شيخ «البشارية» يروى شهادته: كان الأحياء والشهداء يحاربون معا
شيخ «البشارية» يروى شهادته: كان الأحياء والشهداء يحاربون معا
عوض هدل يحمل شهادة تكريمه
بلونه الأسمر مرتدياً الجلباب الأبيض والصديرى الأسود الذى يُعَدّ الزى الرسمى لأبناء قبيلته، جلس عوض محمد هدل، أحد مشايخ البشارية بأسوان، على أريكة من الخشب، ليتحدث عن أيام العزة والكرامة فى حرب 73، لـ«الوطن»، مؤكداً فى أولى كلماته: «ليت الشباب يعود يوماً، فقد تعلمنا خلال الحرب أنه لا يأس مع الحياة، فقد واجهنا الموت فى كل لحظة وذهبنا للقتال ونحن نعلم أننا لن نعود، فإما النصر وإما الشهادة، وقد كنت فى القوات الخاصة أتدرب يومياً، بل أكثر من 18 ساعة يومياً، على كيفية استعادة الأرض والعرض لمصر، ومنذ حرب الاستنزاف نتدرب، ومعنوياتنا كانت مرتفعة لأننا جرّبنا العبور قبل العبور، فقد أسرنا عدداً من الجنود الإسرائيليين على خط الجبهة ليلاً فى الظلام الشديد، وكنا لا نهاب الموت أبداً».
«شهادة عبور قناة السويس.. رجال الكوماندوز المصرى المظليون، تشهد الوحدة 2519 بأن المقاتل فدائى عوض محمد هدل عيسى، قد عبر قناة السويس إلى الضفة الشرقية يوم 6 أكتوبر عام 1973 فى معركة تقرير المصير ضد العدوان الإسرائيلى، وقد أبلى بلاءً حسناً فى العمليات الحربية».. كلمات مكتوبة على شهادة تقدير وُضعت فى إطار من الزجاج، وردّدها الحاج هدل لـ«الوطن»، ثم قال: «إننى أشيد بقيادات القوات المسلحة فى ذلك الوقت، فقد كنا لا نجيد القتال كمدنيين، وتدربنا حتى أصبحنا مقاتلين محترفين، وحبنا للوطن واستعادة هيبتنا بين الدول جعلنا نضع فى أنفسنا أن الجندى المصرى إذا دخل على كتيبة كاملة هيقدر يدمرها بمفرده، بالتدريب الراقى واللياقة البدنية العالية والقوة التى كانت بداخلنا، وفعلاً نحن خير أجناد الأرض».
«هدل» لـ«الوطن»: كنا نتدرب على المصارعة والجرى مسافات طويلة.. ولا ننتظر شكراً من أحد
وأضاف هدل: «كان من ضمن أفراد كتيبتى رقم 41 (فهد كتيبة الشهيد صلاح حواش)، المجند محمد المصرى صائد الدبابات ومدمر لواء عساف ياجورى الإسرائيلى، وكنا نتدرب على الجرى مسافات طويلة، وكذلك المصارعة الحرة وحلقات الاشتباك، ونحمد الله أننا كنا كأسرة واحدة، وإلى الآن ما زال التواصل مستمراً بيننا كجنود حاربنا للدفاع عن أرض مصر الحبيبة، فالصداقة مستمرة أكثر من 42 سنة، وهذه هى روح نصر أكتوبر التى لا تزال تجرى فى عروقنا، ونتمنى أن يعمل الجميع بروح أكتوبر، خصوصاً فى هذا الوقت العصيب والمرحلة التى واجهنا فيها الإرهاب فى الفترة الماضية».
وعن أهم ذكريات الحرب، قال هدل: «أتذكر لحظات استشهاد أول مجند بكتيبتنا فى أكتوبر، وهو الشهيد مجند خيرى صديق عرفات، وهو أحد أبناء مدينة حلوان، استُشهد بدانة مدفع، ودفناه مع سلاحه الميرى، وبعدها حفرنا مرة أخرى واستخدمنا سلاحه لنستكمل المعركة بسلاح شهيد، ليعلم الجميع أن الحى والميت يقاتلان، وأننا كأبناء قبائل العبابدة والبشارية المقيمين بالصحراء كنا أدلة الصحراء فى القوات المسلحة، خصوصاً سلاح الحدود، وكنا دائماً على الجبهة، وقد استشهد منا كثير من أبناء القبيلة، وما زلنا نفتخر بهم ونخلد أسماءهم». وأنهى «هدل» حديثه قائلاً: «لا أريد الشكر من أحد، فقد أدينا الواجب وننتظر الجزاء من الله فى الآخرة، فكيف يكون العدو محتلاً أرض الوطن ونطلب الشكر من أحد؟ بل نشكر كل من علّمنا كيف ندافع عن أرضنا وكيف نستعمل السلاح، وكيف نفدى تراب هذا الوطن بدمائنا وأرواحنا، وكيف نرفع لياقتنا البدنية التى لا تزال نتائجها موجودة حتى الآن، فعلى الرغم من تجاوزنا سن السبعين، أرى نفسى أعمل كأنى فى الثلاثين من العمر وفى ريعان الشباب، وفى النهاية سلامى لكل أصدقائى ورفاق السلاح».