"أطفال السخرة" فى "مقالب القليوبية": "معلمين" يجبرونهم على التسول
فى مقالب القمامة تتساوى الحياة، أطفال يعملون بالسخرة، وآخرون ضاعت براءتهم، و«معلمين» كبار يستثمرون فى عَرَق الغلابة من الأطفال، ويجبرونهم فى أحيان كثيرة على التسول، أو احتراف السرقة، وقبل أيام نجحت أجهزة الأمن فى القبض على صاحبى مخزنى خردة وقمامة فى بنها بالقليوبية بتهمة استغلال الأطفال والهاربين من ذويهم فى جمع القمامة وتعريضهم للخطر والانحراف، وضبطت 8 أطفال داخل المخزنين، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 9384 جنح مركز بنها لسنة 2015، وأخطرت النيابة التى تولت التحقيق بإشراف المستشار مؤمن سالمان المحامى العام لنيابات شمال بنها.
«الوطن» استمعت لأوجاع هؤلاء الأطفال، بعضهم قال إنه «كسيب وبياكل من عرق جبينه»، وآخرون تساءلوا «منين ناكل لو سيبنا الشغلانة دى»، وقال «سعيد. م» 15 سنة «إحنا مظلومين وليس كل ما يقال فى التليفزيون والجرايد صحيح، إحنا ولاد ناس وبناكل من عَرَق جبينا، وبنصرف على أهالينا ومفيش عيل بيعمل حاجة غصب عنه، يعنى أنا باشتغل فى الزبالة فى مقلب أبوزعبل من 4 سنين ويوميتى 50 جنيه، زى أى موظف فى البلد، وخرجت من المدرسة وأنا فى سنة خامسة ابتدائى ولكن عندى إخواتى 4 فى التعليم وبأساعد أمى فى تربيتهم وفى أكلهم ولبسهم لأن كلهم فى التعليم ومفيش حد هنا بيشغل حد كل واحد بيعمل اللى فى دماغه».[SecondImage]
وقال زميله «كريم»: «فيه أطفال بتنام فى الشوارع وبيتقبض عليهم، وبيكون العيال نايمة فى الشارع جنب بعضهم والشرطة بتفتكر أنهم بيعملوا حاجات عيب، لكن فى الحقيقة هما بيناموا فى الشارع لأنهم تركوا أسرهم واشتغلوا فى جمع القمامة لحسابهم وبيبيعوها لتجار متعهدين، وأضاف: «للأسف بعض المتعهدين بيستغلوهم ويشغّلوهم لحسابهم الخاص وبيجبروهم على التسول على الطرق السريعة وفى الأسواق والناس بتشفق عليهم لأن هدومهم بتكون مش نظيفة».
وقال «محمود»: «أعمل فى جمع القمامة منذ 4 سنين ولم ألتحق بالتعليم لأن والدى أحضرنى إلى هنا للعمل فى المقلب»، وأضاف: «أقوم بجمع القمامة من صناديق القمامة، وتجميعها وتصنيفها كل نوع على حدة، ثم أقوم ببيع القمامة الخارجة من التصنيف حسب سعر كل منها»، ولا تختلف قصة خالد عن زملائه، وقال: «تركت المدرسة وأنا فى الصف السادس الابتدائى بسبب رسوبى، وحاول والدى معى بكل الطرق حتى أكمل تعليمى إلا أننى كنت أهرب من المدرسة وآتى إلى هنا لكى أعمل وكنت أحصل فى اليوم على 20 جنيهاً مقابل فرز القمامة، وبعد فترة من غيابى عن المنزل جاء والدى وأخذنى إلى المنزل وشجعنى بعد ذلك على العمل فى فرز الزبالة بعد علمه أننى أحصل على 20 جنيهاً وممكن تزيد يوميتى إلى 30 جنيهاً لو أحضرت زبالة من الشارع».
فى المقابل، تم القبض على المتهم الأول ويدعى «سعيد ج.خ» صاحب مخزن خردة وقمامة بناحية الحرس الوطنى، أما المتهمة الثانية فتدعى «إلهام م.ح» وشهرتها «رضا» صاحبة مخزن خردة وقمامة بناحية كفر الجزار، والأطفال هم «محمد أ.ص» من بنها و«خالد أ.ع» من الغربية و«محمد أ.ع» من الشرقية و«أحمد ح.أ» من بنها، و«مصطفى ج.م» من المنيا و«محمود ع.م» من بنها و«عبدالغنى أ.س» و«رحمة أ.س» من بنها، وكان المتهمان يستغلان الأطفال الضحايا فى جمع القمامة والخردة، وكشفت التحقيقات عن قيام بعض الأسر بدفع أبنائهم للعمل فى جمع القمامة وترك الأطفال مع بعض تجار القمامة، والبعض الآخر يلجأ إلى هذا العمل كطريق لجلب المال للأسرة.[FirstQuote]
وأكد مصدر أمنى بمحافظة القليوبية أنه يتم تنفيذ حملات بصفة دائمة على مقالب القمامة والمصانع والتجمعات التى تقوم باستغلال الأطفال فى العمالة الخطرة، مشيراً إلى أن الحملات نجحت فى ضبط عشرات الأطفال الذين يعملون فى هذا المجال الخطر فى الخصوص والقناطر وأخيراً فى بنها، وأكدوا فى التحقيقات أن ظروفهم السيئة وظروف ذويهم المتدنية كانت السبب الرئيسى لهم للاتجاه للعمل فى هذا المجال لأنهم يتقاضون أجوراً تساعدهم فى الإنفاق على أسرهم خصوصاً أنهم يعانون معاناة شديدة من الفقر دفعت أهاليهم إلى أن يخرجوهم من المدارس من أجل العمل، وأشار البعض الآخر إلى أن بعضهم ترك أهله فى محافظات أخرى وجاء للمنطقة وقام أصحاب المخازن باستغلالهم فى العمل فى هذا المجال الخطر.
من جانبه، قال الدكتور إسماعيل بدر، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية ببنها إن الأطفال الذين يعملون فى هذه البيئة والظروف دائماً ما يكونون عرضة للتشرد والعنف والانحراف الجسدى والأخلاقى، مشيراً إلى أنهم يصبحون بمثابة نواة لمجتمع إجرامى فيما بعد. وأضاف: الدولة والمجلس القومى لرعاية الطفولة مطالبان بالنظر إلى مناطق زرايب الخنازير فى الخصوص ومقالب القمامة فى الخانكة وأبوزعبل والقناطر وبنها، ليتم تفريغ هذه المناطق من الأطفال الذين يعملون فى هذه المهنة لأنهم يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد الاجتماعى وهم فى سن خطرة، مشيراً إلى أن الدافع وراء عمالة هؤلاء الأطفال فى هذه المهنة هو الفقر والتفكك الأسرى وعدم وجود رقابة من المجتمع.