"ثانوية سيناء".. حكايات نجاح رغم "الحظر والإرهاب"
«الرصاص الحى، والانفجارات، والكر والفر المستمر، وزيارات قيادات القوات المسلحة»، كانت تيمة الحياة التى عاشها طلاب الثانوية الأزهرية والعامة فى سيناء، والتى كللها «حظر التجوال»، المستمر لإحدى عشرة ساعة متواصلة، منذ أكتوبر الماضى، بالحبس إجبارياً فى المنازل، ليحتموا بجدرانها بين قلق وتوتر تحسباً للعمليات الإرهابية الغادرة، فضلاً عن إغلاق الطرق، ما أدى إلى أن تكون المُحصلة الدراسية ضعيفة جداً، ومعدومة فى مناطق منها، نظراً لتراكم الدروس والقلق المتزايد من الخروج إلى الشارع، وليفقد الطلاب ساعات كان يمكن أن يقضوها فى الدراسة، لكن دون جدوى، فسقطوا فى بؤرة الإخفاق، دون غيرهم بمختلف محافظات مصر.
«طلقات الرصاص العشوائية والانفجارات» كانت شريكاً أساسياً لـ«أسماء ياسين»، طالبة الثانوية الأزهرية، الحاصلة على 77%، طوال فترة دراستها، فلم تفارقها أصواتها، أو صرخات الأهالى، لكونها تقطن قرب كمين «الريسة» بالعريش، فضلاً عن «حظر التجوال»، الذى شكّل أزمة ضخمة فى التنقل وتلقى الدروس، وهو ما جعلها وصديقاتها يعزفن عن الذهاب إلى المدرسة صباحاً، واستبدالها بالدروس الخصوصية، والاستيقاظ منذ السادسة صباحاً للاستذكار.
وقالت «أسماء» لـ«الوطن: «أوقات كتير الدروس كانت بتتلغى، والعربيات تنزّلنى وأنا راجعة بسبب إن الحظر بدأ، واضطر أمشى مسافات طويلة للبيت»، تلك كانت معاناتها فى مرحلة الحظر، الذى وصفته بأنه كان المشكلة الأكبر.[FirstQuote]
وتابعت أنها قضت دراستها وسط أجواء من القلق، وكان التركيز فى الاستذكار هو التحدى الأكبر، فى ظل الأعمال الإرهابية المتكررة وزيارات المسئولين، وقيادات القوات المسلحة المستمرة طوال الوقت، مضيفة: «بس كل اللى حصل فى الدراسة حاجة، واللى شفناه فى الامتحانات حاجة تانية»، حيث اتسمت بصعوبة شديدة وتحتاج فترة زمنية أطول، على حد قولها. اتسم التفتيش فى اللجان بـ«المعاملة غير الآدمية»، فى رأى «أسماء»، خاصة مع اللائى يرتدين الحجاب، قائلة: «الحجاب كان بيتشد مننا وهدومنا كلها تتفتش بأسلوب وحش جداً»، إضافة إلى تكدس كافة طلاب المعاهد الأزهرية من سكان العريش داخل مدرسة واحدة تبتعد عن منزل الكثير من الطلاب للمرة الأولى هذا العام، مضيفة أن النتيجة كانت صادمة للجميع ما أصابها بانهيار عصبى فى بادئ الأمر، حيث كانت تتوقع مجموعاً أكبر، ولكن نسبة النجاح الضئيلة التى حصل عليها الطلاب جعلتها تحصد المركز السادس على مدرستها بمجموع الـ77%، قائلة: «الحمد لله إنى كنت بين الـ28% اللى نجحوا».
وهو التوتر والقلق ذاته الذى تعرضت له «منار هشام»، طالبة الثانوية الأزهرية، هذا العام، ما جعلها تعتاد على طلقات الرصاص، والطرق المغلقة، وحظر التجوال من السادسة صباحاً، وحتى السابعة مساءً، فكان سبباً فى إلغاء دروس وتراكم أخرى، وغياب التركيز.
«كنت باخد أحياناً 3 دروس فى اليوم، وأنا عندى 18 مادة بخلاف الثانوية العامة اللى بياخدوا 7 مواد، وده كان بيخلينى أحياناً أنام 4 ساعات بس فى اليوم».. هكذا أوضحت الطالبة الحاصلة على مجموع 70٫3%، المشاكل التى واجهتها فى المرحلة الثانوية، مؤكدة أنه لم يوجد اهتمام كاف من مشيخة الأزهر بطلاب سيناء، فضلاً عن غياب معلمين ذوى كفاءة مهنية داخل الفصول، لافتة إلى أن نسبة النجاح «الكارثية» هذا العام جاءت نتيجة تأكيد مستشارى المواد بالمدرسة وجود أسئلة ثابتة بالامتحانات، إلا أن ذلك لم يحدث سوى باللغة العربية، على حد قولها.
«أصوات المدرعات وسيارات الإسعاف وسوء التفتيش»، أصابت «منار» بحالة شديدة من ضياع التركيز، والتوتر النفسى فى صباح كل امتحان، فضلاً عن مشاهد انهيار الطلاب المتكررة نتيجة صعوبة المواد، ما جعلها تتمنى عدم الاستمرار فى امتحانات هذا العام فى بادئ الأمر، قبل أن يزرع ذلك بداخلها حافزاً للاستمرار لدخول كلية الدراسات الإسلامية ما يؤهلها للعمل فى مشيخة الأزهر والمساهمة فى تحسينه وتطويره ليكون رمزاً للإسلام فى مختلف بلاد العالم، بسبب قول أحد مستشارى المواد باللجان: «إحنا مش عاوزين حد يدخل الأزهر انتوا بتعملوا شغب وإرهاب».
«الحياة التى يحفها القلق باستمرار»، كان هذا هو لسان حال، «منى على»، طالبة الثانوية الأزهرية، حاصلة على 75٫7%، ما جعلها لم تتمكن من الذهاب للدروس، لانشغال والدها الذى كان يصحبها طوال الوقت خوفاً عليها، فضلاً عن المضايقات الكثيرة التى تعرضوا لها داخل اللجان، وصعوبة الامتحانات، وتتمنى الالتحاق بمعهد اللغات والترجمة.
«إحنا أهل سيناء بنعانى من كل حاجة أصلاً»، هكذا وصفت، «ندى جمال»، طالبة الثانوية العامة حالها وأسرتها وغيرهم من أهالى سيناء، فى رأيها، حيث تجد أن مأساة الثانوية لدى جميع طلاب مصر هى جزء بسيط من واقعهم اليومى، بسبب كونهم يعيشون فى تلك المحافظة، وهو ما تسبب فى إهمال كبير بمدارسها التى غابت عنها الأنشطة والمعامل والتجارب والحاسب الآلى والرسم، وفى ظل الأحداث الأخيرة، «اللى كان بيدخل المدرسة بيروّحوه بدرى». وأردفت أن النجاح فى الشعبة العلمية بالثانوية العامة هذا العام كان بمثابة «معجزة»، مؤكدة وجود أسئلة بمادة «الفيزياء» من خارج المنهج، ما جعلها لم تتمكن من اجتيازها.