«داعش».. التنظيم الإرهابى فى أحضان «أردوغان»
ألقت عملية توغل قوات تركية بالسيارات المصفحة والدبابات فى الأراضى السورية ورفع العلم التركى عليها، خلال اليومين الماضيين، حزمة من الضوء على العلاقة الوثيقة بين أنقرة وتنظيم «داعش» الإرهابى، حيث شهدت العملية العسكرية التركية الأخيرة فى سوريا إجلاء حراس ضريح سليمان شاه، جدّ أول حاكم للدولة العثمانية، ونُقل رفاته، وسط صمت «داعش» على دخول جنود أتراك للمناطق التى يسيطرون عليها وتصريح مسئولين أتراك بأنهم تواصلوا مع التنظيم قبل العملية.
ورغم إنكار رجب طيب أردوغان، الرئيس التركى، وأحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء، تواطؤهما مع تنظيم «داعش»، ترصد «الوطن» جوانب من تلك العلاقة بين الطرفين والقائمة بالأساس على تبادل المنفعة والتعاون العسكرى ونقل الأسلحة وتقديم الدعم اللوجيستى والمساعدات التجارية، إضافة إلى توفير المعدات الطبية، وغض الطرف عن هجمات «داعش»، على مدينة عين العرب «كوبانى» السورية.[SecondImage]
توفر تركيا، وفقاً لكتاب «الهجرة لدولة الخلافة»، الذى نشره «داعش» مؤخراً باللغة الإنجليزية، المحطة الأخيرة للمنضمين للتنظيم قبل دخول سوريا. وجاء فى الكتاب أنه بعد الوصول إلى سوريا سيجرى التواصل بين المقبلين الجدد وآخرين فى عدة فنادق فى تركيا من خلال شبكات التواصل الاجتماعى.
ويدعم ما نشره التنظيم فى كتابه تصريح لقيادى فى «داعش» نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فى أغسطس الماضى، يقول فيه: «معظم المقاتلين الذين انضموا إلينا فى البداية قدموا عن طريق تركيا كذلك الأمر بالنسبة للأسلحة والمعدات وكل ما يلزم، وكان لدينا مقاتلون بأعداد مرتفعة تلقوا العلاج فى المشافى التركية».
ووفقاً لتقرير نُشر فى أكتوبر 2014 فى جريدة «طرف» التركية قال مير محمد فرات، أحد مؤسسى حزب العدالة والتنمية، إن «تركيا ساعدت ولا تزال تساعد المجموعات الإرهابية وتعالجهم فى المستشفيات، وذلك فى سبيل إضعاف الكيان المتشكل فى روج أفا أو كردستان سوريا»، مضيفاً: «الحكومة أعطت الامتيازات والأسلحة للمجموعات الدينية المتطرفة كما أنها عالجت جرحاهم». أما وزير الصحة التركى فصرح قائلاً ما معناه: «معالجة ورعاية جرحى تنظيم داعش هو واجب إنسانى علينا».
وتابع التقرير أن أحد القياديين البارزين فى «داعش» تلقى العلاج فى مشفى بمدينة شانلى أورفا التركية، إضافة إلى عدد آخر من مقاتلى التنظيم، وأضاف التقرير أن الدولة التركية دفعت مصاريف علاجهم.
وتُعد بلدة «أورفا» التركية، على الحدود مع سوريا، الممر الآمن للجهاديين لدخول سوريا، بالإضافة لبلدة أكاكالى. ولا يوجد فى هاتين البلدتين حراس أمنيون ولا شرطة، ومعظم الفتيات المحتمل انضمامهن إلى التنظيم عادة ما يكنّ فى صحبة آخرين، أما الرجال فيسافرون عبر الحدود بأنفسهم، وغالباً ما يقابل الفتيات فى إسطنبول سيدة من الجهاديات، معها رجلان. ويتخطى المنضمون لداعش الحدود فى وقت تغيير الوردية، عندما تكون الإجراءات الأمنية أقل تشدداً، قبل تسليمهنّ إلى بلدة تل أبيض.
ونشرت مؤخراً صحيفة «ديلى ميل» البريطانية تقريراً عن مقاتلين أجانب ذهبوا عن طريق تركيا وانضموا إلى تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق، لكن تركيا لم تمنعهم ولم تحاول إيقافهم. ويوضح التقرير كيفية دخول المقاتلين الأجانب الذين يذهبون إلى سوريا والعراق عبر الحدود التركية، حيث إنهم يسمون تلك الحدود «بوابة الجهاد»، أما الجيش التركى فيغض البصر ويسمح لهم بالدخول أو يدفع الجهاديون مبلغاً لا يتجاوز 10 دولارات لحرس الحدود لتسهيل عبورهم.
وزار سوات كيليش، وزير الرياضة التركى، عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، الجهاديين السلفيين الداعمين لـ«داعش» فى ألمانيا، وتُعرف هذه المجموعة السلفية بقدرتها على الوصول واستمالة المؤيدين للتنظيم عن طريق توزيع نسخ مجانية للقرآن، كما يشرف بنفسه على جمع تبرعات مالية لدعم عمليات انتحارية فى سوريا والعراق.
وأبرز ما يدلل على العلاقة بين الطرفين أن تركيا هى الدولة الوحيدة التى استردت رهائنها من «داعش»، حيث عاد ما يقرب من 49 تركياً للأراضى التركية، مقابل إفراج تركيا عن مقاتلين تابعين لـ«التنظيم»، كان من بينهم أجانب، ورفضت إعادتهم لبلدانهم، وسلمتهم لـ«داعش».
وتستفيد «تركيا» من النفط الذى يسيطر عليه «داعش»، منذ سيطرته على ما يقرب من 25% من الأراضى السورية، و40% من الأراضى العراقية، وتشتريه بأسعار زهيدة لا تتجاوز 1.25 ليرة تركية لكل لتر.
وقالت مصادر جهادية لـ«الوطن» إن بعض الأتراك يلعبون دور «الوسيط» بين حكومة بلادهم و«داعش» للمساعدة فى تصريف النفط عبر تركيا. ويعزز من ذلك اتهام نائب برلمانى ألمانى عن حزب «الخضر» فى أكتوبر الماضى، الحكومة التركية بسماحها واشتراكها فى نقل أسلحة إلى «داعش» عبر أراضيها، إضافة إلى تقديم المساعدة فى بيع النفط، بينما أعلنت منظمة (IBDA-C) العسكرية الإسلامية التركية تعهدها بتقديم المساعدة للتنظيم.
وأوضحت المصادر أن تركيا كانت تقدم دعماً عسكرياً لـ«داعش» خلال حربه ضد الأكراد فى مدينة عين العرب «كوبانى» السورية.
ويعزز من صحة تلك المعلومات مقال كتبه أحد قياديى قوات حماية الشعب الكردى، فى صحيفة «نيويورك تايمز» فى نوفمبر الماضى، قال فيه: «تركيا تسمح بحرية العبور لمقاتلى تنظيم داعش مع معداتهم عبر الحدود»، بينما نشرت قناة (Diken) التركية تقريراً قالت فيه: «مقاتلو تنظيم داعش عبروا الحدود من تركيا إلى سوريا عبر خطوط السكك الحديدية التركية التى ترسم الحدود بين البلدين، والعبور كان يتم أمام أعين الجنود الأتراك، وعند دخول مقاتلى التنظيم إلى سوريا تمت مواجهتهم من قبَل قوات حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى التى أوقفتهم».
وأكدت المصادر أن مقاتلى «داعش» يمتلكون تأشيرات دخول تركية على جوازات سفرهم، ونشر عناصر التنظيم، خلال الفترة الماضية، صورة فوتوغرافية يظهر فيها أحد الجنود الأتراك مع مقاتلين أصدقاء له ضمن صفوف التنظيم، على الحدود التركية. وأوضحت المصادر أن «أردوغان» يساعد «داعش» ليس لإسقاط الرئيس السورى بشار الأسد فحسب، بل لأنه يريد عودة «دولة الخلافة» شرط أن يكون هو «الخليفة»، مؤكدة أن هناك تعاطفاً من جانب حزب العدالة والتنمية التركى مع التنظيم.
وأكدت صحة هذه التحليلات ما نشرته صحيفة «حرييت» التركية فى عددها الصادر بتاريخ 26 من سبتمبر 2014، حيث جاء فى مقال رأى بالصحيفة: «تعاطف أعضاء بارزين من حزب العدالة والتنمية مع تنظيم داعش ليس مرتبطاً بالموقف الرسمى لأنقرة، لكنى صُدمت عندما سمعت كلمات إطراء وإعجاب موجهة لهذا التنظيم خرجت من أفواه بعض المسئولين الحكوميين الكبار فى المؤسسات المدنية فى مدينة شانلى أورفا، حيث يقول أحدهم: هم مثلنا يقاتلون 7 قوى عظمى فى حرب الاستقلال.
وقالت مصادر جهادية إن إحدى المؤسسات المشرفة على الضمان الاجتماعى فى تركيا تقوم باستعمال شعار تنظيم «داعش» خلال مراسلاتها الداخلية، موضحة أن داعش يُخضع شبكات اتصالاته لخدمة مقاتليه فى سوريا، حيث إن شبكة الاتصالات التركية ممدودة لمنتصف سوريا، فى ظل قطع النظام السورى لشبكات الاتصال عن المناطق التى يسيطر عليها «داعش».