"الجلسات العرفية".. منصة القضاء في "الصعيد وسيناء"
"الجلسات العرفية".. تعد أحد أهم اللقاءات المتداولة والأساسية لدى العائلات الكبيرة والمجتمعات القبلية والصعيد، تحمكها عدد من الأعراف المتفق عليها بين القبائل وأحكام الشريعة الإسلامية، ولتلك الجلسات أهمية كبيرة في التصالح بين طرفي النزاع في مختلف مناطق الجمهورية، والتي كان آخرها منذ يومين، بقرية كفر درويش مركز الفشن في محافظة بني سويف.
وجاءت تلك الجلسة ببني سويف بعد نشر أحد أبناء القرية ويدعى أيمن يوسف مرقص، يعمل بالأردن، يُقال إنه أمي، رغم امتلاكه حسابًا على موقع "فيس بوك"، نشر صورة اعتبرت أنها مسيئة، دون أن يعلق عليها بشيء، فرآها بعض من أهالي القرية الذين أثارت حفيظتهم، وتوجهوا بدورهم إلى عمدة القرية، فأقام جلسات عرفية لحل تلك المشكلة.
وطالب الأهالي المشتكون في تلك الجلسات العرفية بتهجير أسرة ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر 28 عامًا، أي زوجته وأولاده، فوافق والد الشاب، ثم تطور الأمر لطلب دفع مبلغ قدره 250 ألف جنيه، تم تقليلها إلى 50 ألف ووافق والد الشاب أيضًا، ثم تطور الوضع لطلب عمل صوان في القرية تحضره كبار العائلات والمأمور ومدير الأمن، ويقدم والد الشاب المتهم بالازدراء كفنه، ورغم أن الأمور كادت أن تنتهي بتهجير أسرة الشاب وأطفاله، إلا أن هناك أطرافًا تنتمي لجماعات متطرفة تناقشت مع عمدة القرية، حول أن تهجير الأسرة ودفع المبلغ أقل مما حدث من ازدراء للدين، وهو ما دفع البعض بالمطالبة لتكرار الجلسة العرفية، مرة أخرى.
وأوضح الشيخ نعيم جبر، منسق عام قبائل شمال سيناء، أن لتلك الجلسات أهمية خاصة في فض النزاعات بين الأشخاص، وحل المشكلات ذات الصلة بالعقارات والأراضي والمرأة والثأر، ونادرًا ما تكون بسبب خلاف ديني، ويكون تعويضها ماديًا أو معنويًا بالاعتذار أمام جموع طرفي النزاع.
وقال جبر، في تصريح لـ"الوطن"، إن تلك الجلسات تتم وفق الأعراف المتداولة لكل منطقة، إلا أن شروطًا أساسية تحكمها، أهمها، أن رئيس الجلسة يكون شخصًا حكيمًا يتمتع بسداد الرأي والبصيرة والخلفية الدينية والزعامة الشعبية لدى الطرفين، وحكمه يكون بمثابة الحكم القضائي إلزاميًا لتحقيق العدل والسلام.
وأضاف منسق عام قبائل شمال سيناء أن الجلسات العرفية تعدُّ هي الأمثل والأفضل لحل المشكلات التي تبدأ من "الشتائم" وتصل إلى القتل، وأنها تلك الجلسات تقليد متبع منذ القدم، لذلك حكمها يتصف بالأمانة والثقة، بعد استماع رئيس الجلسة لكلا الطرفين حول الواقعة ومشاوراتهما في الحلول التي يفضلها كل منهما، ثم يقدِّرها في التعويض الأفضل لها، ومن ثم يقوم بتصفية أخطاء طرف من أخطاء الطرف الآخر.
فيما أكد الدكتور محمود كبيش، عميد كلية حقوق الأسبق، أن الجلسات العرفية لا يوجد سند قانوني لها، ولا يعتد بها قضائيًا أو تؤثر على أحكامه، إلا في حالة وجود جناية.
وأشار كبيش إلى أنها تكون لجرائم معينة أغلبها يكون بدافع قتل نفس بشرية، بينما يمكن للدولة أن تسمح بوجود محكمين عرفيين إذا كانت القضية مدنية أو تجارية.
وتابع عميد "حقوق القاهرة" الأسبق أن جلسات الصلح تلك التي تلجأ لها العائلات أو القبائل لها بعيدًا عن القانون، لا تمنع القضاء من نظر الدعاوى بها، في حال تقديم أي من طرفي النزاع بلاغًا، حيث إن القانون لا ينظر للأشخاص بحد ذاتهم وإنما للوقائع المجردة والأدلة الحية، لترسيخ مبادئ الدولة في تحقيق العدل والمساواة.