عامل المزلقان يقضي نصف يومه في انتظار القطارات.. ولعنة "السيمافور" و"الغفلة" تلاحقه دومًا
12 ساعة، هى مدة الوردية التى يقضيها عامل المزلقان داخل الكشك الخشبي الملاصق للقضبان، ينتظر انطلاق صافرة "السيمافور" بأضوائها الحمراء لينهض سريعا ليغلق السلاسل الحديدية لمنع مرور السيارات والأشخاص حتى يعبر القطار.
كل مزلقان له 3 عمال، يحصل أحدهم على وردية صباحية والآخر على مسائية، على أن يكون الثالث احتياطيا فى أيام الإجازات، بحسب ما يوضحه عبد الرحمن محمد، عامل مزلقان العياط.
منذ 3 أيام كان عبد الرحمن، 35 عاما، داخل كشك المراقبة فى انتظار أن يستمع إلى أجراس الإنذار ليتابع بعدها مهمته الوحيدة فى هذا المكان، وهى إغلاق المزلقان، لكنه فوجئ بنداء من أحد الفلاحين كان ينوى العبور قبل أن يفاجأ بأن القطار قادم.
يروى عبد الرحمن لـ"الوطن"، أنه انتفض فورا وأغلق المزلقان، وكانت هناك سيارة مدرسية فى طريقها للعبور، إلا أنه قطع الطريق أمامها خوفا من وقوع كارثة.
اكتشف العامل أن "السيمافور" معطل، واتصل بمدير الوردية وهو غاضب ليسأله عن مدى علمه بالعطل، فإذا به يخبره أنه "نسى أن يقول له إن اللوحة عطلانة"، ثم أرسل له كهربائى ليصلحها على مدار 3 ساعات، تواصل خلالها مع ملاحظ البلوك ليبلغه هاتفيا بقدوم القطارات.
جرس الإنذار الذى ينطلق آليا قبل قدوم القطار بحوالى 5 دقائق، هو المصدر الوحيد لتنبيه عامل المزلقان بقدوم القطار، وإذا تعطل تقع الكوارث، لكن عبد الرحمن يرمى بالمسؤولية أيضا على بعض السائقين الذين يحاولون أحيانا قطع الطريق ظنا منهم أنهم سيمرون سريعا قبل وصول القطار، وهو ما يضطره للتشاجر معهم لمنعهم من العبور.
نصف يوم تقريبا، يقضيه عامل المزلقان في انتظار القطارات التى تمر ويبلغ عددها فى الوردية الصباحية حوالى 25 قطارا، وفى المسائية 30 قطارا تقريبا أكثرهم قطارات بضائع.
ويظل الخوف الحقيقى من استسلام عامل المزلقان لـ"غفوة" بسب طول مدة الوردية، فيقول عبدالرحمن إنهم كثيرا ما تقدموا بطلبات للهيئة القومية للسكك الحديدية لتخفيض عدد ساعات العمل إلى 8 ساعات، لأن العامل "ممكن عينه تغفل غصب عنه" بسبب طول المدة، لكن أحدا لم يجيب طلبهم.
يعول عبد الرحمن، الذى أنهى تعليمه عند الشهادة الإعدادية، أسرة تتكون من 5 أطفال وأمهم، براتب 530 جنيها شهريا، بخلاف الحوافز التى زادت بعد الثورة من 30 جنيها إلى 570 جنيها، لكنها دائما متأخرة، فحتى اليوم لم تصرف حوافز شهر أكتوبر الماضى.
يصف عبد الرحمن، الذى يعيش فى قرية طعمة بالعياط، المشاكل المختلفة التى يعانى منها عامل المزلقان بخلاف طول ساعات الوردية، حيث لا يكفي راتبه لإعالة أسرته وأطفاله، لذلك يلجأ الجميع للعمل فى مهنة أخرى تساعدهم على قضاء احتياجات الأسرة، "علشان نعرف نعيش.. ولا نسرق؟".
عشرات المرات طرق عبد الرحمن باب رئيس الهيئة السابق مصطفى قناوى ليحصل على موافقة منه على نقله إلى عامل تحويلة حتى يبتعد عن متاعب وخطورة المزلقان، إلى أنه فى كل مرة لا يستطيع مقابلته، حتى انتهى به الأمر إلى نسيان الأمر، ليرضى بالاستمرار فى عمله بالمزلقان "أسهل من مقابلة رئيس الهيئة"، على حد تعبيره.