"صناديد".. قرية لا يرحمها السرطان
«خارج الحياة».. هذا أقل وصف يمكن أن يطلق على أهالى قرية «صناديد» التى تبعد دقائق عن مدينة طنطا فى محافظة الغربية، حيث يعانون من عدم وجود صرف صحى، بالإضافة إلى تلوث مياه الشرب، وفقر وأمراض، فى ظل تجاهل حكومى كامل، ما يجعل «الموت راحة» من جحيم الحياة.
«الوطن» التقت بعدد من سكان القرية، لمعرفة حجم معاناتهم اليومية بسبب غياب الخدمات وصعوبة الحياة فيها، وقال شادى الشريف، 35 عاماً، إن قرب «صناديد» من مدينة طنطا، عاصمة الغربية، لم يشفع لها عند المسئولين لتوفير الخدمات الأساسية فقط لتساعدنا على الحياة.
وأضاف أن الأهالى فى «صناديد» يعانون بشدة من انعدام الخدمات الأساسية والبنية التحتية، فمياه الشرب ملوثة ولا تقيم حياة، وغياب الصرف الصحى دفع الأهالى إلى إنشاء «طرنشات صرف» أسفل منازلهم، وكل أسبوع يتم سحبها عبر سيارات «الكسح» مقابل 20 جنيهاً لكل مرة. وأوضح أن أصحاب سيارات «الكسح» يفرغون محتوياتها فى مصرف القرية، الذى يروى منه الفلاحون أرضهم الزراعية لـ«تعود مياه المجارى إلى أجسامنا عبر المحاصيل الزراعية».
وأكد أن مياه الرى لا تصل إلى الأراضى الزراعية، فيضطر الفلاحون إلى استخدام مياه الصرف الصحى المختلطة فى رى محاصيلهم، ما أدى إلى انتشار الأمراض المزمنة «الفشل الكلوى»، و«الالتهاب الكبدى الوبائى» و«السرطان» بين أهالى القرية، فضلاً عن «الطرنشات» التى رفعت منسوب المياه الجوفية بعدد كبير من منازل القرية، ما يؤثر على سلامتها ويجعلها معرضة للانهيار فوق رؤوس المواطنين.
وقال سعيد عبدالغنى، من أهالى القرية، إن الأمراض الخبيثة تداهمنا بسبب إهمال المسئولين، وعدم وجود خدمات أساسية وبنية تحتية فى القرية. وأشار إلى أن جميع المبانى الحكومية والعامة فى القرية متهالكة، ولا تقدم الخدمة المطلوبة منها، بداية من المدرسة مروراً بالوحدة الصحية وحتى دار الأيتام وانتهاء بمسجد القرية.
وأضاف أن الوحدة الصحية رغم ضخامة المبنى فإنها بلا موظفين ولا خدمات طبية، فهى خالية من الأطباء، وليس بها ممرضون، سوى واحدة فى الصباح لتحويل جميع المرضى إلى المستشفى الجامعى بطنطا.
وبالنسبة لمدرسة «صناديد الابتدائية»، أكد عبدالغنى أنها أنشئت فى عام 1940، ومكونة من 4 فصول فقط، ومستوى الأرض بها أقل من مستوى الشارع بمترين، والآن آيلة للسقوط، وتم إدراجها منذ عامين فى خطة الإحلال والتجديد، لكن حتى الآن لم تبدأ عملية ترميمها، رغم أن الأهالى قدموا الكثير من المذكرات والشكاوى للمسئولين بمديرية التربية والتعليم بنقل التلاميذ إلى مدرسة أخرى، وسرعة البدء فى تجديد هذا المبنى.
وأكد أن القلق والخوف على حياة التلاميذ يملأ قلوب ذويهم، خوفاً من سقوط مبنى المدرسة.
وعن دار رعاية الأيتام بالقرية، أوضح أنها تم إخلاؤها منذ 5 سنوات نظراً لعدم صلاحية المبنى، بسبب وجود شروخ فى السقف، وتم نقل الأطفال إلى إحدى دور الرعاية بطنطا بشكل مؤقت لحين ترميم الدار، لكن حتى الآن لم تبدأ عمليات الترميم.
وأشار عبدالغنى إلى أن «صهاريج المياه» التى تمد القرية بمياه الشرب معطلة منذ سنوات، وأصبحت مهجورة ومأوى للكلاب الضالة، ومتعاطى المواد المخدرة، موضحاً أن المسئولين فى شركة مياه الشرب والصرف الصحى أوصلوا خط مياه للقرية من محطة طنطا، لكن مياهها غير صالحة ومختلطة بمخلفات صناعية وكيماوية، وبها شوائب ورائحتها غير مقبولة ولونها غامق وممتلئة بالأتربة، ما أصاب المواطنين بالأمراض المزمنة والسرطانية، وشكونا كثيراً للحصول على كوب ماء نظيف لكن دون جدوى.
وأشار إلى أن مياه «الحنفيات» سوداء بها «طين وشوائب»، وبعد وقت يتغير لونها إلى الأصفر، ما دفع القادرين من الأهالى إلى شراء فلاتر لتنقية المياه. وأوضح أحمد حجازى، من أهالى القرية، أنه وعدداً آخر من الأهالى أخذوا عينات مياه وذهبوا بها إلى المعمل لتحليلها، وتبين أنها ملوثة ومحملة بمخلفات صناعية ومواد مشعة منها «اليورانيوم»، وذلك لأن معظم الشركات والمصانع تلقى صرفها الصناعى دون معالجة فى فرع نهر النيل مباشرة، وقال إن بعض الأهالى من غير القادرين على شراء فلاتر التنقية، «دقوا طلمبات حبشية» بمنازلهم، لكنهم فوجئوا بعد فترة بإصابة عدد كبير منهم بالفشل الكلوى والكبدى، لأن المياه الجوفية بالقرية مليئة بعناصر الحديد والرصاص والزنك والمنجنيز، وفقاً لما أكدته التحاليل، وذلك بسبب اختلاطها بـ«طرنشات» الصرف الصحى الموجودة أسفل المنازل. وأضاف أن عدداً من أهالى القرية يذهبون إلى القرى المجاورة لشراء مياه من محطات التنقية التابعة للجمعية الشرعية «الجركن» بـ3 جنيهات، لكن الصعوبة فى نقل الجراكن إلى القرى المجاورة، لعدم وجود وسائل مواصلات مباشرة.
وأشار حجازى إلى أن هيئة الأوقاف قررت إغلاق مسجد القرية الكبير منذ 10 سنوات بسبب تهالك جدرانه وتصدعها، حتى أصبح آيلاً للسقوط، ورغم أن المسئولين بهيئة الأوقاف أخبروهم وقتها بأن أعمال الترميم ستبدأ فوراً، لكن المقاول توقف عن العمل، فصارت ساحته ملجأ للحيوانات، ويضطر الأهالى للصلاة خارجه بعد سنوات من الانتظار.
ويضيف رشوان الخولى، أحد الأهالى، أن تيار الضغط العالى يمر فوق بعض منازل القرية، وهناك محول كهرباء ضغط عال داخل منزل، مما حول حياة أهالى ذلك الجزء من القرية إلى جحيم، ورغم أن أصحاب تلك المنازل تقدموا بشكاوى كثيرة لشركة الكهرباء لكن دون جدوى، والرد الدائم عندهم إن «تلك المنازل عشوائية وليست مقننة».
وقال إن فلاحى القرية يعانون من عدم تطهير الترعة الوحيدة التى يستخدمونها فى رى أرضهم الزراعية، ما أدى إلى انسدادها بالقمامة والحيوانات والطيور النافقة، ودفعهم لاستخدام مياه الصرف الصحى، التى تملأ مصرف الرى.
ويؤكد محمد عبدالمقصود، 52 عاماً، من أهالى القرية، أنه مصاب بالسرطان بسبب المياه الملوثة، ويعالج منذ 3 سنوات فى معهد أورام طنطا، موضحاً أن القرية بها نحو 15 حالة مصابة بالسرطان من مختلف الأعمار.
وأكد أحمد جبر السودة، 28 عاماً، إنه فوجئ بأن كليتيه مصابتين منذ 3 سنوات، بسبب تلوث مياه الشرب، وأن الطبيب أخبره أن كليتيه متوقفتان ويحتاج إلى غسيل كلوى أسبوعياً، أو إجراء عملية زرع كلى بتكلفة 260 ألف جنيه.
وقال «أنا لا أمتلك من حطام الدنيا شيئاً، والدى متوفى وأعول والدتى وأشقائى الـ3 وزوجتى»، مضيفاً أنه كان يعرف أن مياه الشرب غير صالحة «لكن ما كان باليد حيلة، فلم يكن لديه قدرة على شراء فلتر».
وأشار إلى أنه كان يعمل فى إحدى ورش الأخشاب وبسبب تعبه ترك العمل، وأهالى القرية جمعوا له تبرعات، ووفروا له كشكاً صغيراً يوفر له دخلاً يعيش منه هو وأسرته، وأكد أنه يجرى الغسيل الكلوى كل أسبوع على نفقة الدولة، لكن الأطباء نصحوه بزرع كلية أفضل، مناشداً الدكتور عادل العدوى، وزير الصحة والسكان، النظر إليه واعتباره أحد أبنائه، ويوافق على تحمل الدولة تكاليف عمليته، فلم يعد يملك من حطام الدنيا أى شىء.