«الأمين والضابط».. قصة 22 ساعة فى قلب اعتصام الشرقية
«الأمين والضابط».. قصة 22 ساعة فى قلب اعتصام الشرقية
«الكشرى» الوجبة الأساسية فى الاعتصام
أغضب اعتصام أمناء الشرطة وأفرادها داخل مديرية أمن الشرقية، البعض. وطالب من أغضبهم التصرّف بفض الاعتصام بالقوة، فى الوقت الذى أصر فيه المعتصمون على أن لهم حقوقاً أصبحت واجبة النفاذ. وفى دوائر، جلس المعتصمون يتسامرون ويهتفون للرئيس السيسى، ويأكلون «الكشرى»، مؤكدين أن أرواحهم فداء لمصر، ويستعدون فى الوقت نفسه لهجوم مباغت قد تشنه قوات الأمن المركزى التى تمركزت حول مبنى المديرية واتخذت وضع الاستعداد، وهو ما لم يحدث.. «الوطن» كانت هناك، رصدت واستمعت إلى مطالب المعتصمين، وفى الوقت نفسه تابعت تفاصيل اجتماع إنهاء الأزمة الذى استمر 4 ساعات، بحضور اللواء كمال الدالى، مساعد وزير الداخلية للأمن العام، لتنتهى الأزمة. وسط حالة من الترقّب والقلق والهدوء الحذر، اعتصم المئات من أمناء وأفراد الشرطة بمديرية أمن الشرقية، داخل المديرية، وخلال 22 ساعة متواصلة، عسكر المعتصمون داخل فناء المديرية، ورغم قلة أعدادهم، مقارنة بأعداد القوات التى تم الدفع بها فإنهم قرروا الاستمرار فى الاعتصام، بدأ كل منهم يبث الحماس فى نفوس الآخرين، واعتلى أحدهم أكتاف أحد زملائه مردداً هتافات «إيد واحدة، راجل واحد، الشرقية رجال»، وبحلول الساعة الحادية عشرة والنصف من ظهر أمس الأول تم الدفع بقوات تعزيزية، ازدادت تدريجياً بحلول المساء، وانتشرت التشكيلات من مدرعات وسيارات شرطة، بداية من مقر مديرية الأمن، وحتى ميدان الصاغة، كما انتشرت 4 تشكيلات و3 سيارات شرطة خلف مبنى المديرية من ناحية محكمة الزقازيق الابتدائية، وتمركز عدد من قيادات الأمن المركزى عند بداية ونهاية امتداد انتشار القوات.
المعتصمون يرفضون لقاء «الدالى» فى مكتب مدير الأمن.. ومساعد الوزير يرفض النزول إلى مقر الاعتصام
وفى «بروفة»، ظن بها البعض أن الاعتصام سوف يتم فضه بالقوة، تقدم عدد من أفراد الأمن المركزى، ظهر أمس الأول، ناحية مكان الاعتصام، فى مقدمتهم عدد من قيادات الأمن المركزى، وبمجرد أن شاهدهم بعض المعتصمين استدعوا مجموعة من زملائهم، ليقفوا صفاً واحداً فى مواجهة أفراد الأمن المركزى قبل الوصول إلى مقر الاعتصام بعدة أمتار، وطالبوهم بعدم التقدّم، فتوقف الأفراد بعد صدور تعليمات من قادتهم بعدم التقدم، وبادلهم المعتصمون التحية، مرددين هتافات تطالب برحيل وزير الداخلية، وبعد مرور ما يقرب من ساعة، انزوى بعض المعتصمين للحصول على قسط من الراحة.تصفيق حاد وصافرات وعبارات ترحيب كانت تخترق حاجز الهدوء عند استقبال وفود أمناء الشرطة، الذين حضروا إلى مقر المديرية للانضمام إلى زملائهم، منهم أعضاء من النادى العام والحراسات الخاصة وأفراد من سوهاج والإسماعيلية وغيرهم، وبحلول الساعة السادسة مساءً، تمكن اللواء كمال الدالى، مساعد وزير الداخلية للأمن العام، من دخول مقر المديرية، وسط حراسة مشددة، وصعد إلى مكتب مدير الأمن، اللواء خالد يحيى، وطالب بلقاء مجموعة من الأفراد لبحث أزمتهم، إلا أنهم طالبوه بالنزول والتحدث إليهم فى مقر الاعتصام، وهو ما قُوبل بالرفض، فيما ردد الأفراد هتافات: «انزل يا دالى، فين حق عيالى».ومع الرفض والإصرار عليه، وبعد أذان المغرب، هدأت الأوضاع وانصرف الأفراد لأداء الصلاة، ثم عادوا ليجلس كل منهم فى مكانه، وانتشروا بمحيط الاعتصام يتجاذبون أطراف الحديث بوجوه منهكة ومتعبة، ثم جلب عدد منهم كميات كبيرة من أطباق «الكشرى»، ووزّع اثنان منهم الوجبات على الآخرين لتناول الطعام، إذ جلسوا فى حلقات دائرية فيما عزف آخرون عن تناول أى أطعمة، وبعد وقت قصير انطلقت الصافرات، فنهض المعتصمون وتجمعوا أمام مدخل مبنى المديرية، عقب تردد شائعات عن إيقاف 20 من الأمناء والأفراد عن العمل، على رأسهم منصور أبوجبل، رئيس اتحاد أمناء وأفراد الشرطة، ليزيد من الغضب وحالة الاحتقان بين الأفراد الذين رددوا هتافات «كلنا منصور، إيد واحدة، منصور منصور منصور بإذن الله»، وألقى الأمين منصور أبوجبل كلمة أكد خلالها «ولاء جميع أفراد وأمناء الشرطة فى مصر للرئيس عبدالفتاح السيسى، والاستعداد للتضحية بأرواحهم، دفاعاً وحماية للبلاد»، وردد المعتصمون هتافات «تحيا مصر، يحيا السيسى، بالعند فيهم يحيا السيسى، تحيا مصر بقيادة السيسى». هدأت الأوضاع من جديد، وجلس المعتصمون يتجاذبون أطراف الحديث، فيما التقت «الوطن» مع بعضهم، وقال أمين شرطة «أ. م»، من قوة مركز شرطة الزقازيق: «أنا شغال بقالى 10 سنوات، وراتبى 2000 جنيه شهرياً، موزعة على قسط جمعية 600 جنيه، وقرض من البنك 500 جنيه، وما يتبقى 900 جنيه، أنفقها على أسرتى، مشيراً إلى أن هذا المبلغ لا يكفى لتلبية احتياجات أسرته المكونة من «زوجة، وابنة عمرها 5 سنوات، وطفل يبلغ من العمر عاماً». وتابع: عقب وفاة أى من أمناء وأفراد الشرطة لا تتقاضى أسرته سوى 800 جنيه معاشاً شهرياً. وأردف «إحنا اللى بنطلبه مش كتير، كل اللى عاوزينه عدالة اجتماعية ونطمن على عيالنا، خصوصاً أننا بنشترك فى مأموريات ومداهمات وحياتنا معرضة للخطر فى أى وقت». واستطرد قائلاً: «أبسط حاجة تكون لينا مستشفيات نتعالج فيها إحنا وأسرنا أسوة بالضباط»، لأننا نعانى فى المستشفيات الحكومية ومستشفيات التأمين، حال إصابة أى منا بأى أمراض، ضارباً مثالاً بإصابة أحد زملائه من الخفراء خلال مأمورية بقرية بنايوس التابعة لمركز الزقازيق، بعد سقوطه من البوكس أثناء سيره، مما أدى إلى إصابته فى القدم، وتم نقله إلى مستشفى الأحرار بمدينة الزقازيق، وهو الآن يحتاج إلى عملية تركيب شرائح ومسامير تتكلف 10 آلاف جنيه. وتابع «لو كان لينا مستشفيات نتعالج فيها كانت العملية أجريت له على الفور».وقال خفير شرطة بمركز أبوكبير (رفض ذكر اسمه): أعمل منذ 3 سنوات وراتبى لا يتعدى 1050 جنيهاً، على الرغم من أننى حاصل على مؤهل متوسط (دبلوم تجارة)، مضيفاً أنه يدفع 500 جنيه شهرياً لإيجار الشقة التى يقطن بها وأسرته المكونة من زوجته وطفلة عمرها 7 سنوات، وطفلة أخرى عمرها 5 سنوات، مضيفاً الخفراء يعملون 12 ساعة فى اليوم، ولا يحصلون على أى إجازات وعلى الرغم من أنه يفترض أن يعمل الخفراء داخل قريتهم، فإنه يتم انتدابهم إلى مراكز وأقسام الشرطة، مما يحملهم أعباءً إضافية، مثل تكاليف الانتقالات، إضافة إلى اشتراكهم فى المأموريات، وتعرض حياتهم للخطر. وقال محمد محمود، أمين شرطة: «إحنا عاوزين العدل وتأمين صحى لينا وعيالنا والمعاش يكون مناسب ويكفى لرعاية أسرنا». وتابع «مش معقول نبقى معرّضين للموت والشهادة فى أى وقت ومكافأة المعاش لا تتعدى 12 ألف جنيه، والمعاش 600 أو 800 جنيه. وتساءل قائلاً: «يعملوا إيه دول، إذا كان طبق الفول وشوية طرشى بـ5 جنيه؟!».وقال أيمن الحارس، أمين شرطة بمديرية أمن الإسكندرية: «الوزارة زى ما هى من أيام الوزير الأسبق حبيب العادلى». وتابع: «أنا شغال بقالى 20 سنة، ومرتبى 2200 جنيه، لا تكفى مصاريف البيت وتلبية احتياجات المعيشة، خصوصاً أننى مشترك فى جمعية بادفع 1500 جنيه شهرياً عشان أسدد مديونيات ثمن الشقة السكنية التى نقيم فيها». وقال أحمد عبدالحميد، أمين شرطة: «إحنا عملنا 11 وقفة فى عهد الإخوان، كانت آخرها الوقفة التى تدخل فيها القيادى الإخوانى الراحل فريد إسماعيل كموفد من رئاسة الجمهورية، وذلك بعد مطالبتنا بمقابلة وفد من الرئاسة آنذاك، وعقب ذلك فوجئنا باتهامنا أننا إخوان». وتساءل قائلاً: «إحنا لو كنا إخوان كنا هننظم وقفات احتجاجية وهنعتصم فى عهدهم ليه؟». وتابع «إحنا لا ننتمى لأى فصيل سياسى، سواء إخوانى أو علمانى أو ليبرالى أو اشتراكى، إحنا ناس بنطالب بحقوقنا منذ 4 سنوات عقب قيام ثورة 25 يناير، بحثاً عن العدالة الاجتماعية».وأردف «عندما التقى بنا وفد وزارة الداخلية منذ أسبوع، قالوا لنا إحنا لسه بندرس المطالب». وتساءل، قائلاً: هل يعقل أن مطالب تستمر دراستها طوال 4 سنوات. وحمّل وزير الداخلية مسئولية ما يحدث من اعتصامات، مشيراً إلى أن الوزير لا يستمع إلى أعضاء أندية أفراد الشرطة، وأنهم طالبوا بمقابلته أكثر من مرة دون جدوى، مضيفاً أن ما يزيد من غضبهم هو عدم قبول عدد من زملائهم بكلية الشرطة، بحجة إصابتهم بمرض السكر. وتساءل يعنى هو المصاب بالسكر ينفع يشتغل أمين شرطة وماينفعش يشتغل ظابط؟». كان اللواء كمال الدلى، مساعد الوزير للأمن العام، واللواء محمد المنشاوى مساعد الوزير للأمن المركزى، اجتمعا مع عدد من أمناء وأفراد الشرطة أعضاء الاتحاد والنادى العام للأفراد، داخل مكتب الحكمدار، واستمر الاجتماع ما يقرب من 4 ساعات ونصف الساعة، وانتهى إلى الاتفاق على منح الوزارة مهلة لدراسة المطالب وعقد جمعية عمومية للأفراد لاتخاذ قرارهم عقب ذلك.