الرايات الخضراء.. سرقة الدولة باسم الدين
الرايات الخضراء.. سرقة الدولة باسم الدين
سيدة عراقية ترفع لافتة تندد بالفساد داخل الحكومة العراقية
تحولت ميادين العراق بين عشية وضحاها إلى ساحات غضب خالية من الرايات الخضراء، وهتافات «لبيك يا حسين»، وتحولت إلى تجرؤ على المرجعيات بلافتات «سرقوا الدولة باسم الدين» إثر استشراء الفساد فى أروقة الحكومة الموالية لطهران، فالغضب الثائر تلك المرة برائحة عربية، بعيداً عن الطائفية، وبالرغم من حالة الزخم الطافية على سطح الصراع بين أتباع الولى الفقيه فى بغداد ومعارضيهم، فإن الغيوم السياسية جعلت الكثير من المحللين يتناول الأحداث الراهنة فى العراق، من زاوية واحدة فقط تتمثل فى الصراع المحموم بين نورى المالكى، رجل إيران فى بغداد، وحكومة العبادى، التابع لحزب الدعوة، مستغلاً سيطرته على قوات الحشد الشعبى التى شكلتها طهران بالتعاون مع المخابرات الأمريكية.
«طهران» تشعل حرباً بين «العبادى» و«المالكى» لإحكام سيطرتها على العراق.. واتهامات بالفساد تلاحق الحزب الحاكم
يعلم المقربون من دوائر صنع القرار فى بغداد أن العبادى والمالكى خرجا من رحم حزب الدعوة الشيعى المدعوم من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وبالتالى فإن الصراع القائم ليس بين طرفين يقفان على النقيض، فالعبادى يتعاون مع المرجعيات الدينية الشيعية التى تأتمر بأوامر الولى الفقيه ويعلم تماماً أن مفاتيح اللعبة فى بغداد تملكها طهران، و«المالكى» زعيم بنفس الحزب الذى ينتمى إليه «العبادى»، فالخلاف الظاهر يؤكد وجود صراع داخلى بين الأطراف الموالية لإيران من جانب، والقاعدة الشعبية العريضة من فقراء العراق من جانب آخر.
نجاح «العبادى» فى الإطاحة بـ«المالكى» من منصب نائب رئيس الجمهورية لم يكن اختيارياً، فغضب الجماهير فرض الإصلاح على الجميع دون استثناء، ولم يلبث السيستانى، المرجعية الشيعية الأعلى، فى ممارسة دهائه السياسى، باللعب على كل الحبال، للتوفيق ما بين ولاءاته المتعددة التى تبدأ من بريطانيا مروراً بأمريكا وتنتهى فى طهران، فلم يجد الرجل أمامه خياراً سوى إصدار قرار لتوجيه الحكومة بضرورة تنفيذ مطالب الشارع، لينساق العبادى الذى جاء إلى الحكم بتوافق سعودى أمريكى بالتنسيق مع المرجعية، وراء تدخل المرجعية الدينية، ليعلن ورقة الإصلاح مزيلة بمباركة السيستانى و«خاتم» فتاواه، ورغم ذلك لا يزال الغضب مسيطراً على العراقيين رغم إقرار البرلمان لتلك الإصلاحات، حيث توقع الجميع رفض البرلمان الذى يشكل أغلبيته مجنسون بجنسيات أجنبية، فضلاً عن الشريحة الأكبر الموالية لإيران، لورقة الإصلاح، إلا أن موافقة مجلس النواب فاجأت الجميع، وقالت مصادر مقربة من مكتب السيستانى لـ«الوطن» إن الموافقة على ورقة «العبادى» جاءت بتوجيه إيرانى بعد توافق مع الرجعية الدينية، ليس بهدف الخضوع للمطالب الشعبية، وإنما بهدف الحفاظ على سلطة رئيس الوزراء فى يد حزب الدعوة، فضلاً عن الإبقاء على البرلمان المجنس، الذى استهدفه الثوار، بوضع سيناريو للمطالبة بحله فى حالة رفضه لورقة العبادى.
وزراء «تجنيس» فى الحكومة.. والمواءمات السياسية تضرب مصالح الشعب فى مقتل
لم يكن الخلاف فى السياسات ووجهات النظر بين العبادى والسيستانى من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى وليد اللحظة، حيث مثل خضوع رئيس الوزراء العراقى، فى السابق، لضغوط بعض السياسيين والمراجع المعتدلة الرافضة للتدخل الإيرانى فى العراق، خلافاً مكتوماً بينه وبين الإيرانيين ومواليهم من السياسيين، فضلاً عن محاولته تحسين العلاقة بين بغداد والقاهرة، والدعوة إلى إعادة هيكلة الجيش والعمل على تحقيق المواطنة وإعلانه التخطيط مستقبلاً لنزع سلاح الكتائب المسلحة، ورغم أن كل تلك الإجراءات كانت مجرد تصريحات، إلا أنها خلقت تخوفاً إيرانياً من العبادى، ما دفع طهران إلى مراجعة موقفها من الانحياز لأى من حليفيها، المالكى أم العبادى، فخرجت فكرة الدعوة إلى إنشاء نظام رئاسى وإلغاء النظام البرلمانى من مراجع غير محسوبة على الإيرانيين فى البداية.
وقالت مصادرنا فى العراق إن تلك كانت خطة إيرانية للإيعاز للمجتمع الدولى بأن هذا مطلب عراقى بعيداً عن التدخلات الإيرانية، ثم خطط السياسيون الموالون لإيران بتنظيم تظاهرات حاشدة ضد الحكومة لإقالتها والإطاحة برئيس الوزراء لصالح نورى المالكى بسبب الفساد الذى استشرى فى الأروقة الحكومية، ما دفع رئيس الوزراء الحالى إلى قطع الطريق على تلك المحاولات الإيرانية للإطاحة به، حيث أعلن عن إجراء إصلاحات وإحالة الفاسدين لمحاكمات بعض الخضوع للتحقيق من قبل لجان خاصة، فحاولت إيران ومواليها تدارك الموقف بقطع الطريق أيضاً على العبادى باستجوابه فى البرلمان العراقى الذى تشكل غالبيته عناصر موالية لطهران فضلاً عن المجنسين بجنسيات أجنبية، حتى لا يستطيع العبادى حل البرلمان فى حال عدم موافقته على حزمة الإصلاحات التى أقرها، إلا أن الغضب الجماهيرى كان أقوى من أى تحرك سياسى، حيث نصح مستشارو خامنئى بعدم تنفيذ تلك الخطة التى ستؤدى فى النهاية إلى مطالب جماهيرية بحل البرلمان والإطاحة بالعبادى فى الوقت ذاته ليخسر حزب الدولة سيطرته، ويضيع البرلمان الموالى الذى أنفقت عليه طهران ملايين الدولارات.
«ليست إيران الوحيدة التى تتدخل وتسيطر على الشأن العراقى، فالحكومة الراهنة معظمها وزراء مجنسون، وهم من جاءوا من الخارج على ظهر الدبابات الأمريكية بعد الاحتلال وسقوط صدام حسين»، هكذا وصف هادى جلو مرعى، مدير مركز الحريات فى بغداد، المقرب من مقتدى الصدر، الأوضاع الراهنة فى العراق، لافتاً إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تعمل لصالح المواطن ووضعت المواءمات السياسية والمحاصصة نصب أعينها سواء فى اختيار المسئولين أو حتى فى البرلمان، وبالتالى أصبح هناك ستار للطائفية وضعته الحكومات لتميز بين فئات وطوائف العراقيين بعد غياب قيم المواطنة، وأشار إلى أن أمريكا قضت على الجيش العراقى، وإيران زودت أنصارها بالسلاح وكونوا ميليشيات وعصائب، فأصبحت الدولة تعيث فى غياهب الفتن على المستوى السياسى.