دراسة عن تعيينات القضاء: "حسن السمعة" مرتبط بالتحريات الأمنية المجهّلة
حصلت «الوطن» على نسخة من رصدت بعض المخالفات الصارخة فى التعيين بالوظائف القضائية خلال عدة سنوات فائتة، بدءاً من شروط التقدم للترشح لشغل الوظيفة مروراً بالتدخل الأمنى والمقابلة الشخصية واستبعاد مرشحين لفقر الوالد تحت مسمى سوء السمعة، وأخيراً إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية التى يحصل عليها الطاعنون فى استبعادهم، والتي عرضها الدكتور فتحى فكرى، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وعضو لجنة العشرة لوضع الدستور، في كتابه الذى أصدره مؤخراً وعرض فيه نتائج دراسة تحليلية أجراها بعنوان «اتجاهات المحكمة الإدارية العليا فى التعيين بالوظائف القضائية».
طالبت الدراسة بتصدى القضاء لأخطاء التحريات، حيث أشارت إلى أنه فى بعض الأحيان ترد التحريات بوقائع مغلوطة، ومثال ذلك إفادة التحريات باتهام ابن عمة مرشح لوظيفة معاون نيابة إدارية فى قضية تبديد رقم 11124 لسنة 2003 جنح سمسطا مما أفضى إلى حرمانه من الوظيفة، وباللجوء إلى القضاء كانت المفاجأة أن آخر رقم فى جدول الجنح لعام 2003 هو رقم 10491 ولم يصل رقم قيد الجنح إلى الرقم الوارد بالتحريات. ويقول د. فتحى فكرى إنه قد تكون الوقائع حقيقية لكنها مبتورة، بما ينتج عنه صدور قرارات لا تقوم على سبب صحيح، ومن النماذج المجسدة لهذا الأمر ما ذكر لإثبات عدم حسن سمعة مرشح للنيابة الإدارية من اتهام والدته فى قضية عرض سلع مجهولة المصدر، دون بيان حصولها على البراءة من التهمة وهو ما تأكدت منه المحكمة لتعيد له حقه السليب فى تقلد الوظيفة.
كما أكد الكاتب أن الأكثر خطورة فى التقارير الأمنية هو اتسامها بالتجهيل، فقد أشارت التحريات عن مرشح لهيئة قضائية إلى اتهام والده فى جنحة قضى فيها نهائياً بالحبس والإيقاف، واتساقاً مع موقفه أهدر القضاء تلك التحريات لكونها لم تحدد على وجه القطع واليقين طبيعة الجنحة أو الجريمة التى أسندت لوالد الطاعن بل جاءت معلوماتها فى هذا الصدد مجهلة خاصة أن صحيفة الحالة الجنائية للوالد خلت من سبق صدور أحكام قضائية ضده.
كما طالبت الدراسة أيضاً بضرورة عدم جواز التعويل على اتهامات حفظت أو قضى بالبراءة فيها، وأشار إلى استبعاد مرشحة للتعيين بالنيابة الإدارية بناء على كتاب جهاز أمن الدولة بعدم الموافقة على تعيينها فى 2009 دون الإفصاح عن أسباب الرفض.
وقال د. فتحى فكرى: «الحقيقة أن جهاز أمن الدولة بهذا النهج تجاوز الدور المرسوم له، فالعمل المناط به هو التحرى عن ذى الشأن وبيان وجود موجبات لانتفاء حسن السمعة عنه من عدمه، وحال اكتشاف ما ينبئ عن تخلف حسن السمعة يقف دور الجهاز عند بيان الأسباب التى دعته إلى استخلاص تلك النتيجة، أما التعيين من عدمه فيخرج من نطاق سلطة أى جهاز أمنى ليظل اختصاصاً أصيلاً للجهة المقررة إجراء التعيينات بها، ولذلك لا يصح أن يرد فى تقارير التحريات ما يعبر صراحةً أو ضمناً عن رفض أو قبول التعيين، وإلا كنا بصدد تدخل من الجهة مقدمة التقرير فى عمل سلطة أخرى».
وبخصوص الصلاحية الاجتماعية عرض الكاتب لنماذج استبعاد مرشحين لتولى وظيفة قضائية بسبب مهنة الوالد ومنها استبعاد طالب لأن والده يعمل مندوب شرطة، كما أكد د. فتحى فكرى أنه قبل ثورة يناير 2011 تفشت ظاهرة الإقصاء من الوظائف المهمة والمتميزة استناداً لضعف المستوى الاجتماعى.
ولعل أكثر النماذج المأساوية لتلك الظاهرة ما حدث عام 2009 من إقدام شاب على الانتحار نتيجة استبعاده من وظيفة ملحق تجارى بوزارة الخارجية بعد أن اجتاز جميع الاختبارات واعتلى قائمة المرشحين باقتناصه المركز الأول، إلا أن العقبة الكئود المتمثلة فى المركز الاجتماعى «بساطة وظيفة والده» عصفت بتميزه واغتالت تفوقه، فتملكه اليأس القاتل وهوى به إلى الانتحار، وكان ذلك أحد أسباب ما قضى به دستور 2014 من إنشاء مفوضية مستقلة غرضها منع كل أشكال التمييز فى الفقرة الثالثة من المادة 53 من الدستور.
بينما تناولت الصلاحية الطبية سرداً بالأمراض التى حددت والتى يمنع بموجبها التعيين فى الوظيفة القضائية كأمراض نقص المناعة المكتسبة وتضخم الكبد والطحال وداء الفيل وإدمان المواد المخدرة والأمراض النفسية والعقلية والصرع وأمراض القلب العضوية والشرايين التاجية وأمراض الأذن المزمنة والفشل الكلوى وضعف الإبصار.