رسالة إلى الرئيس: "عم محمد" والذين معه
سيادة الرئيس، إليك أكتب رسالتي المُحمّلة بكلمات قد تكون ثقيلة، أرجو أن تتقبلها بثلاث: صدرٌ رحب، وعقلٌ حكيم، واستيعابٌ يفترضُ حسن النيّة. وبخصوص النوايا، وهي ملكٌ لعلام الغيوب لا يعلمها غيره، أخبرك أولاً بأنني لا أكتب هذه الرسالة انطلاقاً من رغبة في تسجيل موقف تتجاوز الرغبة في العبور والحل، أو تطلعاً لارتداء عباءة الواعظ التي يتطلع إليها فريقٌ من المُدّعين، أو اندفاعاً بشعار "ثوار أحرار هنكمل المشوار" الذي ابتذله كل مبتذل.. أما بعد، فإليك رسالتي:
قبل أيام، في واقعة "العذاب الأعظم"، كنت واحداً من هؤلاء الذين يتزاحمون داخل إحدى محطات مترو الأنفاق، المشهد كان هكذا: لا قطارات، لا أمن، لا موظفين، لا إدارة للأزمة من أي نوع وبأي مستوى. ساعة من المعاناة قضيتها، وساعات قضاها غيري، على رصيف مزدحم تحوّل تدريجياً إلى "علبة سردين" منتهية الصلاحية، تزكم رائحتها العطنة أنوف الجميع. كنت متململاً كغيري خلال دقائق الانتظار الأولى، بينما "عم محمد" الذي يلاصقني، لم تظهر عليه أي علامات تململ أو ضيق، قال لي: "لازم نستنى ونتحمل شوية"، أومأت له بالإيجاب، ثم بمرور الوقت بدأ الرجل المسكين يستحضر الذي بيده كل شيء، وقد تسربت إلى وجهه بعض علامات الضيق، ليتمتم بكلمات من نوعية: "يا رب فكها.. لا حول ولا قوة إلا بالله"، مع نهاية الساعة وقبل أن أغادر المحطة يأساً من وصول القطار المنتظر، كان الرجل الذي ضرب الشيبُ رأسَه، يزعق بشدة: "هم ليه بيعملوا فينا كدة، حرام، إحنا كِفْرنا خلاص ومش قادرين"، بقى الرجل على حالة الغضب دون أن يهدأ، بينما أنا ترجّلت إلى خارج المحطة، لأبدأ رحلة عذاب جديدة مع طرق مزدحمة، ومرور غائب، وأرصفة تكتظ بـ"أمة لا الله إلا الله"، لأصل بيتي بعد 3 ساعات، أكاد أن أسقط مغشياً عليّ.
سيدي الرئيس، دعك منّي، ولنعود سوياً إلى "عم محمد"، أرأيت كيف تبدّل حاله، كيف تغيّرت كلماته، كيف تحوّل موقفه بصورة كاملة. سيدي، دعني أهمس في أذنك بإشارة، وبعض الإشارات ثقال: هذه، لمن يفقه، هي دورة حياة مبارك من "اخترناك" إلى "الشعب يريد إسقاط النظام"، ودورة حياة مرسي من "المرشح بتاع ربنا" إلى "يسقط حكم المرشد"، وحقاً لا أريدها لك، لكن الأمر لا يتعلق بإرادتي أو إرادتك أو حتى إرادة الناس، فدورة السابقين لم تكن اختيارية لشعب أو لحاكم، إنما عملية مكيانيزمية حتمية الوقوع متى توافرت الظروف والعوامل، تماماً مثل أي تفاعل كيمائي داخل حجرات المعامل: المادة A + المادة B = مادة حرارية جديدة قابلة للاشتعال!
يقيناً سيادة الرئيس، "عم محمد" لا يختلف عن "الست فاطمة"، أمي التي تحتفظ بصورة لك في منزلنا، وتدعو لك في صلاتها، وتتابع كل خطاباتك وخطبك، وتردد معك في نهاياتها "تحيا مصر" التي تقولها ثلاث، لكن هل ستحيا مصر فعلاً بهذه الصورة التي نقلتها إليك من داخل أحد أهم مرافق الدولة. في أنصاف الدول لا يمكن أن تتعطل مصالح الناس بهذا الشكل فما بالك بـ"أم الدنيا اللي هتبقى أد الدنيا".
أخيراً، حضرتك قلت بملء فمك: "العمل هو كل ما تملك، العمل كل ما تريد"، قلتها أثناء حملتك الانتخابية، وكان شعاراً جيداً، لكن "عم محمد" و"الست فاطمة" ينتظران هذا الشعار واقعاً محققاً، ليس منك فحسب، لكن بين رجال قصرك، وفريق حكومتك، وأعضاء جهازك الإداري من أكبرهم لأصغرهم. صدقني، الناس لسة تعبانة، والغلابة -رأس مالك الحقيقي- لسة غلابة، صحيح بيحبوك، لكن الحب وحده لا يكفي، والحب وحده لا يستمر، هكذا علمتني الحياة وأنا في عشرينيات عمري.. وهكذا أنقل إليك نصيحتي -إن جاز لي أن أنصح سيادتكم- مخلصاً وصادقاً.
والختام سلام..