م الآخر| رحلة سقوط أمة "اقرأ"!
مرت سنون عاش فيها المغرب الأقصى، تحت أمره سلطة متطرفة دينيًا، تدعى الحكم الإسلامي، ومر عامًا بعد عام، وجهل ينخر في عقول كانت منارة العالم، ليحولها من العلم للجهل والتطرف والكراهية، فما يشهده الوطن العرب في الوقت حالي من ادعاء الحكم الديني لم يكن أمرًا جديدًا في ربوع أمة نسيت أول ما وجه إليها في كتاب الله الكريم "اقرأ".
نجحت دولة الموحدين التي أسهها أحمد بن تومرت، في شمال إفريقيا، في عام 1121 ، في تشويه العقلية العربية لتتحول من العلم للجهل، وصبغ اتجاهاتهم الفكرية بتشدد وكراهية، شوهت الدين ودمرت العلم.
وجاء الخليفة أبو يعقوب يوسف المنصور.. ذلك الرجل الذي رفض كل ما هو "فاسد" من فكر بن تومرت، فلم يقتنع كثيرًا بأفكار من سبقوه في الحكم، ليصرح جهرًا بعدم عصمة ابن تومرت، مؤسس الدولة، ماحيًا الباطل من دعوته، بعد مرور نصف قرن من الزمان.
وأحرق المنصور، كل ما وقع تحت يديه من مؤلفاته، وكتبه، كما انشغل بتوسيع رقعة دولته ولم يتوانَ عن الاهتمام بالمحدثين، ووفر لهم ما يحتاجون لتبليغ رسالتهم، واحتضان الفلاسفة مثل ابن الطفيل، وابن رشد، وإعطائهم المكانة اللائقة بهم.
ورغم محاولاته.. كان الجهل تفشى في عقول أمة "اقرأ"، فلم يرضَ أهل البلاد بالعلم منهجًا وبالتفكير مصباحًا، ولم ترضَ الغالبية العظمى من شعبه عليه، واندلعت الثورات الرافضة لكل ما هو جديد لإبعاد ابن رشد عن شؤون البلاد، وإن اختلف ذاك المشهد مع المشهد الحالي في طريقة عرضه، إلا أن العرب "صناع العلم" نشروا على شاشاتهم في الألفية الثالثة "حريق كتب".
حرق "داعش" كتبًا ليست الأهم في عصور الازدهار، وإنما كان نبراسًا خافتًا في ربوع وطن ترك علمه وعَلمه، وصار كالقطيع المشتت بلا قوى، فآتت "داعش" تستبيح ما هو مباح منذ عقود، استغلت فراغ العقول لتضع في فراغها سموم.
وتاريخيًا.. رغم احتضان الحاكم للعلم، حرق الشعب "الكتب"، في مشهد درامي كما فعل التتار، أحرقوا منابر الفلسفة العربية وهم لا يدركون مدى جرمهم، في اعتقاد منهم بانتصارهم في رافضين النهوض، وكأن أفكار بن تومرت تغلغلت حتى وصلت إلى العقول فتحول الأمر من الأبيض للأسود، ولا مجال للتقدم، فنكل به، من شعب جرت عادته على وقف العقل، ومنع التدبر في الدين، ولو كلفهم جهلهم حياتهم، إلى أن مات هو وخلف علم ينتفع به، رغم عنهم.
وجاء "العقاب" بعد أن توالت الثورات، ووهنت الدولة، وضعفت، فأودت بحكم الموحدين، ويلخص اسم المعركة أسبابها ونتائجها، فهي بداية النهاية للوجود الإسلامي بالأندلس .
وظهرت قبائل بنو مرين، كقوة لا يستهان بها، وتوالت انتصاراتهم أمام جيوش الموحدين، حتى نجحوا بالفعل في إسقاط دولة الموحدين في مراكش 1269، آخر معاقلهم، لتقوم دولة أساسها حرية الاعتقاد "المرينيون"
ويبقى السؤال ، ماذا بعد "داعش"، أو كيف سنسقط تنظيم بهذه الخطورة، وهل التحالف الدولي هو من يسقطه.. كما أسقط "العراق"، أم ثورة وطن سئم الحياة تحت وطأة الجهل أن حقا يعي مدى خطورة ما توصل له.
لم تعد القضية "إرهاب" يهدد شعوبًا، وخطرًا يتفاقم، ليواجه بالرصاص والنار، وإنما فكر تغلل فينا رغمًا عنا نتيجة تراكمات، فالخطر "الداعشي" هو وجه القفص، وما خفي في نفوس العرب كان أعظم، رغم وجود "حل واضح" نزل على سيد الخلق أجمين، منذ آلاف السنين، وسط جهالة شبه الجزيرة العربية "اقرأ".