"إبراهيم": "الجماعة" أرادت تحويل ميدان رابعة إلى "كربلاء"
"إبراهيم": "الجماعة" أرادت تحويل ميدان رابعة إلى "كربلاء"
ناجح إبراهيم
القيادى التاريخى بالجماعة الإسلامية: لا أعرف لماذا تصر الجماعة على إحياء الذكرى بالقتل
كشف الدكتور ناجح إبراهيم، القيادى التاريخى السابق بالجماعة الإسلامية، أن تنظيم «أجناد مصر» الإرهابى كان موجوداً فى اعتصام رابعة العدوية ومسئولاً عن حمل السلاح داخل الاعتصام، وأكد فى حواره لـ«الوطن» أن «الإخوان» لم تحافظ على دماء أبنائها بصرفهم من الميدان وأرادت تحويل «رابعة» إلى كربلاء، فالتنظيم تنازل عن الشريعة وتمسك بالشرعية. وأوضح «إبراهيم» أن الإخوان كانوا غير مؤهلين للحكم وأرادوا كل شىء وخسروا كل شىء وكان يجب على الإخوان أن يصرفوا الناس حقناً للدماء، وهاجم القيادى بالجماعة الإسلامية الحركات الإسلامية، لأنها حولت خطابها من التقرب إلى الله وخدمة الشريعة إلى خطاب يزيد الصراع، وبعض الدعاة والعلماء يريد أن تسير الشريعة خلفه فى معاداة ومخاصمة كل الحكام. وإلى نص الحوار:
■ من المسئول عن سقوط ضحايا فى فض اعتصامى رابعة والنهضة؟
- جزء يتحمله تنظيم الإخوان بعدم الحفاظ على أبناء جماعتهم رغم علمهم بالفض، فالإخوان غير مؤهلين للحكم أرادوا كل شىء وخسروا كل شىء، وجزء آخر على الحكومة المصرية التى كان يجب أن تفصل بين المتظاهرين وقيادات الإخوان.
■ وكيف يتم ذلك الفصل من وجهة نظرك؟
- مأساة رابعة تتلخص فى خطابها التكفيرى وطريقة فضها، فخطاب منصة رابعة كان عدائياً تكفيرياً ذات نظرة استعلائية، يجلب الخصومة ويحشد الأعداء ولا يؤلف القلوب، وكان منفراً، ليس له علاقة بالإسلام وروحه ويخلط بين الدين المقدس بالبشرى، فيأتى باستدلالات سيئة، منها مثلاً أن الدكتور محمد مرسى صلى بالنبى محمد -صلى الله عليه وسلم- فتلك رؤى وليست أدلة شرعية، كذلك استفزازهم لوزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم بحديثهم له «اشرب بريل واسترجل»، فتلك دعوات صدامية، وقوات الأمن أرادت فض اعتصام 48 يوماً فى يوم واحد فكان يمكن أن يحدث حصار لهم قبل ذلك، ويكون هناك تفاوض أكثر مع الجماعات الأخرى الموجودة غير الإخوان، والمهم أن هذه الدماء كلها ولدت شحنات ثأر متعاقبة ونوبات من الغضب تصاحبها عادة نوبات تكفير وتخوين تحتاج إلى وقت لعلاجها.
■ من الذى أدى دور الوسيط أثناء تلك الأحداث؟
- الشيخ محمد حسان دخل فى وساطة لإنهاء الاعتصام وفشلت وساطته، نتيجة تعنت قيادات رابعة العدوية، كذلك وساطة مجموعة شخصيات وطنية قبل الفض بيوم وتحدثوا معهم حول احتمالية أن يكون هناك فض قريب، فلم يأخذوا بحديثهم، ولم يحسن الإخوان قراءة المشهد السياسى أو العسكرى، بل كانت القيادة الإخوانية بعيدة عن واقع الشارع المصرى، وهذا الأمر مستمر حتى الآن، ولو كنت مكان قيادة الإخوان فى رابعة لقمت باستغلال عيد الفطر المبارك للحفاظ على كرامة أتباع الجماعة وأمرتهم بأن ينصرفوا وأن لكل حادث حديثاً، وكان ذلك هو الحل الصحيح، لكن الجماعة أرادت الشرعية وخلطت بين الشريعة والشرعية، وهما مختلفتان، فكان يجب أن تتنازل عن الشرعية التى هى من صنع البشر، فالإخوان تنازلوا عن الشريعة وتمسكوا بالشرعية، واستهانوا بالدماء، ففى الثمانينات تراجعنا من أجل دماء المصريين، وكان عليهم أن يستفيدوا من سيدنا الحسن بن على الذى تنازل عن الشرعية وحكم ما يقارب نصف الكرة الأرضية مقابل الحفاظ على الدماء المسلمة التى هى أغلى من كل كراسى العالم، فكان بإمكان الحسن بن على أن ينادى فى الآفاق «الشرعية أو الدمار»، فيستجيب له المشرق والمغرب، ولكنه رفض أن يبيع دماء المسلمين من أتباعه وخصومه على السواء، وباع كرسى الخلافة، ليحصل على ما هو أهم منه وهو وسام النبى له: «إن ابنى هذا سيد»، فباع حكم نصف الكرة الأرضية حقناً لدماء المسلمين وتوحيداً لصفهم، لقد رفض أن يصنع جاهاً كاذباً على جماجمهم وآهاتهم ويتم أطفالهم وترمل نسائهم، وكان يرد على من يعيب عليه تنازله عن الخلافة بقوله «لقد كانت جماجم العرب بيدى فكرهت أن أقتلكم على الملك»، وكان دقيقاً فى تعبيره فلم يقل على الدين لأنه صراع على السلطة وصراع سياسى.
أعيب على قيادات الإخوان تهربهم فور بدء عملية الفض.. وخطاب الاعتصام كان «استعلائياً وتكفيرياً وقتالياً»
■ وماذا أراد الإخوان من وراء الاعتصام؟
- أرادوا أن يتحول الأمر إلى كربلاء، وهى آفة الحركات الإسلامية فى مصر أنها لا تبدأ من حيث انتهى الآخرون، فتقوم بتكرار نفس التجارب الفاشلة، وتلدغ من نفس الجحر 100 مرة ولا تتعلم، لأنها لا تقرأ التاريخ الإسلامى أساساً، ولا أدرى كيف تصر على أن تحيى ذكرى فض رابعة بالقتلى والجرحى والمعتقلين، فهذا أمر خطأ فلا يفيد الإسلام الندم والبكاء، فما نتج هو نقل الحقد والضغائن إلى أجيال لم نعرفها حتى الآن، فخطاب رابعة وفضها مسئولان عن العنف الذى يحدث حتى الآن، فقتل جنود الجيش والشرطة الذى يتم حالياً مسئوليته خطاب رابعة، وأعيب على القيادات أن تهرب فور بدء الفض، فما تعلمناه أن القائد عليه أن يرحم أبناءه لا أن يتركهم لفض الاعتصام بتلك الطريقة.
■ وكيف كنت تتابع خطاب منصة «رابعة» أثناء فترة الاعتصام؟
- الخطاب الدينى فى اعتصام رابعة له اتجاهات مختلفة تهتم بالسياسة والسلطة أكثر من اهتمامها بالشريعة والدين، وفيه درجة عالية من الاستعلاء، وأصبح يدعو للخلافات والعداوة، وجزء منه تكفيرى، وآخر حربى يدعو للقتال، فكان أكبر مآسىَّ هو ذلك الخطاب الذى كان لا يليق بجماعة إسلامية وصلت لحكم بلد فى حجم مصر، فكان الخطاب أكثره عدائياً إقصائياً تكفيرياً حربياً، فأزمة خطاب «رابعة» أيضاً أنه خلط بين ما هو بشرى و«غيبى» والعقائدى والسياسى، مثل قول أحد قيادات الإسلاميين، إن جبريل -عليه السلام- طلب منه إمامة الرئيس المعزول محمد مرسى المصلين فى الاعتصام، وأن «الملائكة» موجودة بالاعتصام، وأن من يترك الاعتصام كمن يفر يوم الزحف الأعظم، وللأسف الخطاب أضر بالحركة الإسلامية فى مصر عموماً، فى فكرها وعقيدتها، حتى المعتدلين منها، لذلك كان من أهم شروط الدولة المصرية قبل فض الاعتصام وقتها تخفيف حدة الخطاب على المنصة.
الشيخ «حسان» توسط بين الدولة والجماعة لكنه فشل.. والإخوان كانوا يتصورون أن الدولة غير قادرة على اقتحام الاعتصام
■ وماذا نحتاج لتصحيح الخطاب الدينى؟
- نحن بحاجة إلى خطاب دينى يدور حول الشريعة والإسلام، لا يقدس الحاكم أو الجماعة، فبعض الدعاة والعلماء يريد أن تسير الشريعة خلفه فى معاداة ومخاصمة كل الحكام، فالحركات الإسلامية الحالية حولت خطابها من التقرب إلى الله وخدمة الشريعة إلى خطاب يزيد الصراع، فالمشروع الإسلامى هو مشروع هداية ودعوة إلى الله، ومن أخطر ما أصابنا الخلط المعيب بين الشرعية والشريعة وبين الهداية والسلطة، فمعظم علماء وفقهاء المسلمين كانوا ينأون بأنفسهم عن السلطة ويجعلون بينهم وبين السلطة فى العهدين الأموى والعباسى، رغم تطبيقهما للشريعة، مسافة فاصلة دون أن يدمجوا أنفسهم فى السلطة أو يعادوها دون مبرر شرعى، بل إن بعض الفقهاء ضُربوا من الحكام لكى يقبلوا مناصب القضاء الشرعى وهم يتأبون ذلك، لأنهم كانوا يدركون أن موقعهم فى الدعوة والعلم أقوى من موقع السلطة والحكم فى مدى تأثيره الوجدانى والزمانى والمكانى.