طرحت المتغيرات التي طالت المنطقة علي مدار أكثر من عشر سنوات، وظهور جماعات التطرف والتكفير واستغلالها الدين لتحقيق مأربها الشخصية بإسم «شرع الله» إلي الحاجة الملحة لتجديد الخطاب الديني، والخروج بخطاب ديني واع ومعاصر ومنضبط يخدم مصلحة العباد ويسهم بالنهضة والرقي للمجتمع، ويُخرج الأمة من التيه الذي لحق بها بسبب الفكر الشاذ الذي تثيره جماعات الشر.
وبخطي منضبطة، عملت المؤسسات الدينية «منابر الخطاب الديني» علي تجديد الخطاب القائم، ومواجهة القصور والإخفاقات القائمة فيه، وتقديم قراءة واعية ومنضبطة قادرة على إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لمشكلات الواقع، عبر ترجمة ما جاء في الدين السماوي «الوحي الرباني» لواقع حضاري يخدم البشرية.
وفي خضم معركة الفتاوي المتطرفة، كانت دار الإفتاء المصرية فارس مغوارًا، آمنت الدار بأهمية تجديد الخطاب الإفتائي المقدم كوننا بحاجة ملحة لمواكبة تغييرات العصر، رفعت شعار «لا مناص من التجديد»؛ عملت ولا تزال علي تنظيم وتطوير الخطاب الإفتائي وتعزيز دَور الفتوى في بناء الوعي المجتمعي ومواجهة الفكر المتطرف.
قدمت الدار خلال السنوات الماضية رؤية عصرية للخطاب الديني وفي القلب منه الخطاب الإفتائي، بأيدي نخبةٍ من كبار علمائها المتخصصين مراعية القواعد الشرعية والُمحكمات الدينية الثابتة، عالجت مختلف الملفّات المتعلقة بقضية التجديد؛ بما أسهم فى نهوض الأمة ورقيها، وحفظ لها هويتها واستنهض قيَمها وقواها الحضارية الراسخة، وحققت الصلاح للبلاد والعباد. رصيد كبير قدمته الدار ليس لمصر فقط بل للعالم كله جعلها مرجعًا دينيًا تعود له المؤسسات الدولية في تقاريرها.
وسط تلك المعركة الفكرية، واجهت الدار الأصوات الشاذة التي لا تعترف بضرورة التجديد وتؤمن بأن يبقى كل شيء كما كان يعهد، صمت آذانها عن حملات التشويه والتي وصلت لمرحلة التكفير، واجهت فكرهم وخطابهم ولغتهم وطريقتهم، كشفت للناس ترهل فكرهم وبعدهم عن صحيح الدين، وغيابهم عن الحكمة والموضوعية.
سنوات طوال، قدمت خلالها دار الإفتاء المصرية نموذجاً راقيًأ للمؤسسة الدينية الوسطية، وأداءًا رائعاً في العمل المؤسسي، كانت ولا تزال دار الإفتاء رمزاً موقراً في النفوس, وملاذاً آمناً لا غني عنه. قصة نجاح كبري بدأها مولانا أ.د. علي جمعة المفتي الأسبق، ومن بعده مولانا أ.د. شوقي علام المفتي السابق، واليوم يكمل مسيرتها العطرة، فضيلة أ.د. نظير محمد عياد، والذي يكتب فصلًا منيرًا في هذا الصرح العريق.
في رحاب دار الإفتاء المصرية، كان لنا لقاء مع مولانا أ.د. نظير محمد عياد، جلسة حوارية مفتوحة مع فضيلته، وحديث من القلب لاستعراض رؤية دار الإفتاء واستراتيجيتها المستقبلية وأولوياتها خلال الفترة المقبلة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، كذلك دور الأمانة العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم .
اللافت في هذا اللقاء، هو الحضور القوي لمفتي الجمهورية، وإطلاعه علي كل صغيرة وكبيرة تتعلق بعمل دار الإفتاء و دور الأمانة العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، لا أقصد هنا الاطلاع علي مهامها، بل متابعة تواجدها علي الساحة المحلية والإقليمية والدولية، كذلك احتياجات العالم الدينية والإفتائية. أيضًا تقديره الشديد للإعلام ودعم للجهود الإعلامية والمؤسسية لإيصال رسالة دار الإفتاء في بناء الوعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
استراتيجية شاملة عرضها مولانا مفتي الديار المصرية لعمل الدار والأمانة هدفها تعزيز دَور الفتوى وبناء الوعي المجتمعي ومواجهة الفكر المتطرف، في ظل تنامي جماعات التطرف مرة أخري في سوريا، فوفقًا لتلك الاستراتيجية سيتم التوسع في عمل مركز سلام وتوسيع أنشطته محليًّا ودوليًّا لمواجهة التطرف والإسلاموفوبيا، من خلال منظومة معرفية متكاملة تشمل رصد وتحليل الخطاب المتطرف، وإعداد برامج تدريبية، والتعاون الدولي مع مراكز أبحاث ومؤسسات متخصصة، كذلك تنشيط عمل المؤشر العالمي للفتوى كونه أداة رائدة لرصد التشدد الفكري والتصدي للتحديات المعاصرة.
تعاون وتنسيق بين الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف المصرية كشفه مولانا مفتي الجمهورية خلال لقائه لوضع إجراءات ودراسة فكرة مقترح قانون لتجريم الفتوى من غير المختصين.
لم تغفل استراتيجية الدار للمرحلة المقبلة عن «السوشيال ميديا»، وأهمية الاستفادة من الفضاء الرقمي باعتباره ضرورة حياتية وأداة تواصل فعالة مع الشباب، كذلك بناء شراكات داخلية وخارجية مع المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والكنيسة المصرية إلى جانب المؤسسات الأخرى. كذلك شملت الخطة دعم استقرار الأسرة المصرية، وإعادة منظومة القيم الأخلاقية.
استراتيجية قوية يقودها مولانا أ.د. نظير محمد عياد تكتب بأحرف من نور سطور جديدة في مسيرة دار الإفتاء العطرة، فكل التحية لفضيلته وكل الدعم لتلك الجهود المباركة