بروفايل| محمد مرسي.. "المعزول" بـ"البدلة الزرقاء"
بعد عام ونصف من الصراخ والأصوات المتعالية التي عبرت عنه طوال الجلسات الـ57 السابقة، وترديده أنه الرئيس الشرعي للبلاد ورفضه الاعتراف بتلك المحاكمات، وقف اليوم للمرة الأولى صامتًا مشدوهًا من هول التوتر والقلق الذي اجتاحه، والترقب الذي بدى في عينيه، حيث ثبت في مكانه كغيره من المصريين الذين اصطفوا في أماكنهم، استعدادا لسماع مصيره في أولى القضايا التي يحكم عليه فيها، وبعد دقائق مرت كالسنوات نطق المستشار أحمد صبري يوسف، قاضيا بسجنه المشدد 20 عامًا بتهمة استعراض القوة في قضية "الاتحادية"، وما لبث أن رفع إشارة "رابعة" ممسكًا بأيدي غيره من المتهمين.
محمد مرسي العياط، ولد في أغسطس 1951، بقرية العدوة التابعة لمحافظة الشرقية، لوالد فلاح وأم ربة منزل، نشأ في ظروفًا عادية كغيره من أبناء قريته، فتعلم في مدارس المحافظة، ثم انتقل إلى القاهرة للدراسة في كلية الهندسة لجامعة القاهرة، ليحصلل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف 1975، ما أهله للعمل بها كمعيدًا، والحصول على ماجستير هندسة الفلزات في 1978، وفتح تفوقه الدراسي أمامه الباب للحصول على منحة دراسية من بروفيسور كروجر من جامعة جنوب كاليفورنيا، وعلى دكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا 1982.
العلم والدراسة، لم يكونا فقط شغله الشاغل طوال هذه الأعوام، حيث سعى لتأهيل ذاته سياسيًا، ما جعل ميوله تتجه إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين في 1977، وبالفعل أعلن انضمامه الرسمي لها عقب عامين، وعمل عضوًا بالقسم السياسي لها، ما دفع الجماعة للزج به في انتخابات مجلس الشعب لفترتي 1995 و2000، وبالفعل تمكن فيها من الفوز، وشغل موقع المتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية للإخوان، فسجل اسمه فيها كونه صاحب أشهر استجواب عن حادثة قطار الصعيد، وإدانته الحكومة، فخرجت الصحف الحكومية في اليوم التالي تشيد باستجوابه، كما تم انتخابه في مجلس شورى الإخوان أبريل 2011 رئيسًا لحزب الحرية والعدالة، الذي أنشأته الجماعة عقب ثورة 25 نياير.
لم تقف حياة مرسي السياسية، عند هذا الحد، حيث اختير عضوًا في المؤتمر الدولي للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، بجانب مشاركته في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير في 2004؛ كما ساهم في تأسيس التحالف الديمقراطي من أجل مصر والذي ضم 40 حزبًا وتيارًا سياسيًا 2011.
وكان للاعتقال نصيبًا من حياة أول رئيس مدني عقب ثورة يناير 2011، حيث زار السجون مراتٍ عدة، فقضى فيه سبعة أشهر مع 500 من الإخوان في العام 2006، لمشاركته في مظاهرات شعبية تندِّد بتحويل اثنين من القضاة إلى لجنة الصلاحية، وتم حبسه أيامًا معدودة في ديسمبر 2006، كما اعتقل في سجن وادي النطرون قبيل اشتعال ثورة 25 يناير مع 34 من قيادات الإخوان، إلا أنهم تمكنوا من الفرار نظرًا لحالة الانفلات الأمني التي سادت البلاد أثنائها، وهي التهمة التي يمثل أمام القضاء بسببها في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"الهروب الكبير".
دفعت الجماعة به مرشحا عن الإخوان في أول انتخابات رئاسية مدنية عقب الثورة رغم عدم علم الكثيرون به، كبديل عن خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، لمنافسة الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق، الذي يعدّ أحد رموز نظام مبارك، وبفوزه في تلك الانتخابات نجحت جماعة الإخوان في السيطرة على مقاليد حكم مصر، للمرة الأولى في تاريخهم.
ورغم أن فوزهم بالمنصب الأعلى في الدولة جاء بعد سعي الجماعة للوصول إليه ما يقرب من قرن، إلا أنهم استغلوه أسوأ استغلال فأشاعوا الفساد في البلاد وفتكوا بأبنائها ظنًا منهم أن هذا يساعدهم على استمرار وجودهم في الحكم وقتًا أطول.
الفشل البين الذي أظهره في العديد من الخطب السياسية واللقاءات الدولية التي حضرها، والتي تسببت بعضها في حدوث أزمات سياسية مع الدول، كلقائه لحل مشكلة سد النهضة، واجتماعه في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلامات وشواهد كثيرة أخرى، أكدت للمصريين الخطأ الشديد الذي وقعوا فيه بتتويج مرسي رئيسًا للبلاد، دفع الشعب لأشعل نيران الثورة الثانية.
وخرج الشعب في مظاهرات حاشدة 30 يونيو 2013 تفوق أعدادها على الذين خرجوا في ثورة يناير المجيدة، بعد قضاء مرسي عامًا واحدًا فقط في الحكم، لتطيح به الحشود الثائرة الغاضبة وترده إلى غياهب السجون مرة أخرى.
واليوم، وقع عليه أول حكم في القضايا التي يحاكم فيها، حيث قضى رئيس محكمة الجنايات في "أحداث الاتحادية"، بالسجن المشدد عشرون عامًا على مرسي، ليصبح بذلك سجينًا بأمر القضاء.