كفيفة بتغسل «الهِدمة» بجنيه ونص.. واسمها «غنية»
ليس لها من اسمها نصيب، فهى «غنية» اسماً وفقيرة حالاً، تكسو ملامحها علامات البؤس والشقاء، لا تملك من حطام الدنيا سوى «حصيرة مهترئة وسرير صغير ومرتبة مهلهلة وطشت معدنى».
«غنية عبدالحليم»، 80 عاماً، تسكن فى غرفة صغيرة بمنطقة رملة بولاق، قضت نصف عمرها وهى كفيفة بعد أن أصيبت بمرض جعلها لا ترى من الدنيا سوى الظلام، ورغم سوء أوضاعها البدنية والمعيشية، تعكف على غسل ملابس الغير لتوفير لقمة عيشها، خاصةً بعد أن توفى كل أقاربها، ولم يعد لها عائل يتكفل بها.
«كله على الله يا ولادى»، كلمات تكررها «غنية» بصوت يغلب عليه السكينة والرضا عن حالها، حتى وإن كانت لا تملك سوى جلبابها الأسمر الذى لم تبدله منذ ثلاثة أعوام، وطرحتها الصعيدية التى ورثتها عن أمها وهى صغيرة.
«جيت من الصعيد من 42 سنة، كنت من أول الناس اللى سكنوا فى رملة بولاق، ومن وقتها مشفتش غيرها»، هى حكاية «غنية»، التى روتها لـ«الوطن»، فبعد وفاة زوجها قررت أن تترك محافظتها «سوهاج»، وتصطحب معها ابنتها الوحيدة للعيش مع أشقائها الذكور فى القاهرة: «مبقاش عندى حد فى البلد، أهلى كلهم ماتوا، بنتى الصغيرة وجوزى، ومبقاش معايا إلا عيلة صغيرة جيت بيها للقاهرة».
المساعدة التى قدمها أشقاء «غنية» لها بعد قدومها إلى القاهرة، تمثلت فى غرفة صغيرة فى رملة بولاق، مع ابنتها «سنية»، وبعد رحلة بحث عن عمل يغنيها عن سؤال الغير، استقرت «غنية» على غسل الملابس على يدها، تلك المهنة التى استنزفت صحتها حتى صارت لا تستطيع التحرك، وكست كفيها التشققات الكبيرة: «كنت بغسل حتة الهدوم بنصف جنيه، وبعد كده زاد شوية لما الدنيا غليت بقت بجنيه وبجنيه ونص، ومعظم الغسيل لأهل المنطقة».
واصلت «غنية» عملها فى غسل الملابس حتى بعد أن أصبحت ضريرة، حتى لا تموت من الجوع، على حد وصفها: «كنت بجيب الطشت قدامى، وأقعد أغسل بره فى وسط البيوت، وأخلى عيّلة صغيرة تشوف الهدمة وتقولى نضفت ولا لأ، ودلوقتى شغلى قل شوية عشان مشاكل ضهرى ورجلى بس ده أكل عيشى الوحيد».