بالصور| "الوطن" داخل "مارجرجس" في احتفال "حد الشعانين".. سعف وترتيل
يتراصون ببهجة أمام الكنيسة، "عمو عمو عايزة سعف"، ببراءة تقولها طفلة وضعت في حقيبتها الصغيرة مقصًا وورودًا وشريطًا لاصقًا، لتحتفل بطريقتها الخاصة بأحد السعف، وهي تجلس بجانب والدتها التي ستنشغل عنها بالصلاة وترتيل الألحان، لتعيش تلك الصغيرة في عالمها الصغير تحتفل بالمسيح بـ"خاتم وساعة"، أخبرتها أمها كيف تعدهم لـ"بابا يسوع".
عربات أمن ورجال شرطة يقفوا أمام الكنائس، في حالة تأهب من أعمال العنف أو الإرهاب الذي يلحق بالكنائس خاخة في فترات أعياد المسيحيين، "الأمر ميسلمش، ربنا يعدي الأيام دي على خير"، كلمات يرددها أفراد الأمن طوال فترات حراستهم للكنائس، حيث يخشون وقوع أي أمور تحول تلك الأعياد لمآتم، كما حدث من قبل في أعياد ومناسبات كثيرة.
"فرشنا الكنيسة زعف، وعلقناه في كل حتة، عشان تبقى أورشليم الثانية"، كلمات تتداركها مسامعك من الواقفين يمينًا ويسارًا في رواق الكنيسة، الذي زينته أفرع السعف والزهور، تمامًا كما تحدث الإنجيل عن استقبال أهل أورشليم للسيد المسيح، ووصولًا داخل الكنيسة، حيث يصطف الشمامسة في خورسهم، خلفهم شعب الكنيسة يرددون الألحان.
"أوصنا في الأعالي، هذا هو ملك إسرائيل، مبارك الآتي باسم رب القوات"، قوة انتابت شعب كنيسة مارجرجس بأبي زعبل بالقليوبية، في صوت واحد تداركت مسامعه القلب، ليعلو فأكثر بروحانية تجعلهم يسبحون في ملكوت آخر، تعرض لهم الشاشات المعلقة على الحوائط حولهم، مشاهد من أحد الأفلام التي تعرض لهم حياة المسيح، تحديدًا دخوله أورشليم واستقبال أهلها له بالسعف والنخيل وأغصان الزيتون، وهي المناسبة التي يحتفلون بها هذا اليوم.
"الجالس فوق الشاروبيم، اليوم ظهر في أورشليم، راكبًا على جحش بمجد عظيم، وحوله طقوس تي آنجيلوس"، بالعربية التي تتخللها القبطية، يلحنون مبتهجين بدخول المسيح على جحش صغير، وهو "ملك الملوك" كما يدعونه، ليكون قدوتهم في التواضع، ونموذجًا يحتذى به في حياتهم، يعلمونه للصغار الذين ينشغلن بالسعف ويرددون معهم الألحان.
في أحد أدوار الكنيسة، خصص مكان آخر للأطفال الأشقياء أو الصغار ممن يستهويم اللعب بالسعف، لتقف أحد الخادمات بالكنيسة تشرح لهم ببساطة قصة أحد السعف وماذا ترمز وماذا يستفاد منها الصغار، فبينما تعرض لهم مشهد دخول المسيح، تعرفهم أن أغصان النخيل والسعف الذي يحملها مستقبليه إنما ترمز للسلام، ويتعلموا التواضع من دخول المسيح على حمار وليس سيارة أو موكب، أما الأطفال في مثل أعمارهم الذين وقفوا يهللوا لاستقبال "بابا يسوع" رمزا للبراءة.
عدة ساعات روحانية يقضيها المصليين في طقوس "أحد الشعانين"، بألحان الفرح التي تتحول بعدها لألحان الحزن، مع بدء الكاهن بترتيب صلاة التجنيز العام، التي تعلن عن بدء أسبوع الآلام، الذي ينتظره جميع الأقباط معتبرينه أقدس أسبوعًا في العام، وهو الأسبوع الذي شهد صلب المسيح، بلهجة واضحة يؤكد الكاهن على حضور صلاة التجنيز ورشهم بالماء المصلى، حيث لا يحدث تجنيز آخر في حالة وفاة أحدهم أثناء أسبوع الآلام، نظرًا لأن هذا السبوع خاص بتذكار آم المسيح وموته.
في خشوع وبينما يسود الهدوء، ولا صوت يعلو صوت الأناجيل المقروءة، يبدل الشمامسة ثيابهم، وتسدل ستائر الكنيسة السوداء بدلًا من البيضاء، عقب صلاة التجنيز، إعلانًا لحالة الحداد والحزن التي تغلب على أسبوع الآلام، ليس على السيد المسيح إنما على خطايا البشر، كما يوضح الكاهن بصلاته، يعلقون صور عن آلام المسيح وصلبه وموته، وتنتشر الستائر السوداء كإشارة لسيطرة الخطية قبل الفداء.
يصرف الكاهن شعب كنيسته، داعيًا إياهم لحضور صلوات البصخات صباحًا ومساء، وآلا يفوتوا دقيقة خلال هذه الأيام المقدسة، التي بمثابة فرصة لمراجعة ومحاسبة النفس، والبدء من جديد مع قيام المسيح الذي أعلن عن حبه من خلال قصة الفداء، لينصرف الجميع وتبقى الكنيسة خاوية بعد الزحام الذي شهدته، وتنتظر تلك الستائر السوداء والألحان الحزينة يوم أن تتبدل بالفرح في ليلة السبت القادم، التي ينتظرها المسيحين ليعيدون بقيامة مسيحهم.