حكايات من "دفتر معاناة حواء": طلبن الطلاق فكان الرد "مية النار"
عندما تصل المشكلات الزوجية بين الرجل والمرأة إلى طريق مسدود يكون الطلاق هو البديل الآمن، لقطع الطريق على استمرار الخلاف بينهما، ولكن الأمر قد يتحول إلى النقيض فى بعض الأحيان حينما ترغب المرأة فى الانفصال عن زوجها بينما يظل هو متمسكاً بها، ليس لسبب سوى أنه لا يرغب فى أن تكون لغيره، وفى حالة قدوم الزوجة على خطوة ترك عش الزوجية الملىء بالمشاحنات وطلب الطلاق بشكل رسمى سواء عن طريق المحاكم أو بواسطة الأهل والمعارف، تتحول معركة الزوج معها لـ«طالما مش هتبقى ليا مش هخليكى تنفعى لغيرى» وعندئذ فلا صوت يعلو على صوت (أكل مياه النار فى لحم جسد الزوجة).
«ابن خالى اتقدم لى علشان يخطبنى، وافقنا وحددنا ميعاد قراءة الفاتحة، ولكن أبوه وأمه اعترضوا على جوازه منى علشان أسرتى فقيرة وضغطوا عليه لحد ما الجوازة باظت، بعدها جالى عريس تانى وفوجئت بابن خالى اللى كان متقدم لى جالى البيت وفضل يقنعنى إنى ماوافقش عليه، ولما قلتله أن قراءة فاتحتى يوم الخميس بعد 3 أيام قالى طب استنى منى هدية جوازك هبعتهالك بالليل» تضيف سناء أحمد: «بعد أذان العشاء مباشرة طرق باب منزلنا الموجود بقرية كفر إبراهيم التابعة لمركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ، وعندما ذهبت لفتحه، قام ابن خالى برمى مياه النار على وجهى وانصرف مسرعاً».
حالة إعياء سريعة تعرضت لها الفتاة العشرينية، صاحبها توقف أغانى الأفراح فى منزلها وإسراع صديقاتها اللاتى كن قد جئن إليها لمشاركتها فرحتها وتجهيز مستلزمات خطبتها، فى طلب سيارة الإسعاف بعد أن شاهدن تساقط لحم وجهها، على حد تعبيرها، فتقول «الحادثة دى حصلت فى 2009 كنت وقتها فى تالتة إعدادى وكان عندى 14 سنة، وابن خالى كان عنده 24 سنة، قضيت سنتين فى العناية المركزة بمستشفى تابع للقوات المسلحة، لأنى فقدت عينى اليمين وعندى إصابات من الدرجة التالتة فى وشى ورقبتى وإيدى، ولما خرجت فوجئت بأهالى البلد بيضغطوا علىّ علشان أتنازل عن المحضر».[FirstQuote]
لم تجد والدة «سناء» بداً من ترك بلدتها والمجىء إلى القاهرة للهروب بابنتها الوحيدة من نظرات اشمئزاز المحيطين بها، بعد أن أعادت الشبكة إلى خطيبها الذى ظل بجوارها لمدة عامين، ولكن سوء حالة «سناء» الصحية طبقاً للتقارير الطبية جعل والدتها تصر على إنهاء الخطوبة.
تستطرد «سناء»: «ابن خالى اتحكم عليه بـ10 سنين سجن و100 ألف جنيه تعويض، مرديش يدفعهم وقال هتحبس بيهم، قضى منهم حتى الآن 7 سنوات ويستعد لمغادرة السجن وممارسة حياته بشكل طبيعى، أما أنا فتغيرت حياتى لـ180 درجة وأصبحت أواجه نظرات سيئة من الناس فى الشوارع والأماكن التى أوجد بها وأضطر لأحكى لهم قصتى حتى أكسب تعاطفهم، وعلى الرغم من ذلك أواصل مشوارى التعليمى وأدرس الآن فى الفرقة الثانية بكلية التجارة جامعة القاهرة ولا تزال لدىّ أحلام وطموحات أسعى لتحقيقها على الرغم من حالتى الطبية السيئة».
أما أمل محمد، 40 سنة، من سكان حى الزاوية الحمرا بمحافظة القاهرة، فلم يشفع لها زواجها لمدة 18 عاماً وإنجاب 5 أبناء، لدى زوجها الذى قام برمى مياه النار عليها وطفلتها وسط الشارع أثناء ذهابها إلى عملها فى الثامنة صباحاً، حيث تقول «من سنتين حصل بينى وبين جوزى مشاكل لأنه كان بيحلف بالطلاق كتير وشيخ قالى إنى محرمة عليه ويجب الانفصال، هو اعترض وقالى لازم نكمل مع بعض حتى لو فى الحرام، أصريت على الطلاق وسبت البيت، فشوهنى أنا وبنتى الصغيرة بمية النار».
خمسة شهور سجناً هى مدة عقوبة الزوج الذى تسبب فى تشويه وجه زوجته بنسبة حروق تصل إلى 30%، وتهتك فى قاع العين والقرنية، وإصابتها بتشوهات كثيفة فى الوجه، أما طفلتها البالغة من العمر 7 سنوات فأصيبت بتهتكات فى منطقة الوجه والصدر واليد اليسرى، حيث أجرت 9 عمليات حتى الآن دون فائدة، قبل أن تقوم الزوجة الضحية بالتنازل عن المحضر وإخراجه من محبسه لكى ينفق على أبنائها الخمسة وهو ما لم يحدث، حيث تقول «الشباب اللى شافوه وهو بيرمى مية النار جريوا وراه وسلموه لقسم الشرطة، وطلبولى الإسعاف أنا وبنتى وفضلت تلف بينا 6 ساعات فى الشوارع علشان مفيش مستشفى راضية تستلمنا، وبعد ما واحد ابن حلال اتوسط لى دخلت مستشفى حكومى وفضلت فيها شهر فى العناية المركزة وأول ما خرجت إخواته قالولى هتستفيدى إيه من حبسه خرجيه علشان يصرف على عيالك، رحت اتنازلت وخرجته ومن ساعتها وهو نفض إيده مننا».
لم تجد المرأة الأربعينية أمامها بديلاً عن الانتقال بأبنائها الخمسة إلى شقة إيجار قانون جديد واستكمال عملها لدى أشخاص تصفهم بـ«أولاد الحلال» حيث تفهموا ظروفها ووفروا لها عملاً يناسب وضعها بعد الحادثة، لذا فهى تضطر للعمل المتواصل من أجل استكمال علاجها وطفلتها وتغطية نفقات أسرتها بسبب عدم وجود «ظهر» لها فى الدنيا، على حد تعبيرها.
«طالما مش هتبقى ليا مش هخليكى تنفعى غيرى»، نص آخر مكالمة تمت بين «إيناس»، 25 سنة، وطليقها بعد زواج دام لمدة عامين ونصف، أصرت بعدها على الانفصال، وهو ما تم بالفعل بعد سنة كاملة من الخلافات بينهما داخل أروقة المحاكم، وبعد مرور عدة شهور تقدم شاب لخطبتها وقبل أيام من إقامة الحفل استقبلت مكالمة من رقم خاص يتوعدها بالقتل والحرق.[SecondQuote]
«كنت عارفة إنه هينتقم منى وهيئذينى علشان كده فضلت 3 شهور محبوسة فى البيت مابنزلش لأنه ساكن فى عمارة قريبة مننا، وفى المرة الوحيدة اللى نزلت أجيب علاج لأبويا من الصيدلية أخدت معايا أختى الأصغر منى، اتفاجئت بيه واقف تحت العمارة وقرب منى ورمى علىّ مية وجرى وهو بيقولى ربنا يتمم بخير».
فقد العين اليمنى بشكل تام، و25 عملية جراحية للسيطرة على ماء النار المركزة التى أصابت أجزاء متفرقة من جسد «إيناس»، والانتظار داخل جدران المستشفى لمدة تزيد على العام قبل أن تخرج الفتاة العشرينية لمواجهة نظرات المجتمع التى وصفتها بأنها تأكل ما تبقى من جسدها فتقول «بعد ما خرجت من المستشفى مبقتش عارفة أواجه نظرات الناس ولا مرواحى كل يوم المحاكم علشان أقول أقوالى فى القضية ولا المستشفى علشان أستكمل علاجى».
تقول الدكتورة رحاب صبحى أستاذ مساعد الأمراض الجلدية بمستشفى قصر العينى إن التشويه بمياه النار يعتبر أخطر حالات الانتقام على أعضاء جسم الإنسان، لأنه يتسبب فى إحداث تشوهات عميقة فى الجلد والوجه وأماكن أخرى بالجسد، ويترك علامات تستعصى على الحلول الطبية التقليدية وهو ما يتطلب تدخل علاج الليزر الذى يعيد إنتاج مادتى الكولاجين والإيلستين فى جلد المصاب مرة أخرى، لكنه يواجه عقبة ارتفاع تكلفته حيث تصل سعر الجلسة الواحدة إلى 5 آلاف جنيه فى الوقت الذى يحتاج فيه المريض إلى 10 جلسات على مدار 3 شهور.
وعن الإسعافات الأولية التى يجب اتباعها عند التعرض للحرق بمياه النار شددت «صبحى» على ضرورة إزالة مياه النار من على الجسم، سواء بالمياه العادية أو باستخدام قطع قماش مبللة، لمنع تسربها إلى الأجزاء العميقة بجلد المصاب لتقليل حجم التشوهات وضعف الأنسجة.
وطالبت أستاذ الأمراض الجلدية بضرورة تحرك الجهات المسئولة لتشديد الرقابة على عمليات البيع العشوائى التى تتم لزجاجات مياه النار والمواد الحارقة داخل محلات بيع المنظفات، التى تنتشر فى المناطق العشوائية والريفية، والتى توجد تحت مرأى ومسمع من الجميع.
وترى الدكتورة نوران حسين مدير الجمعية المصرية لصحة المرضى، أن حوادث الحرق بمياه النار داخل الأسرة الواحدة زادت بشكل مكثف فى السنوات الأخيرة، نتيجة ارتباطها بخلل نفسى وعدم اتزان داخل شخصية مرتكب تلك الجريمة نتيجة تعاطى المخدرات.[ThirdQuote]
وأكدت «نوران» أن أولى خطوات العلاج للمرضى الذين يتعرضون لتلك الحوادث يتمثل فى إعادة تأهيلهم نفسياً، لذا يفضل أن يكون الفريق المعالج للمريض موحداً، بمعنى أن يتم اخضاع المريض للعلاج بأنواعه المختلفة فى نفس المركز، حتى لا يتشتت ذهن المريض ويسهل على الفريق المعالج مهمة علاجه.