«سوق العرب».. وقائع الموت فوق «جسر الجمرات»
«سوق العرب».. وقائع الموت فوق «جسر الجمرات»
عدد من جثث ضحايا كارثة التدافع فى «سوق العرب»
هنا «سوق العرب»، أكبر شوارع مشعر منى، هنا موقع كارثة التدافع التى وقعت صبيحة أول أيام العيد لتودى بأرواح نحو ٧١٧ حاجاً و٨٦٣ مصاباً فى واحدة من أفدح حوادث الحج على مدار السنوات الماضية، ومن بين الضحايا 14 قتيلاً و32 مصاباً مصرياً.
المكان تقاطع شارعى ٢٠٤ و٢٢٣ الذى يقود نحو جسر الجمرات، الجسر الذى سعى إليه فى ذلك الصباح آلاف الحجيج لرمى جمرة العقبة الكبرى، شارع ضيق لا يزيد على ١٠ أمتار. تتزايد الكتل البشرية وتتدافع، نذر الكارثة تلوح فى الأفق، تتكاثف تفاصيل المشهد على نحو مخيف. الخطوات تصبح أكثر بطئاً، التدافع يشتد، الأنفاس تعلو، تشق طريقها فى الصدور بصعوبة. ويصف شاهد عيان لـ«الوطن» ما حدث قائلاً: «حسيت إنه يوم الحشر، رجال الأمن فى الشارع الذى وقعت فيه الكارثة سارعوا لتنبيه الحجاج لعدم دخول هذا الشارع الضيق، لكن التدافع استمر، وفشلت جهود السيطرة على جموع الحجيج، لتقع الكارثة الدامية».
يضيف الرجل: «ما شاهدته كان مريعاً، طوفان من البشر يواجه طوفاناً آخر، كتل مهولة من الأجساد البشرية تتدافع تارة وتتداخل تارة أخرى وتواجه بعضها البعض، وفى النهاية أكوام من الجثث». انتهى كلام الرجل ولم تنته المأساة، فمع حلول العاشرة والنصف كان المشهد قد أصبح أكثر دموية مع تدخّل قوات الإنقاذ. الأسوار حول مخيمات الحجيج على الجانبين محطمة. الجثث لا تزال عالقة بها، لعلها لم تجد مفراً سوى العبور خلال الأسوار الحديدية، وكانت بالطبع محاولات بلا طائل، أما نهر الشارع فكان أشبه بميدان قتال، الجثث مكدسة فوق بعضها البعض بارتفاع متر ونصف المتر. ومن هنا وهناك تتنامى أصوات استغاثات واهنة من بعض من قُدرت لهم النجاة. بسرعة أغلقت قوات الإنقاذ الشارع وأخلت المخيمات على الجانبين وبدأت فى نقل المصابين للمستشفيات، أما الجثث فقد نُقلت إلى المخيمات التى جهزتها قوات الدفاع المدنى بمراوح وأجهزة تكييف عملاقة حتى لا تفسد بفعل الحرارة العالية لحين فرزها، وحتى الثانية عشرة ليلاً تواصلت أعمال نقل الجثث وفرزها، وبدا الأمر كارثياً بحق عندما لجأت السلطات لمبردات ضخمة محمولة على شاحنات لنقل الموتى.
شاهد عيان: نطقت الشهادتين أثناء التدافع.. وإمام الحرم يستنكر انتقاد جهود السعودية لتأمين الحجاج
الحاج منير الشرقاوى، أحد مصابى الحادث، قال لـ«الوطن»: «أثناء السير فى اتجاه الجمرات فوجئت بتوقف سير الحجاج بشكل غريب وغير معلوم، وما هى إلا دقائق حتى قدمت دفعات من الحجيج من الخلف وحصل التدافع الشديد، طوفان من ذوى البشرة السمراء»، يضيف الحاج منير: «كان لديهم تصميم غريب على العبور، وبالفعل عبروا، وكلما سقط حاج صعدوا فوقه للعبور خطوة أخرى للأمام». ويصف الرجل ما ظن أنها لحظاته الأخيرة: «سقطت فوق ٣ جثث على الأقل، ٣ أشخاص التصقت بهم لم أسمع منهم نفَساً ولم أشعر بأى حركة تصدر عنهم، كان استسلامهم نهائياً لا رجعة فيه. وبالكاد رفعت وجههى وأنا ألتقط أنفاسى بصعوبة. كنت فاقداً للنطق تماماً. أشرت لأحدهم قبل العبور من فوقى ومددت له يدى فداس على صدرى وأكمل طريقه، فتيقنت أنه لا مفر، فنطقت الشهادتين وأغمضت عينى. وما هى إلا لحظات حتى شعرت بأياد تشدنى بعيداً عن أكوام الجثث». ويتابع: كانت صرخات النساء تدوى بصوت عالٍ، وكبار السن سقطوا على الأرض، وظلت الحادثة قائمة حتى تدخلت الجهات المختصة.
وقالت الحاجة إيمان عبدالكريم: «أثناء جلوسى بجانب شارع العرب لأخذ قسط من الراحة بسبب تعبى الشديد من طول المشى، شاهدت أعداداً كبيرة مقبلة من الحجاج بمختلف جنسياتهم يتجهون نحو الجمرات، وحين وصولهم بالقرب منى توقفوا عن المشى بسبب أعدادهم الكبيرة، وما هى إلا دقائق معدودة حتى قدمت دفعات أخرى وهى التى سَبّبت التدافع وسقوط الحجاج بعضهم على بعض»، مبينة أنها تعرضت إلى كدمات بالظهر.
وفى سياق متصل، أكد الشيخ صالح بن محمد آل طالب، إمام الحرم المكى، أن المملكة العربية السعودية تبذل جهوداً كبيرة من أجل خدمة الحجاج وضمان سلامتهم وراحتهم. وأضاف، خلال خطبة صلاة الجمعة أمس، أنه من غير المقبول أن يتم إنكار تلك الجهود بسبب وقوع حادث التدافع بمشعر منى، أمس، مشيراً إلى أن ذلك الإنكار هو على سبيل التشفى، مشدداً فى الوقت نفسه على قدرة السلطات السعودية على إدارة شئون الحج. وناشد حجاج بيت الله الحرام اتباع القواعد والتعليمات التى وضعتها السلطات السعودية لتنظيم الحج، مؤكداً أن تلك التعليمات والقواعد وُضعت جميعها من أجل ضمان سلامة وراحة حجاج البيت العتيق. وطالب إمام الحرم المكى جموع المسلمين على مستوى العالم بالاتحاد على كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم ونبذ الفُرقة والاختلافات لنصرة الدين الإسلامى. وتناول كيفية استكمال مناسك الحج خلال أيام التشريق الثلاثة، مطالباً جموع الحجاج بالإكثار من ذكر الله خلال هذه الأيام.