"العدالة الانتقالية" تغيب عن حكومة "إسماعيل".. "يا بخت من زار وخفف"
"العدالة الانتقالية" تغيب عن حكومة "إسماعيل".. "يا بخت من زار وخفف"
الهنيدي
العدالة الانتقالية.. مطلب خرج من نفوس وقلوب الملايين ممن حلموا بمستقبل أفضل لوطنهم، ثم تحولت من مجرد هتاف يخرج صداه من الحناجر إلى وزارة مستحدثة بعد ثورتين، عوّل عليها الكثيرون في تحقيق القصاص لآلاف الضحايا الذين جادت بهم أمة لم ترتكب ذنبا سوى التغيير، إلا أن ذلك الحلم ما لبث أن انتهى بإعلان تشكيل الحكومة اليوم دون أن يحوي وزارة العدالة الانتقالية بعد عامين من استحداثها.
بعد ثورة 30 يونيو 2013، والإطاحة بالنظام الإخواني الذي ساهم في نشر الإرهاب والفوضى في مصر، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خارطة الطريق للمضي قدما بالبلاد، واستحدث الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزاراء الأسبق، وزارة العدالة الانتقالية، التي تردد اسمها للمرة الأولى في ذلك الوقت لتجذب انتباه واهتمام السيسي، وتولاها المستشار محمد أمين المهدي، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لم يتم تخصيص مقر للوزارة طوال فترة عملها، ومارست أعمالها من مقر مجلس الشورى بشارع مجلس الشعب المتفرع من قصر العيني بالقاهرة.
وحدد الببلاوي، في قراره رقم 1476 لسنة 2014، الذي نشر بالجريدة الرسمية عقب تشكيل الحكومة، أهداف الوزارة في 6 نقاط، هي ضمان العبور الآمن للمرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد بأقل تكلفة وأكثر عائد على نحو يدعم الوحدة الوطنية ويحقق المصالحة الوطنية الشاملة، وتحديد المسائل والموضوعات التي تؤثر في وحدة نسيج المجتمع ووضع حلول جذرية لها وآليات تنفيذها، وترسيخ قواعد المساءلة ومعنى العدالة، ودعم احترام حقوق الإنسان وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك، وتكريم المضارين من انتهاكات حقوق الإنسان في الفترات السابقة على المرحلة الانتقالية والعمل على إصلاح الإضرار ماديا ومعنويا، والإصلاح والتطوير المؤسسي الكامل بما يضمن بناء نظام ديمقراطي يرسخ لقيم الديمقراطية التي تقوم على المشاركة وقيم الإدارة الرشيدة.
كما أوضح القرار في مادته الثانية اختصاصات الوزارة بأنها لرسم لسياستها العامة في إطار الأهداف المقررة لها، ووضع الخطط الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف بالتنسيق مع أجهزة الدولة المختلفة ومتابعة تنفيذ هذه الخطط وتقييم نتائجها، ودراسة وإعداد مشروعات القوانين ذات الصلة بشؤون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ومتابعة تنفيذ أحكامها، وتنظيم سبل كشف الحقائق عن طريق المصارحة والمصالحة الوطنية، واقتراح الآليات والتشريعات التي تضمن الترسيخ لأنظمة تحترم حقوق المواطن، ووضع الضمانات الفاعلة لترضية من انتهكت حقوقه وفقا لما يتضمنه قانون خاص بذلك، وتنمية وتدعيم الحقوق العامة للمواطن على جميع المستويات، وتفعيل وتطوير البناء المؤسسي للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وما تستلزمه من أجهزة ولجان.
وبعد مرور ما يقرب من 11 شهرا، وتولي الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم البلاد، أقر المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق، حكومته في يونيو 2014، التي حافظ فيها على الوزارة، التي لم تكمل عامها الأول في ذلك الوقت، ليتولاها المستشار إبراهيم الهنيدي، الذي أصدر في يونيو الماضي كشفا كاملا لما قامت به الوزارة من إعداد وصياغة مشروعات قوانين تتعلق وترتبط بملف العدالة الانتقالية من قوانين العملية الانتخابية وقانون تقسيم الدوائر، ومراعاة الفئات التي عددها الدستور وأولاها رعاية خاصة في أول مجلس تشريعي بعد صدور الدستور، والإحاطة بكل مقترحات القوى الوطنية التي أرسلت إليها، بشأن تقسيم الدوائر، التي عكست أغلبها رؤى خاصة لأصحابها، وإصدار قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المصريين المسيحيين لشعائرهم الدينية بالتنسيق مع كل الأطراف المعنية.
كما استعرض التقرير إصدار قوانين إنشاء وتنظيم الهيئة الوطنية للانتخابات، والعفو عن العقوبة، على نحو يضمن ممارسة هذه السلطة بشفافية وبطريقة مؤسسية، ومفوضية المساواة ومكافحة التمييز، والجمعيات الأهلية، بالإضافة إلى على الإشراف على المجلس القومي لرعاية أسر شهداء ومصابي الثورة، وتشكيل وإنشاء لجنة وطنية دائمة معنية بآلية المراجعة الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والاشتراك في أعمال اللجنة الوطنية التى تولت إدارة ملف الرد على تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش.
وبعد مرور 15 شهرا على وجود الوزارة ضمن الحكومة، إلا أن المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، أعلن اليوم تشكيل حكومته الجديدة متخليا عن "العدالة الانتقالية" واستبدالها بوزارة الشؤون القانونية ومجلس النواب.
وعلق على هذا الشأن حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بقوله إن الوزارة لم تتعامل مع فكرة العدالة الانتقالية بمفهومها المعروف بالقدر الذي تعاملت به مع إصدار القوانين والتشريعات وصياغة مشاريع القوانين الخاصة بالحكومة وتعديلها، موضحا أن تلك الوزارة لم تجتمع سوى مرتين فقط لمناقشة الأمور المتعلقة بتطبيق تلك العدالة الانتقالية.
وأضاف أبو سعدة لـ"الوطن"، أن الوزارة لم تمارس الدور المنوط بها بشأن تحقيق العدالة الانتقالية، لأن دستور 2014 ربط عمل تلك الوزارة بانعقاد مجلس النواب، لأن المادة 241 من الدستور نصت على أن "يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية، وهذا يدل على أن مجلس النواب المقبل سيكون الجهة المنوط بها تحقيق مفهوم العدالة الانتقالية، وهذا يعني أنه لا ضرورة لوجود وزارة للعدالة النتقالية في الفترة المقبلة.
وأشار رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن وزارة الشؤون القانونية والمجالس النيابية التي تم استحداثها وفقا للتشكيل الحكومي الذي جرى اليوم، ستكون حلقة الوصل بين الحكومة ومجلس النواب، وستقوم بصياغة مشروعات القوانين تمهيدا لعرضها على مجلس النواب، كما ستقوم بإعداد الأجندة التشريعية الخاصة بالحكومة، مؤكدا أن المستشار مجدي العجاتي، وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب الجديد، له خبرة طويلة فيما يتعلق بإصدار القوانين باعتباره رئيسا لقسم التشريع بمجلس الدولة.
لم يختلف رأي الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائي، عن سابقه، حيث أكد أن وزارة العدالة الانتقالية لم يعد لها أي دور في الفترة الحالية، لقرب انعقاد مجلس النواب الذي سيصدر قانونا لتحقيق العدالة الانتقالية، موضحا أن وزارة العدل يمكنها أن تقوم بذات الدور التي كان يفترض أن تقوم به وزارة العدالة الانتقالية، خاصة مع انعقاد مجلس النواب في الفترة المقبلة.
وشدد كبيش على أهمية استحداث وزارة الشؤون القانونية ومجلس النواب خلال الفترة المقبلة، لوجود حاجة شديدة لإصدار العديد من القوانين المهمة التي ستصدر بالتنسيق بين الحكومة ومجلس النواب.