الصفقات الأخيرة فى الشرق الأوسط
الصفقات الأخيرة فى الشرق الأوسط
الصفقات الأخيرة فى الشرق الأوسط
كل الأطراف السياسية فى الشرق الأوسط تلعب حالياً بالنار. السُّنة والشيعة، القوى العظمى والدول الصغيرة، فى لحظة قد ينقلب العدو إلى صديق ويتحول الحليف إلى حليف لعدو. تتقارب أمريكا مع إيران على وقع غارات التحالف العربى ضد الحوثيين فى اليمن، وتلوح السعودية بورقة روسيا فى الوقت الذى ينفلت فيه الوضع فى سوريا من بين أصابع الجميع، ويطل تنظيم داعش برؤوسه الدموية بدعم وتمويل من تركيا، لأن رجلاً اسمه «أردوغان» يحلم بالسيطرة على سوريا فى مرحلة ما بعد «الأسد».
كمّ التقلبات والانقلابات التى حدثت بالشرق الأوسط فى الشهور الأخيرة، والتى ستزداد حتماً بعد الاتفاق النووى الإيرانى الذى يعيد ترتيب أوراق اللعبة من جديد، هو أمر لا يمكن بسهولة إيجاد تفسيرات له، ولا قراءته من منظور واحد، فكل طرف فى اللعبة يملك حسابات تتغير، ومصالح تتشابك، وأوراق ضغط تفقد قوتها فى لحظة وتستعيدها من جديد بعد أيام، لا نملك إلا محاولة تجميع الخيوط المتفرّقة من أطراف لا يستمع بعضها إلى بعض، لكنهم لم يعودوا يملكون إلا التنسيق فيما بينهم، بأكثر الطرق تعقيداً وتشابكاً والتواءً، التفافاً وحفاظاً على «ماء الوجه»، حتى لا تكون سياساتهم سبباً فى إراقة دماء الجميع.
سوريا ولبنان تحت السيطرة السُّنية مقابل عدم ضرب النفوذ الشيعى فى العراق
لا يمكن قراءة ما يجرى من تغيُّرات أخيرة فى الشرق الأوسط من دون النظر إلى عقدته الكبرى: سوريا. تلك الدولة التى انكسر فيها «الربيع العربى»، وكشّرت فيها إيران عن أنيابها، وتحركت فيها السعودية وقطر وتركيا من وراء الكواليس للإطاحة بنظام «بشار الأسد». صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية التقت بالجنرال السعودى السابق، ورئيس معهد الدراسات الاستراتيجية والقانونية فى الشرق الأوسط، الدكتور أنور ماجد عشقى، محاولة أن تستشف منه الطريقة التى يمكن أن تفكر بها الرياض فى مواجهة التقارب الأمريكى - الإيرانى الأخير.
ومع اعتراف الصحيفة بصعوبة قراءة تفكير الجنرال السعودى السابق، فإنها توصلت منه إلى الآتى، تقول: «لا يبدو أن الرياض تفكر فى اتخاذ أى تحرك مباشر ضد إيران فى الوقت الحالى، لكن التركيز فى الفترة المقبلة سيكون على سوريا، حيث يبدو أن الهدف الأساسى الذى تريد السعودية تحقيقه فيها هو تغيير نظام الرئيس السورى بشار الأسد، لكن من دون الإطاحة (بالنظام السورى) نفسه، بمعنى أن الرياض ترغب فى (تأديب الأسد) والوجوه المؤيدة لإيران من حوله، لكن من دون تفكيك بنية الدولة السورية نفسها».
روسيا تبعد نفسها عن إيران و«الأسد» مقابل تعهُّد الدول السُّنية بمنع «داعش» من الوصول إلى حكم سوريا أو الحدود الروسية
وتضيف: «جزء من تنفيذ هذا الهدف يقوم على الحد من النفوذ الإيرانى فى سوريا، وربما يكون هناك نوع من التنسيق بين الدول السُّنية ضد (حزب الله) اللبنانى الذى يساند نظام بشار الأسد. وربما يؤدى نجاح ذلك إلى أن تصبح المملكة هى اللاعب الأساسى فى لبنان، الأمر الذى يعيد قوة التيار السنى إليها من جديد».
ووفقاً للجنرال السعودى، تدرك السعودية جيداً أن السبيل الفعلى لتحجيم إيران هو ضرب نفوذها الإقليمى، لكن مع الابتعاد بشكل ما عن العراق.
وتقول «وول ستريت جورنال»: أن «الجنرال ربما يُلمح إلى أن الصفقة التى يمكن أن تكون فعّالة وممكنة هنا هى أن تكون سوريا ولبنان تحت السيطرة السنية، فى مقابل عدم مواجهة القوة الشيعية فى العراق». وتضيف «وول ستريت جورنال»: إن «من وجهة النظر الأمريكية، قد تكون تلك تسوية مقبولة، ولو أن الدبلوماسية الأمريكية تعمل فى المنطقة كما ينبغى، إذن فعليها أن تسعى إلى تحقيق ذلك المسعى».
صفقة كبرى بين «موسكو» والدول السُّنية لإعادتها إلى المنطقة وزيادة مبيعاتها من السلاح للخليج
هل يمكن أن تقبل إيران هذه الصفقة؟ تقول الصحيفة الأمريكية: «ربما تجد إيران من جانبها، أن هذه الصفقة أمر يمكن قبوله فى ظل نتائج التدخل السعودى الأخير فى اليمن». يقول الجنرال السعودى السابق: «لقد انكشف عجز إيران وعدم نجاحها فى توصيل الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى الحوثيين فى اليمن بعد تدخل قوات التحالف فيه، الأمر الذى أظهر طهران على أنها مجرد نمر من ورق. أى أن السعودية نجحت فى قطع الاتصال بين إيران واليمن، تمهيداً لإطلاق مفاوضات مع الأطراف المحلية اليمنية المتنازعة، التى ستعترف على ما يبدو بالمملكة السعودية، باعتبارها اللاعب الأقوى والأهم فى المنطقة حتى مع اختلافهم معها». وتضيف الصحيفة الأمريكية وجهة نظرها: «إن تلك الرؤية أيضاً لا تخلو من المنطق، لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كان من الممكن تحقيق ذلك الهدف فعلياً على الأرض، خصوصاً أنه يحتاج إلى أن تُبدى السعودية درجة عالية من المرونة مع الأطراف اليمنية المتنازعة للتوصل إلى التسوية المطلوبة بينهم، باعتبار أن ذلك هو أفضل خيار متاح بالنسبة إلى اليمن».
روسيا تبعد نفسها عن إيران و«الأسد» مقابل تعهُّد الدول السُّنية بمنع «داعش» من الوصول إلى حكم سوريا أو الحدود الروسية
ما الدور الروسى وتوازناته بين حليفته إيران، وأصدقائه الجدد فى دول الخليج؟ تقول «وول ستريت جورنال» عبر حوارها مع الخبير السعودى: «هناك العديد من المؤشرات التى تُظهر أن الدول العربية السُّنية بدأت تعتاد فكرة فتور أمريكا تجاه الشرق الأوسط، وعدم إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة فيما يحدث فيه، وبالتالى بدأت الدول السُّنية تبحث عن طريقة لإعادة روسيا مرة أخرى إلى المعادلة الإقليمية من أجل إحداث نوع من التوازن فى مواجهة إيران، وليس هناك شك من أن روسيا سوف تندفع بكل ثقلها للمنطقة، على الأقل، من أجل زيادة مبيعاتها من السلاح إلى دول الخليج».
وتواصل: «حتى الآن، كانت روسيا تقف على الجانب نفسه الذى تقف فيه إيران فى صراعات المنطقة. ويرجع ذلك جزئياً إلى كراهية البلدين المشتركة لأمريكا، لكن أيضاً، بسبب مخاوف وقلق روسيا من وصول الجهاديين السُّنة إلى أراضيها، أو أن يتجه إرهابيو (داعش) لنشر تطرفهم بين المسلمين الروس، أو جلب أسلحة ومعدات من مناطق صراعاتهم إلى داخل روسيا. هناك جانب آخر لا ينتبه إليه كثيرون عند النظر إلى مساندة روسيا للدعم الإيرانى لنظام بشار الأسد، وهو أن (الأسد) نجح، على الرغم من كل أخطائه، فى حماية وتأمين المسيحيين فى سوريا، ومن المعروف أن العديد من مسيحيى الشرق الأوسط الأرثوذكس يرتبطون بعلاقات اقتصادية، أو روحية ودينية على أقل تقدير مع روسيا. ولا يوجد شك فى أن روسيا تريد أن يستمر تأمين حماية المسيحيين فى سوريا، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بأن تضمن عدم وصول حكومة من الجهاديين إلى الحكم».
السعودية «تؤدِّب» الأسد ومن حوله دون أن تتسبب فى انهيار الدولة السورية
وتتابع: «الآن، وفى ظل التقارب الأمريكى - الإيرانى الأخير بعد الاتفاق النووى الإيرانى، يبدو أن روسيا أصبحت بحاجة إلى أصدقاء جدد فى المنطقة. وهناك على الأغلب، صفقة كبرى يتم التحضير لها بين الروس والدول السُّنية، قد تبدو خطوطها العريضة كما يلى: أن تُبعد روسيا نفسها عن إيران وتصبح حليفة لدول الخليج ضدها، وتسحب دعمها لنظام الأسد فى سوريا. فى مقابل ذلك، تتعهد دول الخليج بإبعاد (داعش) ومقاتليها الدمويين من الوصول إلى الحكم فى سوريا، وتتعاون على مستويات مختلفة مع روسيا لإبقاء الجهاديين بعيدين عن حدودها وعن منطقة القوقاز بشكل عام، وبالطبع، هناك الجانب الاقتصادى التى يتمثّل فى عقد صفقات لشراء كميات كبيرة من المنتجات الروسية».
اتفاق هدنة بين إسرائيل و«حماس» برعاية سعودية حتى لا تتحول القضية الفلسطينية إلى ورقة فى يد إيران
ماذا عن إسرائيل؟ تقول الصحيفة: «تدخل إسرائيل فى المعادلة هنا بشكل قد لا تستوعبه أمريكا بطريقة كاملة. فمن وجهة نظر موسكو، هناك تقارب واضح بين الروس والإسرائيليين بشكل أكبر بكثير مما تتخيله واشنطن. إن هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ساعدت على خلق روابط اقتصادية وبشرية قوية بين البلدين. والواقع أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حافظ على دبلوماسية غير معادية لإسرائيل بشكل عام حتى مع حفاظه على علاقاته مع طهران. وأغلب الظن أن (بوتين) يطمح إلى أن يكون له دور أكبر فى الشرق الأوسط مع حفاظه على روابط وعلاقات طيبة مع كلٍّ من الإسرائيليين والعرب، ليحقق بذلك نجاحاً لروسيا فى مد نفوذها فى منطقة طالما كانت تطمح فى بسط نفوذها عليها، ليزداد بذلك الدور الروسى قوة فى العالم كله. وتدرك السعودية هذا الطموح الروسى، ولا تجد مانعاً من أن تلوح بورقته، حتى مع علمها بأن الدبلوماسية الروسية ما زالت تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تظهر نتائجها». ما هو إذن تفسير وجود أعضاء من حركة «حماس» الفلسطينية فى السعودية فى الأسابيع الأخيرة؟ تقول «وول ستريت جورنال»: «قد يتقاطع ذلك مع وجود نوع من التحركات الدبلوماسية العربية فيما يخص القضية الفلسطينية، بشكل يتم كما هو واضح بعيداً عن إدارة وتوجيهات أمريكا، خاصة مع تزايد الكلام فى الفترة الأخيرة عن وجود احتمال لاتفاق هدنة بين إسرائيل وحماس برعاية سعودية من قريب أو من بعيد، وربما ترجع استضافة السعودية لعدد من قادة «حماس» والإخوان فى الأسابيع الأخيرة إلى رغبة الرياض فى تحييد القضية الفلسطينية حتى لا تتحول إلى ورقة فى يد إيران فى تلك الفترة الحرجة، تريد الدول العربية أن تكف إسرائيل عن إثارة المشاكل مع الجانب الفلسطينى، حتى لا يتحول الأمر إلى أداة تستخدمها إيران فى مزيد من دعايتها السياسية والدينية لنفسها، باعتبارها القوة الشيعية الوحيدة التى تدافع عن المسلمين ضد انتهاكات «الصهاينة والغرب»، ومن المرجح بشكل كبير أن حكومة اليمين الإسرائيلى تسعى من جانبها أيضاً للتوصل لنوع من التسويات، بشكل يرضى الدول العربية، وفى الوقت نفسه يحافظ على مصالحها الأساسية، هذه علامة تغير كبرى فى الشرق الأوسط، حتى مع وجود خطوط حمراء كثيرة لدى الجانبين الإسرائيلى والعربى، إلا أنها قد تكون فرصة كبرى لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لو أن قادة إسرائيل كان لديهم ما يكفى من بعد النظر».
بعبارة أخرى، فإن مفتاح كل ما يحدث، أو سيحدث فى الشرق الأوسط فى المرحلة المقبلة يظل متركزاً فى سوريا، كل الخيوط تقود مرة أخرى، ودائمة إلى سوريا باعتبار أن الحرب الأهلية الدائرة حالياً فيها بين نظام بشار الأسد وتنظيم داعش والمعارضة السورية، لم تعد حرباً على الأراضى السورية فقط، وإنما تحولت إلى حرب أهلية فى الشرق الأوسط كله بين الشيعة والسنة ومن وراءهما.
صاحب التعبير الأخير هو المحلل السياسى والعسكرى الأسترالى «سانو كاينيكارا»، الأستاذ بجامعة «نيو ساوث ويلز» الذى أعد تحليلاً مستفيضاً عن تعقد الموقف الحالى فى سوريا، وحسابات كل جانب إقليمى فيه، سواء السعودية أو إيران أو تركيا، وحجم التأثير الذى تمتلكه كل من الولايات المتحدة وروسيا فيما يجرى على الأرض هناك.
بدأ «كايناكارا» باستعراض سريع للموقف الحالى فى سوريا على الأرض، موضحاً أن نظام بشار الأسد يحارب على ثلاث جبهات: تنظيم داعش الذى يسيطر على ما يقرب من نصف الأراضى السورية الصحراوية، وجيش الفتح الذى يتكون من إسلاميين تساندهم السعودية وتركيا وقطر، وأخيراً الجبهة الجنوبية التى تعد تحالفاً معتدلاً نوعاً ما يسيطر على أغلب أراضى الجنوب السورى، يساند «حزب الله» اللبنانى النظام السورى، إلا أن كلاً منهما عانى من خسائر بشرية فادحة إلى الحد الذى يجعلهم حالياً غير قادرين على الاستمرار فى صراع ضد ثلاثة أعداء.
ويضيف: «يبدو الأمر أن نظام الأسد قرر أن يترك مهمة مواجهة المعارضة المعتدلة والجماعات الإسلامية لتنظيم داعش، ووجهة نظره أنه لو نجحت «داعش» فى هزيمة القوى الإسلامية والمعتدلة الموجودة على الأرض، فإن المجتمع الدولى لن يجد مفراً من دعم نظامه ضد «داعش»، وإن كان ذلك رهاناً يصعب الاعتماد عليه، لأنه حتى لو أصبحت «داعش» هى المعارضة الوحيدة التى تقف فى وجه نظام الأسد، فمن الصعب تخيل أن يدخل العالم فى حرب لإبقاء الأسد فى السلطة».
ويتابع: «تدخل إيران هنا بمبادرة للسلام فى سوريا، وهى مبادرة سوف تحظى على الأغلب باهتمام عالمى من كل الأطراف بعد أن تحسن موقف إيران كثيراً إثر الاتفاق النووى الأخير، وأيضاً بسبب المشاورات المكثفة التى أجرتها طهران مع قطر والكويت ولبنان والنظام السورى نفسه قبل صياغة المبادرة التى أعلنها، ثم قام بتعديلها وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، تقوم المبادرة الإيرانية للسلام فى سوريا أساساً على أربعة بنود: وقف النزاع المسلح فى سوريا، وفترة انتقالية تستمر لخمس سنوات، والحفاظ على السيادة السورية، وإجلاء كل الإرهابيين الأجانب من الأراضى السورية».
ويواصل: «المشكلة فى الخطة الإيرانية تكمن أولاً فى صعوبة وقف إطلاق النار فى سوريا، نظراً لتشعب الأطراف على الأرض، وثانياً صعوبة تشكيل حكومة انتقالية سورية مقبولة لدى جميع الأطراف، الواقع أنه حتى روسيا التى طالما ساندت نظام الأسد أدركت أنه كلما طال أمد الصراع فى سوريا، زادت احتمالات توسع نفوذ «داعش» فى سوريا، باعتبارها أصبحت دولة متهاوية، لا يمكن لموسكو أن تتقبل فكرة سوريا تحت سيطرة «داعش»، بالتالى فمن المنطق السليم توحيد القوى ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وأن تحرص روسيا على ضمان تشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلين من جميع الأطياف السورية، بما فى ذلك المعارضة فى الخارج وأعضاء من النظام الحالى، بشرط أن يكونوا على استعداد لتغيير موقفهم، ويبدو أن ذلك الاتفاق قد يكون موضع دراسة من الدول العربية السنية ذات الاهتمام بالشأن السورى، إلا أن الخطة الإيرانية تتجاهل واقع أن تنظيم «داعش» لن يتفاوض مع أى من الأطراف الأخرى، ولا مع المجتمع الدولى، وأنه لا يوجد مفر من دحره على الأرض، قبل أن يتم الحديث عن أى اتفاق سلام بين الأطراف المتنازعة،
لكن ستظل العقبة الأكبر فى التوصل لأى اتفاق سلام فى سوريا هى تركيا، وأزمة رئيسها «رجب طيب أردوغان» مع الأكراد».
يقول المحلل العسكرى الأسترالى: «إن الأزمة الكبرى التى يتوقف عليها نجاح المبادرة الإيرانية لحل الصراع فى سوريا تكمن فى نجاحها فى إقناع تركيا بالانضمام إليها، فمنذ بداية الحرب الأهلية السورية لا ينظر أردوغان لأبعد من مصالحه الضيقة على حساب الكل، إن أردوغان يصر على أن تكون لتركيا السيادة والهيمنة الكبرى على سوريا فى مرحلتها الانتقالية المفترضة، وهو ينظر إلى سوريا والأكراد على أنهم الأعداء الأساسيون لتركيا والتهديد الحقيقى لأمنها القومى، تختلف الولايات المتحدة مع أردوغان فى هذا الصدد، لكن واشنطن غير قادرة على إقناعه بأن هزيمة «داعش» ضرورية قبل أن يتم الحديث عن أى تسويات سياسية فى المنطقة، ظلت تركيا تعتمد على الجماعات الإسلامية المتطرفة التى تعمل داخل سوريا وعلى تقارب مع تركيا، وفى الوقت نفسه تسعى لإزاحة الأسد من الحكم، وهو الهدف الذى تريده أنقرة».
ويتابع: «وعلى الرغم من واقع أن الميليشيات الكردية أثبتت أنها هى الأكثر فاعلية وقوة فى مواجهة «داعش» على الأرض، قرر أردوغان أن يفتح من جديد جبهة الحرب الأهلية ضد الأكراد بدلاً من أن يسعى للتفاوض معهم حول تسوية أو اتفاق سلام دائم، وشجعت حكومته التابعة لحزبه «العدالة والتنمية»، على إثارة الجدل من جديد حول ما إذا كان الأكراد يمثلون الخطر الحقيقى على الأمن القومى، وكل ذلك من أجل تحقيق هدف أردوغان بمنع إقامة دولة كردستان المستقلة، التى يمكن أن تؤدى إلى أن تفقد تركيا ربع أراضيها، بشكل يضرب النفوذ الإقليمى لأنقرة فى المنطقة فى مقتل».
ويواصل: «إن تركيا - أردوغان تنكر أى دور لها فى صعود تنظيم «داعش» وتزايد قوته على الأرض، إلا أن الواقع أن تركيا ظلت تحتفظ بحدود شبه مفتوحة مع سوريا فى المناطق التى يسيطر عليها التنظيم الإرهابى البشع، وغضت الطرف عن تدفق عدد مهول من الأسلحة والعتاد والمقاتلين الأجانب الذين ظلوا يعبرون حدودها بانتظام للانضمام لصفوف «داعش»، وفعل أردوغان ذلك، وهو يظن عن غير حق أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قادر على تحقيق نصر سهل ضد نظام الأسد، ولم تحسب تركيا بالطبع صلابة الحكم السورى فى المواجهة ولا حجم الدعم الذى تلقاه من حزب الله اللبنانى وإيران، كما أن أحداً لا يمكنه أن يتجاهل أن تركيا ظلت تلعب الدور الأكبر والأكثر شراسة فى هز زعزعة واستقرار العراق، من خلال زيادة الدعم الذى قدمته لـ«داعش» فى العراق على كل المستويات، بما فى ذلك شراء البترول الذى كانوا يسيطرون عليه، ويستخدمون أرباحه لتمويل مزيد من القتل وسفك الدماء».
ويضيف: «لكى يكون لمبادرة السلام الإيرانية أمل فى النجاح، لا مفر من الاعتماد على العلاقات الإيرانية التركية لإقناع أنقرة بالنظر لأبعد من مصالحها الشخصية، وإن كان من المستبعد توقع أى تحرك صالح من تركيا طالما ظلت تصر على عدم تسوية مسألة الأكراد مهما كانت التداعيات السلبية والكارثية لموقفها على المدى البعيد، بالتالى فلا بد أن تستثمر إيران علاقتها مع تركيا لكى تدعم صفقتها فى السلام، صحيح أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين قوية ويتزايد حجم التبادل التجارى بينهما باستمرار، إلا أنها قد لا تكون كافية لدفع تركيا إلى التخلى عن سياستها التى تصر على التدخل لفرض هيمنتها على الداخل السورى، ولا يوجد حل لإقناع تركيا بتغيير موقفها إلا بإفهامها أن سوريا تنزلق سريعاً إلى نقطة اللارجعة، وأن الخطر الذى يلتهمها حالياً يمكن أن يتمدد فى لمح البصر ليبتلع كل الدول المجاورة لها، وأقربها تركيا».
إن الحقيقة التى يبدو أن كل الأطراف قد توصلت لها فى الأزمة السورية، هى أنه لا يوجد طرف واحد يملك مفتاح الحل منفرداً، وأنه من الصعب أيضاً أن تتفق كل الأطراف على مخرج مشترك، لا دولة واحدة، أو تحالف سنى أو شيعى يملك القوة اللازمة لاستعادة السيطرة على الأراضى السورية التى يسيطر عليها «داعش»، ولا تملك الولايات المتحدة وحلفاؤها استراتيجية متماسكة لحل مأساة الشعب السورى، فى الوقت الذى تصر فيه أنقرة على النظر لمصالحها وحدها بعيداً عن مصالح الآخرين، ولا تعرف إيران ما إذا كان عليها أن تواصل دعم نظام الأسد أكثر من ذلك.
صاحب وجهة النظر الأخيرة حول إيران وموقفها من الأسد هو المحلل السياسى العُمانى الدكتور عبدالله غيلانى فى حواره للموقع الإخبارى البريطانى «ميدل إيست آى»، وناقش فيه أيضاً دخول سلطنة عُمان إلى الصورة، لتقوم بدور الوسيط فى موقف لا تطيق فيه الأطراف المختلفة الاستماع إلى بعضها.
يقول المحلل السياسى العُمانى: «إن هناك أسباباً كثيرة تدفع إيران للنظر فى التخلى عن نظام الأسد، فسوريا الآن تواجه مشاكل أكثر من اللازم، وتحولت إلى عبء استراتيجى يثقل إيران وتحركاتها، إن الصراع فى سوريا يتسبب فى استنزاف مستمر للموارد البشرية والمالية فى إيران، وهى تريد التخلص من ذلك العبء ولكن من دون التخلى عن سوريا، قد تقبل طهران التضحية بالأسد أو بنظامه لكنها ليست على استعداد لفقدان مزايا الموقع الجغرافى الذى تتميز به سوريا».