يقول طاغور
ثقيلة هى قيودى والحرية هى مناى، ولكننى لا أستطيع أن أحبو إليها، فمن استعبدونى رفعوا لافتات الفضيلة، وجعلوها حائطاً بينى وبين حريتى.
فقيد الاستعباد باسم الفضيلة، له معانٍ مختلفة لكلٍ منا، حسب ترجمة العقل لبصيرة القلب عند مقولة طاغور.
وللتعمق أكثر علينا إدراك معنى الفضيلة بأنها الدرجة الرفيعة فى الفضل، وهى خلاف الرذيلة، والفضيلة فى علم الأخلاق هى الاستعداد الدائم لسلوك طريق الخير، أو مطابقة الأفعال الإرادية للقانون الأخلاقى أو مجموع قواعد السلوك المعترف بها فى المجتمع.
ويعرف «أفلاطون» الفضيلة بالعلم بالخير والعمل به، وقال «أرسطو»: الفضيلة هى الاستعداد الطبيعى أو المكتسب للقيام بالأفعال المطابقة للخير.
وقال «كانط»: إن الرجل لا يكون فاضلاً حتى يكون فعله صادراً عن إرادة صالحة تسمى بنية الفعل، وقوام هذه الإرادة الصالحة عنده العمل.
نستخلص من كل ما سبق أن مصطلح الفضيلة يختلف من مجتمع لآخر حسب العادات والتقاليد لهذا المجتمع، ولكن الكل يجمع على أسس ثابتة لمعنى الفضيلة. وتكمن خطورة تقييد الحريات باستخدام الفضيلة أنها يمكن أن تستخدم كأصابع لاتهام البعض، أنهم على عكس الفضيلة بمكان، أى أنهم على الرذيلة سائرون ولدعوة العباد لها هم فاعلون، ويزيد الأمر تعقيداً ويثبت قولهم بالاتهام ويدعم فعلهم بمكان فى نفوس الخلق إذا كانوا يرتدون زى الدين ويتكلمون باسمه.
ومثال على هذا، الأحداث التى وقعت مع مولانا الحلاج قدس الله سره وقصة إعدامه من قبل من يسمون أنفسهم دعاة الفضيلة.
هل كان قرار المقتدر العباسى بقتله صائباً؟
وهل كان قرار المجمع المستبد من حوله نزيهاً حين صَلَبَ تلك الروح المتمردة الثائرة؟
هذا المتصوف، الذى أُعدم بأبشع صورة فى بغداد عام 922 قطعت يداه ورجلاه وصلب على جذع فقيل له:
ما التصوف؟ أجاب: أهون مرقاه منه ما ترى.
فسئل: ما أعلاه؟ فقال: ليس لك به سبيل ولكن سترى غداً فإنّ فى الغيب ما شهدته وغاب عنك.
فلما كان وقت العشاء جاء الإذن من الخليفة المقتدر أن تضرب رقبته، وفى اليوم التالى أنزل من الجذع وقدم لتضرب عنقه فقال بأعلى صوته: حسب الواحد إفراد الواحد له.
ثم قرأ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق.
وقيل هذا آخر شىء سمع منه ثم ضربت عنقه ولف فى بارية وصب عليه النفط وأُحرق وحمل رماده على رأس منارة لتنسفه الريح.
قد أُسىء فهمه مراراً. فقد فهمت كلمته أنا الحق أى أنا الحقيقة المطلقة أى الله.
بحيث أثار بذلك الشكوك فى إيمانه بحلول الذات الإلهية فى النفس البشرية.
وقد اعتبره بعض معاصريه ساحراً خطراً بينما استاء خصومه السياسيون من دوره فى خطة مرسومة لإصلاح الضرائب.
كلهم اجتمعوا على التخلص منه وقتله بحجة الفضيلة، من أساء فهمه ومن اعتبره ساحراً.
والساسة ورجال الدين كلهم اجتمعوا على فضيلة واحدة، وهى إعدام رجل قال ابن أبى النصر: إن كان بعد النبيين والصدِّيقين موحِّد فهو، رجل ألّف فى عمله كتاب الطواسين أجمل أنشودة يمتدح فيها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
وهكذا يمكن أن تستخدم الأديان كعباءة وقناع يرتديه من يقولون إنهم يمثلون دين الله فى أرضه، وذلك لاستعباد العباد والتحكم بأرجاء البلاد.
والحقيقة أنهم أبعد ما يكونون عن الدين بمكان، والدين منهم برىء.
فاحفظوا هذا جيداً واطلبوه برجاء.
لا تحدثنى عن الدين لكن دعنى أرى الدين فيك.