"النمر" في حوار لـ"الوطن": السيسي تصدى لقرار مرسي ببيع أراضي سيناء
لم يكن قبوله إجراء حوار صحفى بالأمر السهل، وبحكم المنصب شديد الحساسية الذى كان يتولاه قبل تقاعده، فمن النادر أن يتحدث رجل مثل اللواء وليد النمر إلى الرأى العام، لكن شهادته للتاريخ وللمصريين عن واحدة من أهم الفترات فى تاريخ مصر وربما أكثرها تعقيداً وتشابكاً، كانت تستوجب المحاولة لكشف الحقائق وإعادة تقييم تلك الفترة بتفاصيلها الحقيقية وخباياها.
فى حوار حصرى، تنفرد «الوطن» بكشف أسرار وكواليس أهم 4 سنوات من عمر مصر، يصفها الكثيرون بأنها الأكثر سخونة وغموضاً فى الوقت نفسه، منذ نهاية 2010، وحتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى. أسرار ما قبل ثورة 25 يناير.. مَن كان يحكم مصر فعلياً؟ ماذا حدث؟ وماذا كان من المتوقع أن يحدث؟ من فعل ماذا؟ ومن لم يفعل؟ لماذا انحاز الجيش إلى الشعب فى ثورة 25 يناير؟ المجلس العسكرى ودوره.. كيف وصل محمد مرسى إلى الحكم؟ وما حقيقة الاتفاقات التى أبرمها وجماعته مع عناصر الحرس الثورى الإيرانى «باسداران»، لتأسيس أجهزة مخابرات موازية تعمل ضد المصريين وضد سيادة الدولة؟ وتفاصيل القضية «250» التى يُكشف عنها لأول مرة.. والتى ستطال أسماء مشاهير فى الإعلام والصحافة والسياسة والاقتصاد.. وأين ذهبت سيارات السفارة الأمريكية بوثائق المجمع العلمى أثناء احتراقه؟ وماذا دار فى اجتماعات خيرت الشاطر مع محمد الظواهرى والاجتماع الاستثنائى الذى جمعه بـ«مرسى» فجر الثلاثين من يونيو؟ تفاصيل تنازل «مرسى» عن جزء من شمال سيناء لـ«حماس»، وإهداء حلايب وشلاتين المصرية إلى السودان. محاولة الزج بالجيش فى حرب ضد بشار الأسد وأخرى ضد إثيوبيا، ما المعلومات شديدة السرية التى طلبها «الشاطر» من أحد القيادات العسكرية عن منظومة عمل القوات المسلحة، وتصدى الرئيس السيسى له بنفسه.
كل هذا يكشف عنه اللواء وليد النمر، القيادى السابق فى واحد من أهم الأجهزة السيادية فى مصر، وهو جهاز المخابرات الحربية، الذى كان بحكم عمله شاهداً على كل الأسرار قبل أن يتقاعد مع بداية هذا العام، بعد نحو 20 عاماً من العمل الشاق والواجب المهنى والوطنى الصعب.
وإلى نص الحوار..
■ لماذا تحمل اسم «القضية 250»؟ هل هم 250 متهماً؟
- لا، هو رقم قضائى للقضية.
■ متى سيُعلن عنها؟
- لا أعرف، لكن الأكيد أنه بعد انتهاء جهات التحقيق من عملها.
■ ثورة 25 يناير ما زالت تحمل أسراراً عدة، خاصة اللحظات الأخيرة، حيث خرج معظم المحللين السياسيين ليقولوا إن انحياز الجيش إلى الشعب كان عظيماً وأنقذ البلد من هاوية كبرى، لكن لا يمكن أيضاً إنكار أن ثورة 25 يناير توافقت مع إرادة الجيش فى أبطال مشروع التوريث لجمال مبارك.
- القوات المسلحة ليست لها علاقة بتوريث أو غير توريث، أو أن يكون رئيس الجمهورية «زيد أو عبيد»، القوات المسلحة لها مهمة واحدة محددة، وهى تأمين الوطن، سواء داخلياً أو خارجياً، وليست لها علاقة بمن يتسلم مقاليد الحكم، لأن ذلك يخضع لإرادة الشعب، ولاء الجيش للبلد وللشعب، وذلك التوقيت كان حرجاً، وكان لا بد للجيش أن يقوم بواجبه الوطنى تجاه الشعب، وهذا وضع طبيعى لإنقاذ البلد من السقوط فى الهاوية.
■ هذا يجعلنا نقفز فوق الأحداث، لنتحدث بكل صراحة عن لحظة إعلان فوز محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة، وهى الانتخابات التى ما زالت تطولها أقاويل كثيرة ما بين أنه كان فائزاً بالفعل، وما بين أن الفريق أحمد شفيق كان الفائز الحقيقى فى السباق الرئاسى.. أين الحقيقة؟
- الفريق أحمد شفيق كان الفائز فى سباق الرئاسة، وأنا واحد من الناس الذين تم إبلاغهم بشكل مباشر من مكتب رئيس الوزراء يومها فى مكالمة هاتفية: «مبروك يا فندم سيادة الفريق أحمد شفيق فاز»، وكان ذلك الساعة 3 ظهراً بالضبط.
■ إذن ما الذى حدث بعد ذلك؟
- لا أحد يعلم ما الذى تم فى الكواليس حتى إعلان فوز «مرسى».
■ من كان يحكم مصر فعلياً فى فترة «مرسى»: مكتب الإرشاد، أمريكا، التنظيم الدولى للإخوان؟
- بطبيعة الحال لم يكن محمد مرسى من يحكم، بل كان مكتب الإرشاد بتوجيهات من أمريكا بشكل مباشر.
■ هل يمكن أن تكشف لنا عن تفاصيل واحدة من هذه التوجيهات المباشرة من أمريكا لمكتب الإرشاد؟
- لا تعليق.
■ نشرت بعض وسائل الإعلام معلومات تم تداولها لاحقاً عن محتوى 4 مكالمات خطيرة تمت بين مكتب الإرشاد والقيادة الأمريكية وبعض الأطراف الأخرى فى فترة حكم «مرسى»، هل لك أن تؤكد على الأقل صحتها من عدمه؟
- نعم.
■ المكالمة الأولى تتحدث عن اتفاق بين «مرسى» ومحمد الظواهرى (شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى)، بشأن إنشاء جيش حر لحماية جماعة الإخوان إذا حدثت فى الأمور أمور، وهذا الجيش سيكون تحت قيادة ودعم تنظيم القاعدة، وأن المعزول مرسى وفّر بالفعل لهم 4 معسكرات تدريب فى شمال سيناء، لتنفيذ العمليات الإرهابية لاحقاً.
- نصف المعلومة صحيح، نعم كان هناك اتفاق مباشر لإنشاء هذه الميليشيات، وللعلم كانت نواتها الحقيقية «ميليشيات خيرت الشاطر فى جامعة الأزهر» التى عُرفت إعلامياً بميليشيات الأزهر عام 2007، أما فيما يتعلق بتعاونهم مع محمد الظواهرى، فلقد كان موجوداً علناً فى أحداث العباسية وأعلام «القاعدة» كانت مرفوعة، كما شاركت هذه الميليشيات فى اعتصامى «رابعة والنهضة» لتأمين المعتصمين هناك، وحينما تم فض الاعتصامات وجهت هذه الميليشيات أسلحتها ضد قوات الأمن والضباط والجنود.
■ من المعروف أن بعض مراكز الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة فى شمال سيناء تحديداً كان يتم استخدامها خلال فترة حكم «مرسى» فى نشاطات مشبوهة، ومنها تكوين هذه الميليشيات؟
- بكل أسف مراكز وزارة الشباب والرياضة فى شمال سيناء كانت تستخدم لاستقطاب الشباب للانضمام إلى جماعة الإخوان والجماعات التكفيرية من أيام حسنى مبارك، من خلال معسكرات شبابية وهمية، لكن التدريبات العسكرية الفعلية التى يُستخدم فيها السلاح بكل أنواعه لم تكن فى مصر، بل كانت فى غزة بالتعاون مع حماس، إذن كان هناك معسكرات تدريب وإنشاء لجيش حر إخوانى برعاية «القاعدة»، لكن تدريباتهم لم تكن على أراضينا.
■ المكالمة الثانية تفيد بأن محمد مرسى أعطى أوامر مباشرة بوقف عمليات الجيش فى شمال سيناء فى بعض الأوقات، وتحديداً بعد مذبحة رفح الأولى؟
- لا لم يحدث.. حتى إن حاول تحجيم دور القوات المسلحة فى شمال سيناء، هو يحاول براحته، لكن من كان سينفذ؟ كان هناك قائد عام للقوات المسلحة وهو الشخص الوحيد المنوط به إصدار الأوامر، فالجيش أمام مسئولية أمن قومى أولا وأخيراً.
■ هل حدث أن أصدر «مرسى» قراراً يتعلق بالأمن الاستراتيجى لمنطقة شمال سيناء، وتم إبطاله فى حينه من جانب الجيش؟
- نعم، قرار بيع الأراضى فى شمال سيناء، وتم إبطال قرار «مرسى» بقرار من المشير عبدالفتاح السيسى بصفته القائد العام ووزير الدفاع والإنتاج الحربى، وقتها، بحظر تملك أو حق انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرّفات فى الأراضى والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية، بمسافة 5 كيلومترات غرباً، ما عدا مدينة رفح والمبانى المقامة داخل الزمام وكردونات المدن فقط، والمقامة على الطبيعة قبل صدور القرار الجمهورى رقم 204 لسنة 2010. فما كان يتم التخطيط له بقرار «مرسى» أخطر مما يتخيل الجميع.
■ يتساءل البعض عن كيفية رفض الجيش قراراً أصدره رئيس الجمهورية؟
- الجيش ليست له علاقة بمن يجلس على كرسى الحكم، سواء أكان حسنى أو السادات أو مرسى، الجيش مالوش دعوة مين بيحكم البلد، الجيش ليه علاقة مباشرة بحماية أمن البلد والشعب، الجيش معروف مهمته وولاؤه لمين. ولاؤه للبلد ولشعبها، وبالتالى حينما يوجد قرار مثل ذلك الذى أصدره مرسى ببيع الأراضى وتهديد الأمن القومى المصرى والبلد والشعب المصرى فلا يجب أن يقف متفرجاً.
■ ماذا عن واقعة خطف الجنود السبعة التى لا تزال تحمل علامة استفهام حتى الآن؟
- كانت مجرد شو إعلامى ليس أكثر ولا أقل من جانب محمد مرسى وجماعته لكسب التأييد الشعبى بعد أن أصبحت شعبيتهم فى تلك الفترة فى انحدار كبير وشعروا بالخطر، وكلنا يذكر تصريحه بسلامة الخاطفين والمخطوفين، وبمقولة أخرى نقدر نقول إنها «تمثيلية» بدليل أنه لم يتم القبض على الخاطفين حتى اليوم.
■ ماذا عن مرتكبى مذبحتى رفح 1، رفح 2؟
- هاتان المذبحتان كانتا مأساة كبيرة، الجناة فى مذبحة رفح 1 نفذوا العملية وهربوا فوراً على «الناحية التانية من حدودنا» أما رفح 2 فقد تمت تصفية بعضهم والباقون قُبض عليهم.
■ هذا يقودنا إلى محتوى المكالمة الثالثة التى تفيد أن محمد مرسى كان على علم بمذبحة رفح 1 قبل تنفيذها؟
- نعم، قد لا يكون وقتها مرسى يعرف كل التفاصيل، لكنه كان على علم بها قبل أن تتم، لقد كان على علم أن هناك عملية إرهابية ستتم ضد جنود القوات المسلحة المصرية على الحدود.
■ وما الاستفادة التى سيحصل عليها من تنفيذ مذبحة كهذه لجنودنا؟
- كان عنده «اتنين» لازم يتخلص منهم، وهما المشير حسين طنطاوى «وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق» وقائد الأركان السابق، الفريق سامى عنان، اللذين تمت إقالتهما بالفعل بعد المذبحة فوراً.
■ هل نملك أدلة مباشرة على أن هذه العملية مدبرة بالفعل وأن مرسى كان يعلم بها تماماً؟
- تحقيقات النيابة هى التى ستحدد ذلك، لأن القضية ما زالت مفتوحة حتى الآن، وكل الشواهد والأدلة تحت يد النيابة.