لوحات مسامير تتحدى روتين الوظيفة الحكومية: أنا فنان
فى لوحة اليأس، دقدق «شاكوشه» مسامير الأمل، وبالخيوط الحرير ضفّر «موهبته» التى اكتشفها «على كبر»، بعد أن خذله التنسيق، فحصل على دبلوم تجارة، لكنه لم يستسلم لوظيفته الحكومية الرتيبة، وحياته المزدحمة بين العمل والأسرة، وقرر أن يخطف ساعتين من يومه لرسم لوحات فنية بالمسامير والخيوط تعزله عن الحياة الشاقة التى تتكرر تفاصيلها يومياً.
على طاولة بسيطة فى بيت العائلة بإمبابة، جلس محمد محمود، (35 عاماً) بين معداته، يد تقبض على شاكوش والأخرى يثبت بها مسامير لوحته الأولى فى فن «البولوجراف»، أيام من «الدقدقة» انتهت بعلامات الانبهار على وجوه أبنائه الثلاثة «محمود»، «إسلام»، «فرح»، وهم يصيحون «حلوة أوى يا بابا»، عندئذ تأكد الرجل الأربعينى أن رحلته الفنية وموهبته قد بدأت بعد 15 سنة أفناها بلا هدف فى الوظيفة الحكومية: «الإنسان بيعيش عشان يتعلم، وأنا علمت نفسى بنفسى، وفى شهر بقيت قادر إنى أنفذ أى لوحة مهما كانت صعوبتها، وأنا قلت لليأس طظ واتحديت الشهادة اللى بتتعلق على الحيط». «690 مسمار ونص بكرة خيط كبير حديد»، عادة هى الحصيلة النهائية لأى لوحة يصنعها «محمد» بيديه العاريتين، أملاً فى رسم أكبر عدد من اللوحات ليتمكن من إنشاء معرضه الذى يحلم به، بالرغم من ضيق ذات اليد الذى يدفعه أحياناً إلى اختلاس عشرات الجنيهات من راتبه قبل أن يعطيه لزوجته لشراء خامات لوحاته من الموّان: «مش عيب أنى أصرف على فنى لأنه فى يوم من الأيام هيصرف عليا.. وبالإرادة هقدر أوصل رسالتى وأكبر فنى اللى بخرج بيه من قرف العيشة وزحمة المواصلات».
«يا ريت محدش يستخف بأصحاب المؤهلات المتوسطة» عبارة اختتم بها «محمد» لوحة «تحدى اليأس»، التى صنعتها الحياة وتغلب عليها بعزيمته: «محدش فينا كامل، أنا فخور بالدبلوم اللى وصلنى للدقة اللى بنفذ بيها لوحاتى، بس يا ريت الناس تفهم إننا مش درجة تانية».