اشرب بـ«الصرف الصحى»
حصلت «الوطن» على نتائج تحاليل عينات مياه شرب مرشحة صادرة عن مديرية الصحة والسكان بمحافظة البحيرة من إدارة الترصد وصحة البيئة عن مدينة المحمودية والقرى التابعة لها، تؤكد نتائج هذه التحاليل وجود مياه شرب بمحطات التنقية غير صالحة للاستهلاك الآدمى وغير مطابقة للمواصفات القياسية للمياه، ويوجد بها بكتيريا ناتجة عن وجود صرف صحى مثل بكتيريا المجموعة القولونية والميكروب السبحى كما ترتفع بها نسبة الألومنيوم بشكل كبير. وتظهر نتائج التحاليل التى أجريت فى عامى 2013 و2014 أن المياه الخارجة من معظم محطات مياه الشرب فى مدينة المحمودية والقرى التابعة لها، غير مطابقة للمواصفات القياسية و«ملوثة» بالصرف الصحى وغير صالحة للاستهلاك الآدمى.
تكشف نتائج التحاليل التى أجريت على أكثر من 1500 عينة تقريباً بالمعمل الإقليمى لوزارة الصحة بمحافظة البحيرة أن هناك قرى ومدناً ومدارس ووحدات صحية ومستشفيات، تصل إليها مياه شرب غير صالحة للاستخدام، لوجود بكتيريا من الصرف الصحى والميكروب السبحى.
الغريب أن التحاليل الدورية للعينات التى تم سحبها من نفس الأماكن التى ثبت أن مياهها غير مطابقة للمواصفات، ظلت بها نفس الميكروبات فى نتائج التحاليل المتعاقبة والدورية على فترات مختلفة.[SecondImage]
تقع مدينة المحمودية على بعد 12 كيلومتراً تقريباً من مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة، ويعتبر مركز المحمودية من أكبر المراكز من حيث الكثافة السكانية، يتبع هذه المدينة ستة مجالس قروية كبرى تضم عشرات القرى الصغيرة والعزب التى تصلها مياه الشرب، كما تصل المياه الملوثة إلى قرى خارج مركز المحمودية ويستخدم فيها أكثر من 500 ألف مواطن، مياه الشرب المرشحة من محطات تنقية المياه التابعة لشركة مياه الشرب بمحافظة البحيرة، وتعتمد محطات تنقية مياه الشرب بمدينة المحمودية على سحب مياهها من مجرى ترعة المحمودية ومن فرع نيل رشيد الرئيسى.
العينات التى تم سحبها من طرد محطات الشرب جاءت نسبة كبيرة منها غير مطابقة للمواصفات، والعينات التى تتطابق مع مواصفات المياه فى نتيجة واحدة تصبح غير مطابقة فى عدة نتائج لاحقة، حيث بلغ عدد المحطات التى تم تحليل مياهها ثمانى محطات فى القرى والمدن التابعة للمحمودية، وبلغ عدد العينات التى ثبت عدم مطابقتها للمواصفات القياسية للمياه التى تم سحبها من المحطات 30 عينة احتوت على المجموعة القولونية وارتفاع نسبة الألومنيوم وارتفاع «العد البكتيرى» فى العينات، وكان أكثر العينات التى اكتشف بها تلوث لهذه المحطات بالترتيب «محطة كوم النصر المصرى والهولندى»، «محطة العطف»، «محطة كفر نكلا»، «محطة منية السعيد»، «فيشا»، «سنبادة»، و«الشيخ زايد».
التحاليل تثبت أيضاً أن 7 مجالس قروية مياهها ملوثة وأن عينات المياه غير مطابقة للمواصفات ولا تصلح للاستهلاك الآدمى، بما فيها مدينة المحمودية، حيث إن مكتب صحة أول وثانى المحمودية سحب 229 عينة، منها 191 عينة غير مطابقة ولا تصلح للاستهلاك الآدمى، منها عينة من مستشفى المحمودية العام كشفت عن وجود بكتيريا الميكروب السبحى والمجموعة القولونية وارتفاع نسبة الآمونيا، فى قرية «ديروط» تم سحب 90 عينة منها 38 غير مطابقة بكتيريولوجياً لوجود بكتيريا المجموعة القولونية والميكروب السبحى ووجود عكارة فى المياه، وكيميائياً لارتفاع نسبة الألومنيوم، وفى قرية «القصر» تم سحب 80 عينة منها 34 عينة غير مطابقة لنفس الأسباب السابق ذكرها، وفى قرية «فزارة» تم سحب 77 عينة منها 27 غير مطابق بكتيريولوجياً وكيميائياً، وفى قرية «بسنتواى» تم سحب 109 عينات منها 31 غير مطابقة بكتيريولوجياً وكيميائياً، وفى قرية «اللوية» تم سحب 85 عينة منها 45 غير مطابقة بكتيريولجياً وكيميائياً، وفى قرية «المروحة» التابعة لقرية «سيدى عقبة» تم سحب 93 عينة منها 34 غير مطابقة، وفى قرية «سرنباى» تم سحب 105 عينات ثبت أن 29 عينة غير مطابقة، وفى قرية «ديسيا» تم سحب 97 عينة منها 42 عينة غير مطابقة ولا تصلح للاستهلاك الآدمى، أما قرية «سيدى عقبة» تم سحب 94 عينة ثبت أن 35 عينة غير مطابقة للمواصفات ولا تصلح للاستهلاك الآدمى، وتم سحب 95 عينة من قرية «سندرينا» منها 25 غير مطابقة للمواصفات، ومن قرية «بحر الفرنساوية» تم سحب 93 عينة منها 32 غير مطابقة للمواصفات.[FirstQuote]
من جهتها تؤكد الدكتورة «أمل فودة»، مدير إدارة الترصد وصحة البيئة بمديرية الصحة بمحافظة البحيرة، والمسئولة عن سحب عينات مياه الشرب وتحليلها، صحة نتائج التحاليل التى بحوزة «الوطن»، مشيرة إلى أن مديرية الصحة تقوم بسحب عينات بصورة دورية منتظمة وتقوم بتحليلها كيميائياً وبكتيريولوجياً، وتعرض النتائج على الجهات المختصة، وأضافت: «نقوم بعمل إحصائية أسبوعية وشهرية وسنوية بالتحاليل التى تجرى فى المعمل الإقليمى لمحافظة البحيرة، وكل النتائج نرسلها إلى السكرتير المساعد لمحافظ البحيرة لعرضها على المحافظ، ونرسل نسخة منها لرئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالبحيرة، كما نرسل نسخة لمجلس المدينة التى سحب منها العينات».
يحلل الدكتور «محمود عمرو»، أستاذ السموم ورئيس المركز القومى للسموم سابقاً، نتائج تحاليل المياه، مؤكداً أن بكتيريا المجموعة القولونية تؤكد أن هناك «براز» فى المياه التى يشربها الناس، هذه البكتيريا تسبب نزلات معوية وتسبب أمراض الجهاز الهضمى والكبد، أما فيما يتعلق بارتفاع نسبة الألومنيوم فى المياه فيقول: «النسبة العالية من الألومنيوم التى ظهرت تقلل من وظائف الكلى وتسبب أمراض الفشل الكلوى، كما أنها تسبب التهابات عصبية، وخللاً فى وظائف المخ».
عرضنا الوثائق التى بحوزتنا على المهندس خالد حسين، رئيس شركة مياه البحيرة، فقال: «أنا لا أعترف بهذا الورق، الجهات المختصة كمديرية الصحة أو البيئة ترسل لنا نتيجة كافة تحاليل العينات غير المطابقة لمواصفات المياه، وتأتى هذه التقارير سرية بصورة دورية، وبمجرد أن تخطرنا الجهات نقوم بالانتقال إلى المكان المذكور الذى تم سحب العينة منه ونقوم بسحب عينة عن طريق الكيميائيين بشركة المياه وإذا ثبت أن هذه العينات غير مطابقة للمواصفات القياسية، نقوم على الفور بتحديد مكان المشكلة ونسحب عينات من عدة مناطق مجاورة حتى نكشف مكان الملوثات ونحلها، وقد يكون سبب التلوث كسراً فى ماسورة مياه، مما يدخل ملوثات إلى الشبكة، ونقوم باكتشاف هذه المشكلة».
واجهنا رئيس شركة المياه بالبحيرة بما فى نتائج التحاليل من ظهور لنفس الملوثات فى العينات التى تم سحبها بشكل دورى من مدارس وحضانات ومستشفيات حكومية ومنازل، مثل بكتيريا المجموعة القولونية والميكروب السبحى وزيادة «العد البكتيرى» وارتفاع نسبة الألومنيوم، وجاء رد المهندس «خالد»: «مستحيل.. إحنا عندنا أسطول من المعامل المتحركة تفحص المية بشكل دورى، ولدينا معمل مركزى ضخم حاصل على شهادة الأيزو وكافة الأجهزة تكشف كل الملوثات التى تظهر ونتعامل معها بشكل سريع».
يتابع المهندس «خالد»: «أنا لو ظهر عندى ملوثات فى المياه لدى الشجاعة كما فعلت فى العام الماضى، أنا أوقفت عمل محطات المياه بمدينة المحمودية والقرى التابعة لها ومدينة إدفينا لحين زوال مصدر التلوث».
«الوطن» رصدت آراء المواطنين فى مناطق التلوث، ويشكو سكان قرى ومدينة المحمودية من سوء جودة مياه الشرب، وتفشى أمراض الكبد والكلى فى عدد من القرى والعزب، على سبيل المثال فى قرية «شدرشة» التى تبعد عن مدينة المحمودية بثلاثة كيلومترات وتمدها محطة فيشا لتنقية المياه، يشكو الأهالى من أن مياه الشرب فى «الحنفيات» لونها داكن ولها رائحة غير طبيعية.
بزجاجة مياه لونها داكن وتمتلئ بالرواسب عبأها من «حنفية» منزله، يقف الفلاح السبعينى «محمد سلامة سلمان» الذى يسكن فى قرية «شدرشة» التابعة لمجلس قرية «فيشا»، يقول: «لو كان السيد المهندس رئيس الوزراء يقبل يشرب من هذه المياه إحنا هنشرب منها»، يرفع الرجل ذو الوجه الشاحب نبرة صوته ويضيف: «إحنا بنشرب مية صرف صحى يا بيه، ده ما يرضيش ربنا، إحنا فلاحين غلابة».
فى «شدرشة» يوجد عدد كبير من المصابين بأمراض الفشل الكلوى، منهم خضرة عبدالسلام نعيم، التى تعانى من ضمور فى كليتيها، رغم أن عمرها 45 سنة، تقول «خضرة» التى تخضع لعمليات غسيل كلى: «المية بتنزل من الحنفية ريحتها وحشة وطعمها وحش، إحنا لازم نشرب مش قادرين نشترى مية معدنية، بنرضى بالمية اللى بتجيلنا، بس بنحطها فى زير فخار أو قلل وبنشرب منها وخلاص هنعمل إيه يعنى».
أما فى قرية «السعدية» والتى تتبع أيضاً مجلس قرية فيشا، يقول عادل عبدالحميد أبوعسل، فلاح: «المية اللى بنشربها عفشة خالص، شكلها عكر ومصفرة كده، إحنا لو بنشرب من المصارف كانت المية تبقى أحسن من مية الحنفيات، والله ساعات البهايم ما بترضى تشرب منها، المشكلة كمان إن المية بتقطع ياما خالص».[SecondQuote]
يضم مجلس قرية فيشا عدة قرى ويبلغ تعداد سكانها 42 ألف نسمة تقريباً، تمدها محطة مياه فيشا، التى تسحب مياهها من ترعة المحمودية، كشفت نتائج التحاليل لهذه المحطة بالمستندات التى حصلت عليها «الوطن»، أنه تم سحب عينات دورية من طرد محطة فيشا موثقة فى كشوف نتائج التحاليل بأرقام لعينات مختلفة منها رقم (1) و(10) و(245) فى عام 2013، تؤكد أن العينة غير مطابقة بكتيريولوجياً لوجود مجموعة البكتيريا القولونية الناتجة من الصرف الصحى، وغير صالحة للاستهلاك لوجود الميكروب السبحى.
وتؤكد نفس نتائج التحاليل لعام 2014، التى أجريت فى أيام متعاقبة أن المياه الخارجة من محطة «فيشا» مباشرة، غير مطابقة للمواصفات القياسية للمياه، وغير صالحة للاستهلاك الآدمى لوجود بكتيريا المجموعة القولونية، وطبقاً لتحليل أجرى فى يومين متعاقبين، أظهر نفس النتيجة فى العينة رقم (12) ورقم (15) التى تم سحبها فى يوم 21 يناير من العام الماضى.
ويؤكد الإحصاء الكلى للتحاليل التى أجريت بقرية فيشا، أن عدد العينات التى تم سحبها 80 عينة، منها 34 عينة غير مطابقة للمواصفات، وبها بكتيريا المجموعة القولونية البرازية وزيادة فى نسبة الألومنيوم وارتفاع «العد البكتيرى».[ThirdImage]
لم يختلف الوضع فى قرية «أريمون» التابعة لمدينة المحمودية، تقع القرية على ضفتى فرع ترعة المحمودية، وتضخ مياهها من محطة شرب فيشا، وأحياناً من محطة شرب كوم النصر، فى مجلس القرية التى يبلغ تعداد سكانها مع سكان القرى المجاورة 24 ألف نسمة، يعانى سكان القرية من أزمة تغير لون مياه الشرب، ويعزف أغلب أهالى القرية والقرى المجاورة لها عن شرب المياه مباشرة من الحنفيات.
«السيد كمال عنتر»، أحد سكان قرية أريمون يشكو من أن المياه فى فصل الشتاء تأتى بجودة رديئة جداً، ويكون لونها وطعمها غير طبيعى، حيث قال: «إحنا بنخاف نشرب من المية دى أو نشرّب منها عيالنا، مرة الشركة قطعت المياه 3 أيام عن القرية، وصل سعر زجاجة المياه المعدنية لـ4 جنيه والمشكلة إن أغلب الناس حالتها المادية ضعيفة، وما حدش بيقدر يشترى مية معدنية».
وتؤكد نتائج التحاليل التى حصلت عليها «الوطن» أن عينات مياه الشرب، والتى بلغت 102 عينة، من قرية أريمون، والتى تم سحبها من مدارس ابتدائى وحضانات ومنازل ومناطق عامة، وأجريت لها تحاليل مكروبيولوجية وكيميائية، بها 52 عينة غير مطابقة، ولا تصلح للاستهلاك الآدمى لوجود ميكروب سبحى والمجموعة القولونية، وتزيد بها نسبة الألومنيوم، فى حين أثبتت التحاليل أن هناك 50 عينة مطابقة للمواصفات، وأظهرت التحاليل أن أغلب العينات التى يتم تحليلها وتكون مطابقة فى التحاليل المكروبيولوجية، لا تكون مطابقة فى التحاليل الكيميائية، والعكس.
أزمة مياه الشرب فى قرى ومدينة المحمودية موجودة منذ عدة سنوات ماضية، وتراكمت الأزمة وظهرت ذروتها العام قبل الماضى، حينما ارتفعت نسبة الأمونيا فى المياه وتوقفت محطات مياه الشرب عن العمل لثلاثة أيام، حينها تقدم المحامى «جمال خطاب» رئيس لجنة الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين بالبحيرة، بشكوى إلى المحامى العام لنيابات شمال دمنهور (المحمودية) بتاريخ 16 يناير 2013، وفتحت الجهات القضائية الملف وحصلت النيابة على صورة طبق الأصل من نتيجة العينات، التى توصلت إليها «الوطن».[ThirdQuote]
يقول المحامى «جمال خطاب»، صاحب الشكوى: «حينما بدأنا نشعر برداءة المياه التى تنزل من الحنفيات، تقدمت بشكوى إلى القضاء، وطالبت بتشكيل لجنة للبحث عن سبب تلوث المياه ومصدره، وبالفعل خاطبت النيابة محافظة البحيرة والجهات المختصة لبحث أزمة التلوث وحصلت النيابة على نتائج تحاليل مياه الشرب من الإدارة الصحية بالمحمودية خلال عامى 2013 - 2014، وأحيل مديرو محطات مياه الشرب فى المحمودية ورئيس شركة المياه والصرف الصحى بالبحيرة إلى محكمة جنح المحمودية، بتهمة الغش التجارى بسبب تلوث مياه الشرب».
317279_9283996.jpg