م الآخر| الصحافة.. و"لحم الحمير"!
"ياما صادفت صحاب و ما صاحبتهمش، و كاسات خمور و شراب و ما شربتهمش، أندم علي الفرص اللي انا سبتهم، و الا علي الفرص اللي ما سبتهمش"، أرى مع صلاح جاهين، لو كان يرى ذلك، أنك لو لم تكن جريئا، ستموت فشلا أو كمدا.. لا تترك الفرص فتندم حتى لو أحسست منها الخطر، ولا تتشبث بفرص تبدو للجميع واعدة وتراها أنت فخا لإذلالك.
ربما لو عاينت الفرص الثمينة التي صادفتك منذ زمان، لأدركت بقليل من الجهد، أن تفريطك فيها أفقدك أن تكون ذو واجهة أرقى أمام موهبتك التي أضعت غالبيتها في الرثاء لحالك، ولما اضطررت إلى الاستماع لقلبك الواهن الذي أضاع الفرصة عليك وقتها، والذي يعاتبك اليوم على تعامل "الحقراء" معك تعاملا ليس بمنصف.
لو أنك عاينت الفرصة جيدا لما اضطررت أن تقف على أبواب "الصحافة" تنتظر دورك في إثبات الذات، كأنك تبدأ رحلتك الصحفية للتو، ولما سمحت لأنصاف المواهب أن تتسلل إلى حيث تنتمي، فيخربون مستقبلك ومستقبل القادمين بعدك.
الفرصة يا صاحبي لا تأتي إلا لمن آمن بحقه فيها، فلا تقدم اللوم للزمان أو تعتب على القدر، لا تتحجج بأصحاب النفوذ الذين عاقوا موهبتك، أو أرباب "النفاق" اللذيذ الذين سلبوك أولويتك، لكن عليك أن تذكر أنك كنت ضحية "خوفك"، وانبطاحك، و"مشيك جنب الحيط"، وكونك لم تكن مقداما بما يكفي لتتبوأ مقعدك الذي يليق بك.
عانينا القبح بأنفسنا مرارا في كل "محل بقالة" عملنا به، ومحل البقالة الذي يبيع للناس الأخبار مليئة بالإسفاف ثم ينشر لبعض "السفهاء" مقالات في "حانوته"، باعتبارهم كتابا، يكتبون كلمة "ذراع" بالزين، يستحق الغلق بقرار إداري عاجل من "وزارة الصحة"، لأن لحم "الحمير" المذبوحة على عتباته، في كل خبر، يسبب للقراء جنونا عاما.
أخشى القول بأن لحم الحمير لم يكن سيئا على أمعاء بعض "أرباب" مهنة الصحافة، الذين رأوا في آلاف الأطنان منه حلا ناجعا يطفئ جوع القارئ من "اللحم الرخيص"، هؤلاء بعينهم وجدوا، إداريا، في تمكين أنصاف المواهب والإتكاء عليهم، فرصة لاستنزاف طاقة الموهوبين.. تاجروا بالغش والجهل لتحقيق مآربهم واستغلوا "حاجات" صحفييهم، لإذلالهم، وسحق سواعدهم التي أنهكها حمل "القلم" غصبا.
الصحفيون كانوا أمام احتياجهم للمهنة التي أدمنوها بلا حول ولا قوة، وكانوا على غير العادة جبناء في تقرير مصائرهم، واختاروا أقرب الطرق لتحقيق أحلامهم، وتحملوا على مضض منهم "خضوع" السير أمام الكبار، بلا دليل لنهاية الدرب، وبلا وعد يشفي من صدورهم حنق قسوة الطريق.
رفعت الأقلام وجفت الصحف، هكذا وعدكم ربكم، على لسان نبيه، الأجر باق، والحق لا يضيع، والسعي يعقبه الجزاء، والجزاء من جنس العمل.. تلك الكلمة "المنبرية"، لمن يعرفني، تدلل بقوة أن مزاجي ليس رائق بما يكفي، إلا لبحث تكاليف تجهيز "شقة الزوجية"، وإتمام رحلة الفشل التي بدأتها في الصحافة، مستمتعا برسم منحدرات تاريخي فيها، قبل أن ألقى نحبي حاملا على صدري "قلمي المائت".