ناجح إبراهيم: فقه "الموت والتدمير" ينقّب عن الآيات.. ويمزقها تمزيقاً
أكد الباحث والقيادى السابق بالجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم أن معظم المنتمين للتنظيمات المتطرفة ليس لديهم أى خلفية عن الدين الإسلامى، ومنهم من يحيا حياة اللهو والعبث، وبلا كيان، ويريد أن يثبت ذاته من خلال القتل والذبح.
ويوضح «إبراهيم» أن القائمين على تلك التنظيمات يمزقون آيات الله ويخرجونها عن سياقها، خاصة آيات «القتال»، ويلفت النظر إلى أن الحديث الذى تروج له الجماعات المتطرفة منسوباً للرسول، ويحث فى مضمونه على القتل والذبح، ليس صحيحاً.
■ كيف يتم استغلال القرآن الكريم، خاصة آيات القتال فى صياغة أفكار ومفاهيم التيارات المتطرفة؟
- أولاً الأصل فى الإسلام هو السلام، وعندما خلق الله الخلق وجعلهم أعراقاً ولهم أفكار متباينة ومختلفة ليس من أجل أن يتقاتلوا أو يتصارعوا، بدليل أن فى القرآن «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» فكان من الممكن أن يقول لتتقاتلوا أو تتصارعوا أى إن الهدف من خلق الخليقة التعارف والتلاقى الفكرى والحضارى والبشرى، وليس هناك ما يقال إن أهل الإسلام حاربوا غير المسلمين بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إليه أهل نجران وهم كانوا مسيحيين وأقاموا بالمسجد 15 يوماً وعرض الرسول عليهم رسالته والدخول فى الإسلام فرفضوا وقالوا رغم ذلك إنهم لن يحاربوا بعضهم البعض ووافق الرسول على ذلك ورغم ذلك أكرمهم حتى عادوا سالمين إلى ديارهم وعندما دخل المسلمون البلاد لم يحاربوا شعوبها بل حاربوا الجيوش، ومن أراد أن يدخل الإسلام ومن لم يرد لم يصبه أذى بدليل الآية القرآنية «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» أى أن الإسلام أمر يقره القلب وليس القوة بالسيف أو الذبح أو القهر أو ما غير ذلك. وهذا يوضح أن الأصل الذى ذهب إليه مؤسسو التنظيمات الجهادية أصل خاطئ، بدليل أنه كان هناك تحالفات مع الرسول عليه الصلاة والسلام كان بها مشركون مثل «صلح الحديبية» و«وثيقة المدينة». الرسول أيضاً عمل شيئاً رائعاً وهو «الدفاع المشترك» بينه وبين اليهود، والعلة فى القتال هى المقاتلة أى فى حين الاعتداء عليك تقاتل هنا بدليل قول الله تعالى «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» ولم يقل الذين يخالفونكم فى الدين، أى فمن حاربك وقاتلك فقاتله أياً كان حتى لو من نفس الدين، وأتذكر هنا حينما اعتدى صدام حسين على الكويت انتفضت الدول العربية وتصدت لهذا الاعتداء. والدول العربية انتفضت أيضاً لقتال الحوثيين.
■ وبما أن الإسلام فى الأصل دين سلام كيف تتم السيطرة على الشباب بأفكار مخالفة لما ذكرته مسبقاً؟
- تتم السيطرة عن طريق عدة أمور، أولاً استغلال من لم يكن لديهم أى فكرة عن الدين الإسلامى، ولذلك فإن معظم المنضمين لهذه التنظيمات، هم خريجو الكليات العملية، وأتذكر شاباً كان «طبيب أسنان» سافر إلى سوريا، وتم قتله هناك منذ أيام ولم يكن لديه أى خلفية عن الدين الإسلامى، وهنا تكون أول بذرة يجرى زرعها فى عقله عن الدين الإسلامى، من وجهة نظرهم، ولو كان شخص آخر سبقه ووضح له «الإسلام الوسطى» لاختلف الأمر، لأن عقل الإنسان مثل الوعاء الفارغ يمكن ملؤه بأى شىء، بخلاف من تكون لديه فكرة عن الإسلام فتكون هناك صعوبة فى السيطرة عليه أو استقطابه. الأمر الآخر هو الصراع السياسى مثلما فى مصر وبلاد المسلمين، هذا الصراع كانت نواته الأولى التى ظهرت منذ بداية ظهور الخوارج فى عهد سيدنا على بن أبى طالب عندما نشب صراع مع معاوية بن أبى سفيان، الذين كانوا يعتنقون فكرتى التكفير والعنف، وكلاهما يغذى الآخر ووجه قبيح للآخر، نأتى للعنصر الأخير وهو الفراغ وحياة اللهو والعبث التى يعيشها بعض الشباب الذين لا يجدون ذاتهم ولا كيانهم، ولا يرون هدفاً لحياتهم مثل الأوروبيين الذين انضموا لـ«داعش» وجرت تغذيتهم من جانب التنظيم ودغدغة مشاعرهم بأنهم سيكون لهم كيان وسيقيمون الشريعة والخلافة، وعندما يخوضون حروباً يعتقدون أنهم سيحررون كل البلاد المحتلة، ولهم دور قوى ومهم، وكل هذا وهم، كما أن السلاح مغرٍ، وحامله يبحث عن «فقه السلاح» أو «العنف»، مع أن الإسلام جاء بفقه الإحياء ولم يأت بفقه الموت، بدليل قوله «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»، وفى القتل هنا قال الله تعالى «ومن قتل نفساً بغير نفس» ولم يقل «من قتل مسلماً» مثلاً بل قال «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض» أى أن قتل شخص يؤدى إلى قتل مزيد من الأشخاص وهذا ما يرفضه الإسلام، لأن النفوس كلها سواء لأنها خلق الله. ومعظم الميليشيات المنضم لها شباب لا يزرع ولا يصنع ولا يعالج ولا يبنى ولا يقيم دولة ويعتقد أن دينه يقتل أصبح يبحث عن «فقه الموت والتدمير» وينقب عن الآيات ويمزقها تمزيقاً ويخرجها من سياقاتها المنطقية ولم ينقب عن الآيات التى تنهى عن الإكراه، وهم يريدون إكراه الناس على نمط معين من الفكر وإلا يكون مصيرهم الذبح والقتل.
■ بعض مرجعيات تلك التنظيمات تروج إلى أن هناك حديثاً شريفاً نصه «أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح» فى تهديد صريح للكفار، بماذا ترد على ذلك؟
- أعتقد أن هذا الحديث ليس صحيحاً، ولو كان صحيحاً لماذا لم يطبقه الرسول عليه الصلاة والسلام مع الذين عذبوا أصحابه بعدما تمكن منهم، بل قال لهم «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وعندما قٌتل سيدنا حمزة بن عبدالمطلب قال سيدنا محمد إنه سيقتل 70 ثأراً له فنزلت آية قرآنية تنهاه عن ذلك نصها «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون» إذن لماذا لم يطبق الرسول الذبح فى عهده؟ ولذلك أنا أشك فى صحة هذا الحديث خاصة أن خطاب القرآن معاكس لهذا الحديث.
■ بم تفسر صعوبة السيطرة على هذه التنظيمات المتطرفة؟
- غياب الدول أو ضعفها هو السبب الرئيسى، لأنه كلما تضعف الدولة تظهر الميليشيات المسلحة، مثلما حدث فى لبنان فهناك أكثر من ميليشيا مثل «حزب الله» مسلحة وأقوى من الدولة نفسها وأيضاً فى العراق هناك حوالى 63 ميليشيا، وسوريا بها حوالى 20 ميليشيا، وفى ليبيا حوالى 6 ميليشيات، إذن غياب الدولة بمنظومتها ومؤسساتها وأمنها وانضباطها وعدالتها السياسية والاجتماعية هو سبب رئيسى لظهور الميليشيات وانتشارها وقوتها.
■ ما الذى تقترحه على الدولة لكى تواجه مثل هذه الأفكار التى تسىء للإسلام؟
- على الدولة أن تقدم خطاباً وسطياً وتحارب الإفراط والتفريط، أى تحارب الذين يكفرون ويفجرون وتحارب أيضاً الذين يسبون الدين ورموزه وأئمته العظماء الذين قدموا الكثير.