الجوع يأكلها والخوف يحصد أرواحها.. كيف تضررت الحيوانات في غزة بسبب الحرب؟
أحد الحيوانات التي طالها اجرام الاحتلال
«حدثني عن غزة هاشم عشيقة الشهداء.. وعن سرِّ الشموخ فيها والإباء.. حدثني عمن أساء لها وحرق فيها الحياة.. وجعل بحرها الأزرق ممزوجاً بالدماء.. وزرع فيها الدمار والأشلاء.. ودمّر بيوت أهلها وتركهم في العراء.. دون مأوى ولا غطاء من إليها أساء»، هكذا عبر الشاعر محمد العمور عن مآساة غزة، قبل سنوات طويلة من حرب الإبادة الجماعية التي شنتها آلة الاحتلال المجرمة، ضد شعبها، ودمرت فيها الأخضر واليابس، وقتلت الحياة في القطاع، للبشر والشجر والحيوانات.
جرائم الاحتلال الإسرائيلي تخطت حد الاعتداء على البشر، ووصلت إلى الحيوانات والطيور، وترصد «الوطن» لكم حكايات من دفتر الألم، أبطالها من الحيوانات الأليفة، التي كانت معززة في بيوت أصحابها، قبل أن تُشرّدها حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
سموكي ببغاء نتف ريشه حزنًا وخوفًا
لم تتوقع هدى نايف أن ترى هذا المنظر لـ«سموكي» الببغاء الذي تربيه، حيث صمت ولم يعدد يردد الكلام كعادته، ثم بدأ في نتف ريشه معترضًا على ظلم أهل غزة ومالكي الأرض: «الببغاء وضعه صعب جدًا وبطنه كلها بقت من غير ريش من الاكتئاب وعدم الاستقرار».
حكت الأم الفلسطينية، التي ترعى أسرة من محبي تربية الحيوانات الأليفة عن الأزمة التي تعيشها الحيوانات الأليفة في منزلهم تحت أصوات القصف ومع اهتزازات الضرب المتواصلة، حيث يعاني الببغاء من الجوع لأنّه لا يأكل إلا اللب والذي وصل سعر الكيلو منه لـ25 دولارًا أمريكيًا بعدما كان بدولارين، وأصبح الحصول على اللب حتى لا يموت الببغاء رحلةً شاقةً لهدى وأسرتها من أجل الحصول على كيلو لب ليتناوله.
الجوع يطال الكلاب في غزة بسبب الحصار
وفي الوقت الذي يعاني فيه قرابة 2.2 مليون فلسطيني من الجوع والعطش، بسبب محاصرة الاحتلال للقطاع وإغلاقه للمعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، طالت الأزمة بالتبعية ذوات الأكباد الرطبة من الحيوانات الأليفة بالقطاع، حيث واجهت أسرة هدى نايف أزمة عدم وجود طعام «دراي فود» للكلاب، مضيفة أنّهم بحثوا عن بديل قائلة: «حاولنا نوجد بديل نطبخ لهم نوع من الأرز متوفر وبسعر رخيص ولكن كل حاجة غالية حاليًا جدًا وبنخلط الرز مع معلبات لحمة».
وأكدت أنّ الكلاب لم تقبل تناول هذا الطعام وتأثرت بشدة وقلّ وزنها، لكن في النهاية استسلمت وأكلته هربًا من آلام الجوع التي لا ينتهي.
كما حكت عن معاناة الكلبة لوسي، والتي خسرت كثيرًا من وزنها وأصبحت مكتئبة على عكس عادتها بينما تأثر الكلب بنجي وأصبح عصبي جدًا، مؤكدة أنّهم حاليًا يعجزون عن «تمشية» الكلاب كما اعتادوا من قبل بسبب الزحام في رفح التي انتقلوا لها مؤخرًا كنازحين.
تنتقل أسرة هدى من مكان إلى مكانٍ في غزة واستقروا حاليًا في رفح جنوب قطاع غزة، ويرافقهم 3 كلاب كبيرة الحجم و3 ببغاوات منهم اثنان ملكًا لأصدقائهم من حملة الجنسيات الأجنبية الذين تمكنوا من مغادرة غزة، لكن لم يسمح لهم باصطحاب الحيوانات التي تركوها تواجه مصيرها في غزة برفقة الأسرة الفلسطينية.
تأثرت المرأة الصامدة، وهي تحكي عن حزن ابنة عمها «جهاد» والتي فقدت 8 قطط بسبب الحرب، كانوا كل حياتها وكانت تعشقها، لكنها ماتت تحت الأنقاض في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على منزلهم، بينما فرت الأسرة هربًا بحياتهم.
الكلبة بلانكا تموت خوفًا من القصف
مأساة أخرى واجهتها «صابرين» أخت هدى نايف التي تربي 3 كلاب جيرمن شيبرد أزمة حينما اضطرت للنزوج من الشمال لوسط غزة، واصطحبت كلابها معها إلا أنّه أثناء هذه الرحلة المخيفة ماتت الكلبة بلانكا بشكل مفاجئ رغم أنّها كانت بصحة جيدة، لكنها نفقت تحت نيران القصف، بينما حاول زوجها الدكتور علام الطبيب البشري أن يتواصل مع أي طبيب بيطري لإنقاذ الكلبة ولكنّه لم يستطيع بسبب انهيار الاتصالات وتوالي صواريخ الاحتلال على رؤسهم.
بقي عند شقيقتها كلبتان هما لوسي وبنجي ليشهدا على إجرام المحتل، وطغيانه إذ تعيش الكلاب المعروفة بشجاعتها وقوتها حالة من الرعب بسبب أصوات القصف التي أفزعت منامها وزرعت الأشواك في مضجعها.
مشمش أصيب بالاكتئاب وخسر وزنه
غيداء الشابة الفلسطينية التي اكتفت بذكر اسمها الأول، حكت عن معاناة «مشمش» وهو قط من فصيلة «هملايا بلو» ويصعب تأقلمه مع أي شيء، لافتة إلى أنّهم يواجهون صعوبة كبيرة لتوفير الطعام له حتى مرض وخسر الكثير من وزنه، وأصيب بسوء التغذية، بينما تشتد الصعوبة عند محاولات الوصول لطبيب بيطري للكشف عليه وعلاجه.
نزحت أسرة الشابة الفلسطينية إلى رفح منذ 5 شهور تحول خلالها حال القط وأصيب بالمرض ولم يعد يلعب كعادته، وأغلب وقته «مستخبي» ويستغل اجتماع الأسرة ليجلس في «حجر» أحدهم ليشعر بالأمان المؤقت الذي تقطعه أصوات القصف كل حين: «صار بيخاف من أي صوت حتى تسكير الباب وصوت السيارات والناس وأي صوت».
3 سلاحف دفنوا تحت جنازير الجرافات الإسرائيلية
من القطط إلى السلاحف، حيث حكت هبة الأغا عن مآساة حيوانات أبنائها الأليفة، حيث كان لديهم 3 سلاحف صغيرة، لكنهم اضطروا لتركهم وفروا نجاة بأرواحهم وأرواح أطفالهم، وتركوا السلاحف الصغيرة، مع كمية من الخضروات والمياه بجوارهم، ظنًا منهم أنّ هذه الحرب ستنتهي لكنهم لم يتوقعوا أن يظلوا لمدة قاربت على الـ6 أشهر، ولا يعرفون شيئا عن هذه الكائنات.
«نزحنا فيهم من بيتنا في غزة لخان يونس عند بيت أهلي لكن لما تركنا خان يونس كان الوضع خطيرا وطلعنا بسرعة ولما تذكرناهم كان أخويا طلع وما لحقنا نقله جيبهم بس كان حاطط لهم كمية كبيرة من الخضار»، هكذا حكت هبة عن فراق أطفالها للسلاحف، مضيفة: «الدجاجات كان عامل لهم طريقة المية ما نقطع وحط لهم أكل وترك الباب مفتوح»، قبل أن يعرفوا بعد شهور أن جرافات الاحتلال دمرت بيتهم ودفنت حيواناتهم الأليفة تحت ركام المنزل، وداست عليهم جنازير الجرافات والدبابات.
«غريب».. كلب يشعر بالغارات قبل حدوثها
حكاية أخرى من دفتر حكايات الألم رواها حامد فارس الشاب الفلسطيني المقيم بأحد أحياء مدينة رفح الفلسطينية، والذي قرر من اليوم الأول أن يفتح بيته للنازحين وعابري السبيل.
ظلت العائلات الفلسطينية تتردد على بيت حامد إلى أن جاءت ليلة اشتد فيها القصف ودخلت قرابة 5 عائلات فلسطينية فزعة تحتمي بالبيبت وأقاموا في ساحة المنزل ورحب بهم كعادته، لكنه سمع صوتا غريبا وسألهم عن مصدره ليخبروه بأنه كلب لهم ووضعوه في الساحة الخلفية للمنزل، قبل أن يغادروا ويتركوا الكلب وحيدًا في ساحة منزله.
أدخل حامد الوافد الجديد إلى بيته وأصبح الكلب رفيقه في الحياة، ليعيش معه في منزل مكون من دورين، حتى لاحظ حامد أن الكلب تتغير حركته ويفزع ويخاف وتحدث غارة بعدها وتيقن أن الكلب يشعر بالغارة قبل حدوثها، وكلّما تغيرت حركة الكلب ويفزع، يحتمي حامد بين أثاث منزله هو والكلب، حيث جمع الدواليب في مكان واحد حتى إذا انهار عليهم البيت يكونون بين الأثاث كمحاولة منهم للتشبث بالحياة في غمار هذه الحرب الظالمة.
وصلت القذائف لمحيط المنزل وأصابته بشكل مباشر ولم يرغب حامد وكلبه في مغادرة المنزل قبل أن يضطر آسفًا للهرب وترك منزله الذي تدمر جزئيًا ليصبح نازحا هو وكلابه في شوارع وطرقات رفح.
أطلق حامد عاشور على كلبه اسم «غريب»، معتبرًا أنهما مجرد عابري سبيل يقيمان سويًا في ضيافة إلهية، يفترشون الأرض ويتغطون بالسماء.
مآساة 450 كلبا و128 قطة في غزة
كانت الحرب ومازلت وبال ونقمة على كل من في قطاع غزة، ذلك القطاع الذي لم تجوع فيه قطة أو كلب شارد من قبل، بفضل جمعيات رعاية الحيوان التي كانت تتولى اطعامهم ورعايتهم حتى في الشوارع، قبل أن يتساوى الحيوان والإنسان تحت نيران القصف، واهتزازات القنابل التي هزت الحجر وروعت الآليف والبشر.
سعيد العر، الناشط في مجال رعاية الحيوانات الأليفة والضالة، ومؤسس ورئيس جمعية سلالة لرعاية الحيوانات في قطاع غزة، حكى عن المآساة التي سببتها الحرب، والتي طالت الملجأ الذي كان يستضيف فيه 450 كلبا من الكلاب الضالة، التي لا مأوى لها، حيث كانت تجد الطعام والشراب والمأوى في ملجأه، قبل أن تشن قوات الاحتلال حربها ضد الضعفاء في غزة.
وجد نفسه فجأة مجبرًا على مغادرة شمال غزة بسرعة، ولم يكن لديه وقت أو إمكانات لنقل 450 كلبا ضالا، في ملجأ و128 من القطط في ملجأ آخر، حيث كان يستأجر بيت كبير من أجل القطط والكلاب الضالة، وحينما وجد نفسه مخيرًا بين الفرار بحياته من تحت نيران القصف العنيف، أو المغامرة باصطحاب ونقل الـ450 كلبا، لجنوب قطاع غزة ولكنه حزم أمره في النهاية، ولم يكن أمامه إلا الاختيار الصعب وقرر نقل الكلاب أصحاب الإعاقات معه، وفتح الباب للباقيين.
ونقل «سعيد» الحيوانات المعاقة، والقطط نظرًا لأن أغلبها من أنواع لن تتمكن من اقتيات أكلها من الشارع، كما قد تفعل الكلاب، لافتًا أنه شاهد مئات القطط والكلاب التي أصيبت جراء الحرب والقصف والدماء، وتولى علاج الكثير منها، بينما لم يتحمل آخرون وماتوا بسبب الإصابات.