السيرة الهلالية.. "النداهة" التى أحبها حتى النهاية
كان لها مفعول السحر عندما وقع عليها نظره للمرة الأولى بين سرادقات «المولد»، بالرغم من شكل الصندوق الخشبى البائس «صندوق الدنيا» ورتابة من يروى قصة «أبوزيد الهلالى»، ليخترق قلبه ووجدانه قبل أذنه «بطل الأبطال وفارس الرجال زعيم بنى هلال أبوزيد الهلالى سلامة اللى حربته فيها الندامة، الحربة دخلت من جانب طلعت من جانب، اتفرجوا يا ناس على قتلة أبوزيد للهراس»، إلا أنه وقع فى غرامها بشكل جعله يكرّس حياته فى جمع شتاتها من على ألسنة الرواة والشعراء، بعد أن فتحت مداركه على الفن الشعبى، لينتهى به الأمر بتحقيق حلمه والحفاظ عليه فى أول متحف للسيرة الهلالية فى مسقط رأسه بمدينة «أبنود» بمحافظة قنا.
نشأ «الأبنودى» منذ صغره على قصص «السيرة» الملحمية وأحبها وأتقنها، للدرجة التى فتحت له أبوابها الخلفية وبئرها العميقة ليصل إلى أسرار القاع، فكان صغيراً يتجوّل بين «الموالد»، يسمع الرواة ينشدون الملاحم الحربية لبطولة «الهلالى»، فكان ينسجها فى وجدانه فى عالم سحرى خيالى انفتح أمامه وتعلق به ليصبح كمن ندهته «النداهة». يحضر مولد «سيدى عبدالرحيم القنائى» ويقضى أيامه تحت أقدام المنشدين، كبداية رحلة ممتدة لجمع السيرة التى تحكى عن تغريبة قبائل «بنى هلال» وارتحالهم من الجزيرة العربية إلى مصر وبعدها تونس، وما فيها من أحداث درامية وملحمية.
5 مجلدات هى: «خضرة الشريفة»، «أبوزيد فى أرض العلامات»، «مقتل السلطان سرحان»، «فرس جابر العقيلى»، و«أبوزيد وعالية العقيلية»، جمعها «الأبنودى» خلال رحلته الممتدة فى جمع «الملحمة الهلالية».
جهود «الأبنودى» ومحاولاته فى الحفاظ على هذا الجزء المهم من التاريخ الشعرى كانت وراء قيام وزارة الثقافة ببناء متحف السيرة الهلالية بمدينة «أبنود» فى محافظة قنا، الذى يعد أول متحف من نوعه فى مصر يحافظ على هذا الإرث الأدبى الخالد ويحميه من الاندثار، ويربط بين الحاضر الثقافى والفلكلور الشعبى على مساحة تصل إلى 870 متراً، تحتوى عدداً كبيراً من الكتب والأبحاث مهداة من «الأبنودى» وجمال الغيطانى، ومن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالإضافة إلى دواوين الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، وأشرطة كاسيت للرواية الأصلية للسيرة الهلالية تصل إلى «132 شريطاً»، وتعليقات «الأبنودى» عليها، وصور فوتوغرافية للشاعر الكبير من أحقاب زمنية مختلفة بين رواة وشعراء السيرة الهلالية، الذى كان من المقرر افتتاحه يوم 26 أبريل الحالى، لكن الوعكة الصحية التى صاحبت الشاعر الكبير فى الفترة الأخيرة كانت السبب وراء تأجيل افتتاح المتحف، ليحضر تدشينه بنفسه، على الرغم من أنه قد زاره عدداً من المرات خلال فترة الإعداد الرئيسية له وفقاً لحديث الكاتب الكبير يوسف القعيد الذى رافقه عند زيارته تلك. وقال «القعيد» لـ«الوطن»: «رأيت فى عينى (الأبنودى) فرحة كبيرة عندما شاهد هذا الصرح أمامه، الذى كان يحلم به ليجمع داخله رحلة عمره فى حفظ هذا النوع من الأدب والفلكلور الشعرى من الضياع». تبدأ مسيرة «الأبنودى» فى جمع السيرة الهلالية، منذ عودته من القاهرة، إلى الصعيد مرة أخرى.