«محمد»: زمان كان «البلدى يوكل» والأن أصبح «السورى يكسب»
«محمد»: زمان كان «البلدى يوكل» والأن أصبح «السورى يكسب»
«محمد» يعد الطعام مع والدته قبل رحلة البيع
ما لبث محمد السورى أن خرج من عباءة الطفولة إلى الشباب مكملاً عامه السادس عشر، حتى أصبح عليه أن يكون رجلاً ناضجاً يحمل همّ عائلته ومصاريفهم بشكل واضح، ليس فقط لأنه ترك مسقط رأسه سوريا بسبب الحرب هناك، ولكن لأنه رفض أن يكون نسخة مكررة من بعض السوريين الذين يتم التعامل معهم بمبدأ الشفقة، على حد قوله، فعمل كى ينفق عليهم بطريقته الخاصة.
والدته تعد الطعام ليبيعه فى الإشارات
قال محمد: «أنا أفضل لى أن أحارب الخجل والكسوف اللى راودنى فى بداية أول يوم عشان أبيع الأكل اللى معايا عن إنى أتسول وأطلب حسنة فى الشارع».
قرر محمد كسب رزقه والإنفاق على نفسه وعلى أمه عن طريق بيع طعام تصنعه أمه يأخذه بعد أن يضعه فى علب ويقف به فى وسط الطرق الرئيسية بمنطقة مدينة نصر، من الساعة الحادية عشرة، وينتظر حتى يبيع كل ما معه من طعام ويرحل، قال متحدثاً عن تجربته فى أول يوم ينزل فيه إلى الشارع: «أول يوم ماكنتش مبسوط، وكان جوايا كسوف، بس لما شفت إقبال الناس علىّ للشراء وتعاطفهم معايا، ده دفعنى أكتر، كمان نفاد الكمية كلها خلانى أحب أكمل وأطلب من أمى إنها تزود الكمية المطلوبة، وفى أيام كبيرة بساعد أمى فى عمل الأكل وبشتغل معها، الأكل السورى المصريين بيحبوه جداً، وساعات بيفضلوه عن أى أكل تانى، ودى ميزة، الحمد لله إننا نكسب».
اعتاد محمد من أول يوم له أن يقبّل يد أمه ورأسها، ولا تملك الأم سوى أن تعطيه الطعام وأن تدعو له، محملة إياه مسئولية الحفاظ على كرامة الأسرة.
أما فى أيام الدراسة فيذهب محمد صباحاً للمدرسة ويأتى منها ثم يذهب إلى الشارع ليكسب رزقه، مما دعا البعض من المتعاطفين معه من المصريين لنشر صوره على مواقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» و«تويتر» للوصول إليه ومساعدته والشراء منه، كما فعلت إيمان هشام، معبّرة عن تجربتها مع محمد بأن «أكله فعلاً جميل ويستحق أن نجربه»، أما والدته، معبرة عن أحوالها فى مصر والانتقال من سوريا مفارقة أحبابها، فقالت:
«الشوق والحنين للوطن أمر طبيعى، لكن هنا فى مصر الناس قدروا يساعدونى إنى أتحمل فراق الأحباب، ونفسى سيادة الرئيس يحل لنا مشكلة الإقامة بس».
ورغم أن محمد لا يضمن استقرار حاله وحال أسرته فإنه استبشر خيراً فى مستقبله، وقال إنه يريد أن يصبح طياراً أو طبيباً، واختتم كلامه بطلب من الدولة: «أنا بس بدى مكان أقف فيه لأبيع الطعام وكمان يحمينى من أشعة الشمس».