«الإخوان» يستنسخون إرهاب سيناء داخل العاصمة
تٌعد منطقة شرق القاهرة أكثر المناطق عنفاً فى القاهرة الكبرى، إذا قورنت مع مناطق أخرى تشهد أعمال عنفُ كالهرم وحلوان، وما من جمعة تمر إلا ويسقط فيها قتلى، وتأتى فى الترتيب الثانى، بعد سيناء، وتضم المنطقة أحياء «مدينة نصر والزيتون والمطرية وعين شمس والألف مسكن»، التى تشهد حالة من العنف بسبب جذور تاريخية.
فى بداية التسعينات، منطقة مدينة نصر لا تزال تتشكل، وكان سكانها من المقتدرين والعائدين أو العاملين فى دول الخليج، وضباط الجيش، وفى نفس هذا التوقيت بدأت عودة قيادات الإخوان من الخارج، وكان من بينهم خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، كما ذكر هيثم أبوخليل، فى كتابه «إخوان إصلاحيون»، وكانت الفرصة مناسبة للإخوان للتوسع فى هذه المنطقة الوليدة، وتسليفها، أى صبغها بالنوازع السلفية، وساعدهم على التوسع أن عقلية من عادوا من دول الخليج، خصوصاً السعودية، كانت مشحونة بالفكر السلفى، وبمرور السنوات تمدد الإخوان وتوسعوا، ومع بداية تضخم الرأسمالية الإخوانية نزح بعضهم لمناطق التجمع الخامس، والمدن الجديدة.
أما مناطق «الزيتون، وألف مسكن، وعين شمس، والمطرية»، فقد كانت حتى بداية التسعينات نموذجاً للطبقة المتوسطة، التى تضخمت وضاق عليها المكان، وأصبحت ظروفها الاجتماعية مواتية لعمليات الاستقطاب، وكانت تعد حضناً للمغتربين، ونما الإخوان فى هذه المنطقة باستراتيجية بناء دولة داخل الدولة، بتوفير الخدمات، كما هو الحال فى الريف، على عكس ما كان يحدث فى منطقة مدينة نصر، التى توسعوا فيها بتقديم أنفسهم فى مظهر الساعى لمحاربة الصهيونية العالمية، بأبعاد دينية. وكانت الزيتون، فى فترة الثمانينات، حضناً للجماعة الإسلامية، حيث انغرست فيها بذرة السلفية القاهرية، فى ظل غياب المعنى الحقيقى لمفهوم الدولة.
وبالتوازى مع ذلك، وتحديداً فى منتصف الثمانينات، كانت بذور العنف تنمو فى سيناء، ولم يكن ساكنو المحافظة، حتى بداية القرن العشرين، يعترفون بالإسلام ديناً لهم، وفقاً لما كتبه نعيم شقير فى كتابه «تاريخ سيناء القديم والحديث»، واستمرت علاقة أهالى سيناء مع الدين بهذا الشكل حتى الخمسينات، ولم تظهر بينهم الجماعات الدينية إلا فى فترة الحشد لحرب 1948. وفى عام 1979 نشأت الجماعة الإسلامية فى سيناء، على يد الشيخ صلاح شحادة فى المسجد العباسى، أقدم مساجد سيناء، وكان دورها مقتصراً على التوعية. ويعد عام 1986 المولد الحقيقى للسلفية الجهادية فى سيناء، التى خرجت من رحمها باقى الجماعات التكفيرية.
وازدادت الجماعات التكفيرية فى سيناء وتطورت بسبب الممارسات الأمنية، حيث تشير رواية إلى أن بداية التسعينات شهدت نقل 2 من ضباط مباحث أمن الدولة من الصعيد إلى سيناء، وأرادا أن ينقلا تجربتهما فى التعامل مع المعتقلين الإسلاميين بالصعيد إلى المعتقلين فى سيناء، فكان أن تم إبعاد مجموعة من إسلاميى سيناء إلى سجون القاهرة والوادى، فاختلطوا بالجهاديين والتكفيريين فى سجون مصر وعادوا حاملين أفكارهم إلى سيناء، ما ترتب عليه ظهور تنظيم «التوحيد والجهاد» على يد أحد هؤلاء المعتقلين وهو خالد مساعد. ونسب إلى هذا التنظيم تفجيرات نويبع، ودهب، وشرم الشيخ فى أعوام 2004، و2005، و2006. أما السبب الثانى فيتمثل فى التحاق عدد من الشباب السيناوى بالجامعات المصرية، وعادوا لسيناء محملين ببعض الأفكار التكفيرية، التى شهدت ذروتها فى الفترة بين منتصف الثمانينات حتى منتصف التسعينات.[FirstQuote]
وفى أغسطس 2009 دكت حماس مسجد ابن تيمية فى غزة على رؤوس عبداللطيف موسى، زعيم جماعة جند أنصار الله، وأعضاء التنظيم، ما دفع عدداً من تكفيريى غزة للهروب لسيناء، وعاد معهم عدد من الهاربين المصريين الذين فروا نتيجة للملاحقات التى بدأت فى عام 2004، بعد التفجيرات، وعادوا جميعهم محملين بقدرات قتالية عالية، وبأفكار تكفيرية ساهمت فى تشكيل أبرز تنظيمات العنف الحالية فى سيناء، وهما «مجلس شورى المجاهدين - أكناف بيت المقدس»، وتنظيم «أنصار بيت المقدس».
وخلال الفترة الأولى من حكم المعزول محمد مرسى، قويت شوكة الجهاديين فى سيناء، وحصلوا على وعود من الرئيس الإخوانى، بألا يمسوا من قبل قوات الجيش، فى مقابل توقف عمليات العنف، وذلك بوساطة من أيمن الظواهرى، وفقاً لما تم نشره من تسريب لمكالمات بين مرسى والظواهرى وتحقيقات ما يعرف إعلامياً بـ«خلية مدينة نصر»، وبعد أشهر من حكم مرسى استهدف التنظيم قوات الأمن وقام بعدد من العمليات، ما دفع الأمن لتنفيذ العملية «نسر 2» التى استهدفت عناصر مهمة فى التنظيم.
وعقب فض اعتصام رابعة وجد «أنصار بيت المقدس» أن الاستماع لوساطة أيمن الظواهرى لم يكن صحيحاً، لموقفه من مرسى، فاتجهوا ناحية تنظيم «داعش» حتى بايعوا التنظيم فى أول مارس 2014، وأعلنوا المبايعة رسمياً فى نوفمبر من نفس العام، بينما كانت مظاهرات الإخوان وحلفائهم تقوى وتشتد فى منطقة شرق القاهرة، أو بالأحرى المطرية وعين شمس، بعدما تصدت قوات الأمن للمناطق التى كان يخرج منها عناصر التنظيم فى الزيتون ومدينة نصر، ومنعت خروجهم منها، فيما كان يحشد الإخوان من المحافظات لمناطق الاشتباكات.
ولم تكن العلاقة بين الوضع فى سيناء ومنطقة شرق القاهرة واضحة بصورة كافية، حتى 28 نوفمبر الماضى، وهو اليوم الذى دعت فيه الجبهة السلفية للحشد تحت مسمى «ثورة إسلامية»، وقتل فى ذلك اليوم ضابطان، الأول فى القليوبية والثانى فى منطقة جسر السويس، وأعلن تنظيم «أنصار بيت المقدس» مسئوليته عن اغتيالهما، ومنذ ذلك الحين تصاعدت وتيرة العنف فى شرق القاهرة، ووصلت ذروتها فى مظاهرات 25 يناير الماضى، حينما حاولت عناصر من الإخوان، ومعهم جهاديون، بعضهم عائد من سوريا، الاعتصام بميدان المطرية، والاشتباك مع قوات الأمن لساعات طويلة.
والتحق عدد من شباب الإخوان والجماعة الإسلامية، من مناطق شرق القاهرة بتنظيم «داعش»، بينما قرر آخرون تشكيل كيانات عنف منفصلة، كالعقاب الثورى ومجهولون وولع وباطل وغيرها، ويستغل قادة العنف فى منطقة شرق القاهرة البيئة الجغرافية فى عدد من المناطق، وصعوبة دخول قوات الأمن للشوارع خوفاً على حياة المواطنين، ما يسهل تنفيذ استراتيجيات «حروب العصابات».