لغز سعدية عرعر.. سيدة «حلوان» الأولى
كثير من القصص والروايات تنسج حولها وكأنها أسطورة. لا أحد يعلم من أين تأتى وإلى أين تذهب. فجأة ومن دون سابق إنذار تجدها جالسة على حافة الرصيف فى منطقة حلوان. لا تكلم أحداً ولا تنظر لأحد أياً كان. لو اقتربت منها وحاولت التحدث إليها لن تجد أى رد فعل حتى ولو رمشة عين.
شنط بلاستيك سوداء تحيط بها، لا أحد يجرؤ على معرفة ما بداخلها. إبرة وخيط كروشيه لا يفارقان يديها، تنسج قطعاً من الملابس خاصة بالأطفال: «شرابات.. طواقى.. كوفيات وغيرها»، وتعطيها لأى طفل يمر إلى جوارها. من دون أن تحدثه. فقط تنظر له ثم تبتسم عندما يبدى إعجاباً بالهدية.
اسمها «سعدية عرعر»، كما يقول المحيطون بها، لا يعرفون عنها سوى اسمها، لا شىء فى هيئتها تغير منذ سنوات حتى ملابسها السوداء لم تبدلها، يصفها «محمد عبدالوهاب»، سائق توك توك بحلوان، بـ«السيدة المُبهمة» التى لا يعرفها أحد ولم يحاول سكان المنطقة الاقتراب منها لمعرفة هويتها، فهيئتها تجعلهم يترددون قبل أن يخطوا أى خطوة تجاهها، فقط الأطفال الصغار هم من يقدرون على الاقتراب منها واللعب إلى جوارها دون أن تؤذيهم، يلعبون بالساعات حولها وهى كما هى «منكبة على إبرة وبكرة خيط وكأنها لا ترى لا تسمع لا تتكلم».
ترفض «سعدية عرعر» أن يمنحها أحد صدقة سواء كانت مالاً أو طعاماً، وإذا حاول أحد أن يضع بضعة نقود أمامها تظهر غضباً وتتبدل ملامحها، ما يدفع المتصدق إلى التراجع بأخذ أمواله قبل أن تهم بضربه.
حاولت «الوطن» أن تقترب من السيدة، خلعت «شبشب قديم» تلبسه فى قدمين شديدتى الاتساخ، وقبل أن تلقيه تراجعت، وبعد صمت طويل قالت كلمات مقتضبة ربما تكون الأولى منذ سنوات: «سعدية مش عايزة فلوس.. سعدية عايزة خيط وإبرة».
دموع كثيفة تغرق وجه «سعدية» لم تصاحبها كلمات، لم تقل لنا من هى، ولماذا تجلس فى الشارع، ولماذا تحيك بالساعات ملابس توزعها على الآخرين وهى فى حاجة إلى مساعدة؟ لم تقل على من تبكى: على حالها أم حال آخرين كانوا قريبين منها وولوا؟ لا شىء تخاف عليه «سعدية» سوى الأكياس السوداء التى تضعها إلى جوارها والتى اكتشفنا أنها مليئة بملابس أطفال تقوم بإعادة إصلاحها والاحتفاظ بها لتوزيعها على الأطفال، سكان المنطقة اعتقدوا أنها أكياس قمامة لكن بمراقبتها تبين ما تحويه هذه الأكياس التى تمثل صندوقاً أسود يحمل لغز شخصية «سعدية».