخرى محاولاً نشر عقيدته، وأسلوبه في الدعوة للدين لينتهي به المطاف مطروداً من غالبية المدن التي حاول نشر دعوته بها، فلجأ للاحتماء بقلعة تنمل في جبال الأطلس الكبير في ظل حفاوة من قبائل مصمودة الراغبة في إنهاء دولة المرابطين.
واستخدم بن تومرت، حيلا كثيرة ومتقنة لإقناع من حوله بأنه "المهدي المنتظر" أو "المعصوم" -كما كان يُلقب وكان يُضفي لنفسه بعض الصفات الخارفة أمام الجميع ليصفوه بالعدل والرحمة.
لم يتوان بن تومرت، في قتل الآلاف من المسلمين، ليبسط سلطانه على أراضي أكثر، مثلما نرى في أمير داعش، وجماعته في الوقت الحالي، تحت نفس الشعار، وبنفس الآلية.
وحاول بن تومرت غزو مراكش، وحاصرها 40 يومًا، دون جدى ليدرك أن "دولة المرابطين" تحتاح لأكثر ما كان يملكه لاقتحامها، وتوفي بن تومرت دون إكمال حلمه، لكن حلم "الموحدين" لم يمت وحمل الراية من بعده تلميذه المخلص عبدالمؤمن بن علي.
ونجح بن علي، بعد سنوات من الحروب مع المرابطين بهزيمتهم، واقتحام مراكش، وقتل الأمير الذي لم يكد يتولى الحكم -وهو دون السادسة عشر- وكل من فيها، كما فعلت "داعش" في كل ولاية دخلتها.
وظلت تتوسع رقعة دولة الموحدين حتى شملت أجزاء من شبه جزيرة أيبريبا أو ماكان يعرف وقتئذ بالأندلس، وما يعرف في وقتنا هذا بإسبانيا.
ورغم ذلك فلكل قاعدة استثناء، وظهرت شخصية استثنائية في هذه الدولة كما ظهر عمر بن عبدالعزيز في دولة الأمويين.
يتبع...