محمد صديق المنشاوي "الصوت الخاشع والقلب الضارع"
إنه سفير القرآن ذو الصوت العذب الذي ينشرح له الصدر حينما تستمع له، وتغيب العقول تدبرًا وتأملًا في كلمات الله عز وجل، إنه الشيخ الذي يمتلك مزمار داوود الذي أشبع الدنيا بالقرآن ونشره بكل جهد منه واهتمام بالغ، إنه فضيلة الشيخ " محمد صديق المنشاوي".
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي عام 1920 بقرية المنشاة التابعة لـمحافظة سوهاج ، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره، حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي هو الذي علمه قراءة القرآن الكريم، وقد وضع أبوه هذه المدرسة العتيقة الجميلة والمنفردة بذاتها، ، فأخذ منها الشيخ محمد أسلوبه وطوره بما يناسبه فصار علمًا من أعلام خدام القرآن. وقد استمد الشيخ محمد من تلك المدرسة الكثير الذي كان سببًا في نجاحه بعد صوته الخاشع، ولُقِّب الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ"الصوت الباكي".
ذاع صيته ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية، وله تسجيل كامل للقرآن الكريم مرتلا، وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي، وهو من أشهر القراء في العالم الإسلامي توفي لكن صوته وهو يتلو القران الكريم سيبقى موجودا.
تزوج مرتين أنجب من زوجته الأولى أربعة أولاد وبنتين، ومن الثانية خمسة أولاد وأربع بنات، وقد توفيت زوجته الثانية وهي تؤدي مناسك الحج قبل وفاته بعام وفي عام 1966 أصيب بمرض دوالي المريء ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى توفى في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ، الموافق 20 يونيو 1969م.
قال عنه الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «إنه ورفاقه الأربعة مقرئون، الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتي يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها».
وصرح ابن الشيخ محمود بأن والده حكى واقعة محاولة سم الشيخ محمد صديق المنشاوي عندما كان مدعواً في إحدى السهرات عام 1963م وبعد الانتهاء من السهرة دعاه صاحبها لتناول الطعام مع أهل بيته على سبيل البركة ولكنه رفض فأرسل صاحب إليه يلح عليه فوافق وقبل أن يبدأ في تناول ما قدم إليه من طعام فأقترب منه الطباخ وهو يرتجف من شدة الخوف وهمس في إذنه قائلاً: يا شيخ محمد سأطلعك على أمر خطير وأرجوا ألا تفضح أمري فينقطع عيشي في هذا البيت فسأله عما به فقال: أوصاني أحد الأشخاص بأن أضع لك السم في طعامك فوضعته في طبق سيقدم إليك بعد قليل فلا تقترب من هذا الطبق أو تأكل منه، وقد استيقظ ضميري وجئت لأحذرك لأني لا أستطيع عدم تقديمه إليك فأصحاب السهرة أوصوني بتقديمه إليك خصيصاً تكريماً لك، وهم لا يعلمون ما فيه ولكن شخصا ما أعطاني مبلغاً من المال لأدس لك السم في هذا الطبق دون علم أصحاب السهرة ففعلت فأرجوا ألا تبوح بذلك فينفضح أمري، ولما تم وضع الطبق المنقوع في السم عرفه الشيخ كما وصفه له الطباخ ، فقام الشيع بادعاءه ببعض الإعياء أمام أصحاب الدعوة ولكنهم أقسموا عليه فأخذ كسرة خبز كانت أمامه قائلاً: هذا يبر يمينكم ثم تركهم وانصرف.
ورفض الشيخ محمد صديق المنشاوي دعوة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما وجهها إليه أحد الوزراء قائلاً له: سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفل يحضره الرئيس عبد الناصر ففاجأه الشيخ محمد صديق بقوله: " ولماذا لا يكون هذا الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي؟"، ورفض أن يلبي الدعوة قائلاً:" لقد أخطأ عبد الناصر حين أرسل إلي أسوأ رسله".