بالفيديو| كيف تعرف الفسيخ الجيد من الفاسد؟
"شم النسيم".. عيد أسري له طقوسه الخاصة، يبدأ صباحا بتلوين البيض مع الأطفال، ثم تأتي وجبة الغداء، التي تحتوي على أسماك مملحة، مثل الفسيخ والرنجة وغيرها من مختلف الأنواع، وتحرص كل أم على تقديم الأفضل لأبنائها.
ومع اقتراب "شم النسيم"، تتعالى الأصوات المحذرة من الأسماك الفاسدة، والتي قد تؤدي إلى الشلل التام أو الموت في بعض الأحيان، وانطلاقا من حرص "الوطن" على سلامة وصحة عائلتك وتقديم الأفضل لهم، نقدم إليك تقرير مُفصل عن الأسماك المُملحة، وكيفية اختيارها، من الحاج محمود، صاحب محل لبيع الأسماك المُملحة بميدان الجيش.
أولًا: الفسيخ
يقول الحاج محمود، أن "الفسيخ" يُصنع من سمكة "البوري"، التي تشتهر مدينة "رشيد" بصيدها و"نابارو" بمعقل صناعتها، ويُفضل اصطياد "البوري" في يناير، ثم يتم معاملتها معاملة خاصة، حيث لا يتم تجميدها أو رش أي ثلوج مجروشة عليها إذا كانت بغرض التخليل، بل يجب أن تكون السمكة طازجة تماما ويكون لحمها متجانس ومتماسك ورائحتها مقبولة، ولا يتم فتح السمكة لتنظيفها بل يتم تخيلها كما هي.
وشدد الحاج محمود، على ضرورة غسل السمك قبل تخليله، ثم تصفيته وتجميع الماء المُصفي منه، والذي يسمى بـ"شرش السمك"، وهو ما يدخل في صناعته، ثم يتم تصنيف السمك تبعا لحجمه، حيث تختلف فترة التخليل تبعا لحجم ووزن السمكة، ثم تبدأ خطوات التخليل بإحضار براميل كبيرة من الخشب، ويوضع أسفل البرميل طبقة كبيرة من الملح وتوضع طبقة من السمك المتجانس الحجم فوق طبقة الملح، ثم تتوالى بطبقة ملح وطبقة سمك وهكذا، إلى أن نصل لأعلى البرميل، ثم يتم تغطيته بطبقة من الملح، ويوضع عليه "شرش السمك" ويغلق البرميل.
وعن الفترة التي يستغرقها السمك في الملح حتى ينضج، يقول محمود، إن مدة تخليل الفسيخ أو سمك البوري، تكون من شهر إلى شهرين من بداية تخليله، ولا يتم فتح البرميل قبل ذلك حتى لا يفسد.
وتابع، "تبدأ عملية التسوية ويصبح جاهزا للأكل بعد مرور نحو 3 أسابيع من تخليله، وتستمر صلاحيته حتى الـ6 شهور إذا كان حجم السمك صغير، كما تختلف المدة تبعا لدرجة الملوحة المطلوبة، فإذا كان "الفسيخ" قليل الملح، فهو الأنسب لأصحاب الضغط المرتفع أو أمراض الكلى، مؤكدًا أنه لا يجب ترك الفسيخ شهرين كاملين، بل يُفتح البرميل بعد مرور شهر فقط، وإذا كان "الفسيخ" مملح وحجم السمك كبير، فيجب أن يُترك 3 شهور كاملة.
أما عن كيفية اختيار السمكة المناسبة، يقول محمود "يجب أن تكون ذات ملمس ناعم وقوام متماسك، فالعيون الواضحة ليست شرطا لسلامة السمكة، حيث أن التخليل في الملح يجعل لون عيون السمكة بيضاء، كما يجب أن تكون رائحة السمكة جيدة".
يقول الحاج محمود عن وزن السمكة، إنه يجب عدم اختيار الأسماك الكبيرة الحجم بشكل مبالغ، أو الأسماك الصغيرة، ويجب أن يتراوح حجم السمكة من 750 جراما إلى كيلو.
وأوضح الحاج محمود، أن السمك الفاسد يُعرف من رائحته وملمسه، مضيفًا "إذا كانت السمكة لينة بشكل واضح يجب الابتعاد عنها فورا، كما يجب عدم شراء الأسماك المُملحة من أماكن غير موثوق بها أو غير معروفة، حيث أن هذا الوقت من العام يُعتبر موسم، وفي المواسم يكثر ضعاف النفوس والدخلاء على المهنة، بهدف تحقيق ربح على حساب صحة الأفراد".
وعن طريقة تخليل السمك في المنزل، أوضح محمود، أن الفسيخ الجاهز يختلف كليا وجزئيا عن المصنوع في المنزل، حيث أن أول أسباب فساد الفسيخ، هي التهوية غير الجيدة، فالبراميل الخشب التي يتم التخليل بها ذو مسام واسعة، ما يسمح للأسماك بالتنفس، أما الأدوات المنزلية المصنوعة من البلاستيك أو الزجاج، تعرض الأسماك للفساد، مضيفًا "الفسيخ المنزلي لا يكون بنفس نعومة وطريان الجاهز، حيث لا يتم إضافة (شرش السمك) له، ما يجعل الفسيخ لينا من الداخل وجيد للأكل".
وفيما يخص الأسعار، أكد محمود أن الأسعار لم ترتفع مُطلقا عن السنة الماضية وثابتة إلى حد ما، حيث وصل كيلو الفسيخ إلى 94 جنيها، مؤكدًا أنه سعر مناسب للأسماك الصالحة والمضمون أكلها، مضيفًا أن هناك بعض المحال تبيع كيلو الفسيخ بـ50 جنيها، ما يجعله مشكوكا في سلامته.
ثانيا: الملوحة
يقول الحاج محمود، إن "الملوحة" تُصنع من سمكة "الراي" أو "كلب البحر"، وهي أسماك بحيرة السد بأسوان، وتكون كبيرة الحجم نسبيا، وأكثر المدن شُهرة في صناعة "الملوحة"، هي مدينة أسوان.
وتعرف "الملوحة" المصنوعة فيها بـ"الملوحة الكلابي"، وتشتهر بجودتها العالية، ولا تختلف طريقة صناعة "الملوحة" كثيرا عن صناعة "الفسيخ"، فتُخلل تقريبا بنفس الطريقة، لكن يتم تخليلها في علب من الصفيح، تزن الواحدة نحو 20 كيلو، ويتم غسلها قبل تخليلها.
يقول محمود، إنه يجب تنظيف السمك بفتحه وإزالة أحشائه قبل تخليله، ويحفظ بوضع طبقة ملح وطبقة سمك بالتبادل، ويُغطى أخيرا بـ"شرش السمك"، الذي يعتبر كلمة السر في هذه الصناعة.
وعن مدة التخليل، يوضح الحاج محمود، أن "الملوحة" تستغرق وقتًا أطول من "الفسيخ"، تبعا لملوحتها الزائدة، حيث يتم تخليلها مدة لا تقل عن 3 أشهر كاملة، ولا تصبح جاهزة للأكل قبل ذلك، وكلما كانت السمكة أكبر في الوزن، كلما احتاجت وقتا أطول لتتم تسويتها من الداخل كليا، وتصبح جاهزة للأكل.
أكد "محمود"، أن اختيار السمكة المناسبة لـ"الملوحة" خاصة، يجب أن يتراوح حجمها من كيلو إلى 2، وهو الوزن المناسب، ويجب أن يكون ملمسها متجانس إلى حد ما، وأن تكون ذات لون فاتح ورائحة مقبولة، أما إذا وجدت السمكة بلون قاتم أو رائحة كريهة يجب الابتعاد عنها فورا.
ويتراوح سعر كيلو "الملوحة الكلابي الأسواني"، من 70 إلى 80 جنيها للكيلو، ويزيد تبعا لحجم السمكة.
ثالثا: السردين
"السردين الرشيدي" لا يُعلي عليه، هكذا قال الحاج محمود حين سألناه عن "السردين"، موضحًا أن مدينة "رشيد" أساس معظم الأسماك الجيدة المُخصصة للتمليح، وأشهر ما يوجد بها هو "السردين"، فهو جيد من حيث الشكل والحجم واللون، وهو ما لا تجده في أغلب المدن التي تصطاده.
وعن صناعته، يقول محمود "يُغسل السردين جيدا في اليوم الذي يسبق تخليله، ويُصفي جيدا في مصاف كبيرة، بحيث يكون واقفا على رأسه، ويُترك على الأقل 12 ساعة ليجف، ثم تبدأ عملية تخليله في براميل من البلاستيك المعزول، بعكس "الفسيخ"، ويُوضع داخل كيس من النايلون العازل للهواء داخل البرميل البلاستيكي، وتُوضع أسفل البرميل طبقة من الملح ثم طبقة من السمك، ويتم الرص بالتبادل حتى انتهاء الكمية.
ويحتاج السردين مدة تقترب بين شهر ونصف إلى شهرين ليتم تخليله، ويضيف محمود "طريقة تخليل السردين سهلة جدا، وأغلب ربات البيوت يقمن بتخليله طوال العام، لعدم احتياجه إلى مهارة خاصة بعكس الفسيخ، ويكون في النهاية أفضل من حيث الشكل والطعم من الجاهز في محلات الأسماك"، ويتراوح سعر السردين من 40 إلى 50 جنيها للكيلو.
رابعًا: الرنجة
سمكة "الرنجة" هي السمكة المُخصصة لصناعة الرنجة، وهي مستوردة ولا توجد في مصر، تستوردها المصانع المصرية طازجة وتصنعها محليا، ولا يتم تخليلها بالطريقة المعتادة، لكن يتم تعليق السمكة من خياشيمها على خطافات، ويتم إشعال نوع معين من الأخشاب أسفلها، بحيث يكون الناتج من حرق الخشب "دخان" وليس "نار" أو "فحم" على درجة حرارة معينة، فيتحول لون السمكة من الأبيض إلى البني الذهبي كما نعرفها.
حذر الحاج محمود من الرنجة الفاسدة، التي تكون الأكثر انتشارا في الأسواق تبعا لرُخص ثمنها، فيجب التأكد من مصدر الرنجة والشركة المُصنعة لها وتاريخ صلاحيتها، واختيار السمكة التي تميل للون البني وليست الذهبية، حيث يوجد بعض فاقدي الضمير من يقوم بتدخين أي نوع سمك فاسد ويطليه بدهان "الجمالكا" المُخصص للأخشاب، كي تبدو السمكة باللون الذهبي، كما يجب اختيار السمكة ذات القوام المشدود والرائحة النفاذة لضمان جودتها.
وعن الأسعار، يقول محمود "يترواح سعر كيلو الرنجة الجيدة من 30 إلى 40 جنيها ليس آكثر، ويوجد ما هو آقل من ذلك لكنه غير مضمون المصدر".
وأوضح الحاج محمود، أن أكثر الأسماك طلبا في شم النسيم هي "الفسيخ" و"الرنجة"، أما "الملوحة" يكون طالبها صاحب ذوق خاص، نظرا لملوحتها الزائدة.
وحين سألناه عن أغرب ما يتم عمله بالأسماك المُملحة، قال إن الفسيخ المطبوخ بالطماطم وهو أكلة شامية الأصل من أغرب ما يتم عمله، حيث يتم تقطيع الفسيخ المُملح إلى قطع متوسطة الحجم ويتم تسبيك صوص الطماطم مع البصل والفسيخ ليتم طبخه، كما يوجد من يصنع الصوص من "الملوحة" بضربها في الخلاط ليصنع منها غموسا.