بالفيديو| الأمير الحسن بن طلال: الهوية العربية «تتآكل»
بالفيديو| الأمير الحسن بن طلال: الهوية العربية «تتآكل»
الأمير الحسن بن طلال
ولى عهد الأردن السابق لـ«الوطن»: المنطقة تعيش زمن الاقتتال «العربى - العربى».. والهجرة أصبحت أُمنية
الأمير الحسن بن طلال، ولى عهد الأردن سابقاً، هو واحد من أهم المفكرين المهمومين بقضايا العالم العربى، فقد كرس حياته من أجل الحوار الثقافى والتعاون الإقليمى والسلام فى العالم، أنشأ عدداً من المؤسسات الأردنية والدولية على رأسها منتدى الفكر العربى والمعهد الملكى للدراسات الدينية، وله الكثير من الكتب والمشاركات فى المنتديات والمؤتمرات العربية والدولية. فى هذا الحوار الإنسانى الخاص لـ«الوطن»، تحدث الأمير الحسن عن القواسم المشتركة بين مصر والأردن والمغرب وعن الثورة الحقيقية التى تجمع بين هذه الدول، والتى تكمن فى الرأسمال الإنسانى، وطالب بإقامة مفهوم مشترك للأوقاف، من أجل الإنفاق على الفئات الأقل حظاً، كما طالب بخوض السلم بنفس القوة ونفس العزم الذى تخاض به الحرب.
طالبنا ببنك «إقليمى» لإعادة البناء بعد الحروب.. ودور الأزهر مهم فى تنمية «الشورى» بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة والعودة إلى الاحتكام للعقل
وأكد الأمير الحسن بن طلال أن الدين هو أسلوب حياة، وأسلوبية الحياة لا بد أن تتطور فى كل زمان ومكان، مشيراً إلى ضرورة تفعيل خطاب القدوة وخطاب الفعل وليس التوقف فقط عند الكلام والمزايدات، وقال «للأسف، الاتجاه الحالى للسياسة فى الإقليم هو الاقتتال «العربى - العربى».
■ هناك خصوصية فى العلاقات المصرية - الأردنية، وتشاور وتنسيق مستمران بين الدولتين، وقد زرتم مصر فى مطلع هذا العام والتقيتم بالرئيس عبدالفتاح السيسى.. ماذا تقولون عن هذه الخصوصية؟
- هناك علاقة متميزة تجمع بين جمهورية مصر العربية الشقيقة والمملكة الأردنية الهاشمية، وأيضاً المملكة المغربية على أكثر من صعيد، خاصة أن الثروة الحقيقية التى تجمع بيننا هى الرأسمال الإنسانى، نحن نعيش اليوم التحالفات من أجل مواجهة التطرف الممارس من فئات تسىء إلى الأديان المختلفة، وفيما يتعلق بالاستقلال المتكافل، فإن الدول المؤسسة على دساتير أسهمت فى بناء الجامعة العربية فى بداية الأمر، أى فى بداية رحلة الاستقلال، ولا بدّ أن يُكمل الجهد المبذول من قبل الدول التى نسميها دول النفط أو مجلس التعاون الخليجى، فى أكثر من مناسبة وردت ملاحظة كيف نستطيع أن نُحكِم العلاقة مع الإمكانات المادية، وأقول إننا طالبنا، مصرياً ومغربياً وتونسياً، فى تلك الفترة، فى لقاء G8 فى الأردن، بمؤسسية جديدة تتمثل فى بنك إقليمى لإعادة البناء بعد الحروب، ونطالب اليوم بإقامة مفهوم مشترك للأوقاف، والشاهد الآن القدس، بمعنى تحويل الوقف من المفهوم التقليدى عند رجال الدين، مع احترامى لهم جميعاً، إلى مؤسسة إنمائية تُفعِّل التكايا والزوايا والسُّبل وما يترتب على ذلك من دخل مشروع لبيت مال المسلمين، كما ورد فى الإشارة إلى تأسيس اللجنة الملكية عام 1975 فى المغرب، ليتسنى لنا الإنفاق على المدارس والمستشفيات، وعلى الفئات الأقل حظاً، من أجل أن نمكّنهم ونفعّلهم كمواطنين عقلانيين يتحملون الصعاب فى وجه التحديات التى تجتاح المنطقة.
ليس للعرب رغبة فى تأكيد الحرص على خوض السلام بنفس القوة التى يخوضون بها الحرب.. والتمزق الحاصل حالياً نتيجة غياب الاعتراف بالتنوع
وفى الحديث عن المؤسسات الإسلامية أقول إن للأزهر الشريف موقعاً مهماً فى تنمية الشورى بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، وجلها العودة للشورى والاحتكام إلى العقل والفؤاد معاً، إن الخطاب الاجتماعى والسياسى والمكانى مبنى على تفعيل الدول التى تمتلك العقول والرغبة والإرادة الحقيقية وتشكّل رباطاً أمام التحديات، ولا بد لنا من اتخاذ موقف أصيل من الإقليم ليعرف العالم الخارجى من نمثِّل أو بمن نُمثَّل من حيث القيم المشتركة أو المشتركات التى نصبو إليها.
■ كيف تقيّم موقف عملية السلام الآن؟ هل هناك أى أمل فى ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية والمواقف المتخاذلة من قبل الأطراف الراعية الأساسية لعملية السلام؟
- الاتجاه الحالى للسياسة فى الإقليم هو الاقتتال «العربى - العربى» للأسف، أزمات من ليبيا إلى اليمن إلى العراق وسوريا، وصولاً إلى التأثير المباشر لمآلات اللاجئين على تركيا ولبنان والأردن، والآن موضوع الهجرة الجماعية إلى أوروبا، وكأن أوروبا لم تكتشف مآلات الحروب إلا نتيجة لهذه الهجرة القسرية، كل هذه الأمور أصبحت فى منظور الإعلام والسياسة أثقل شأناً من الثقل الأساسى، وهو معالجة الموضوع الأساسى المتمثل بالشرق الأوسط الكبير فى بنيان الإقليم، وعند الحديث عن العدالة الاجتماعية وإعادة الحقوق للفلسطينيين، نرى أن هناك عزلة إسرائيلية وراء جدار جديد نفسى ومادى، وعدم الرغبة فى تناول الموضوعات، وكأنهم كلما قالوا: هل من شريك؟ يقصدون عملياً أنهم مرتاحون للأوضاع القائمة فى الإقليم التى جعلته حالة من عدم الاستقرار، فكأنما الاستقرار المطلوب هو استقرار الإقليم بالكامل، من الصعب أن نتحدث عن الاستقرار اللبنانى، أو السورى، أو الإيرانى، أو التركى، أو الكردى، أو الأردنى، أو المصرى فى سيناء -على سبيل المثال- دونما تعبير عن الاستقرار، وآمل أن يكون ذلك هو فى حال مجلس الأمن فى المنطقة بأن نتحدث عن دور لفتح قنوات الحوار الذى لا يخص جزئية من الموضوع فقط، مثل تغيير الأنظمة تارة، وخطر الإرهاب تارة أخرى، وأصبح الحديث الآن عن القوميات: القومية التركية، والقومية الإيرانية، والقومية اليهودية، ولكل منها اجتهاداتها بخصوص موضوع الاستقرار الإقليمى ومناطق النفوذ، لكن لا يوجد فى الوقت الحاضر للعرب، ولا أعرف ماذا أسميهم إلا العرب، رغبة فى تقديم المواقف المبدئية ولو بالمطالبة بتأكيد حرص الجميع على خوض السلم بنفس القوة ونفس العزم الذى يخوضون به الحرب.
الخطاب المتطرف يسترضى الغرائز الإنسانية.. وهى «أقتُل أو أُقتل».. والخطاب المطلوب حالياً هو «الفعل وليس القول».. وسلوكيات السلام باتت عبارة عن أقوال لا تمارس فى الواقع
جميع المواضيع المدرجة الآن، ومنها قضية اللاجئين وحقوق الإنسان -على سبيل المثال- مرتبطة بالكتلة الحيوية للإنسان المشرد والإنسان المقيم، هناك 22 مليون لاجئ فى إقليمنا الآن، أليس من الأفضل ألا نتحدث فقط عن الأمن النووى، أو الأمن الظرفى، وإنما أيضاً عن الأمن الأساسى الذى هو الأمن الإنسانى؟ عن أى سلم نتحدث؟ السلم مع الآخر أم السلم مع الذات؟ السلم مع العالم ثنائياً أم جماعياً؟ لا بد من ثقل عربى فى المرحلة المقبلة يركز على الموضوعات المدرجة فى جدول أعمال الكون الذى نعيش فيه.
■ ونحن نتحدث عن الاقتتال العربى - العربى وأمام تحديات التطرف ومخاطر الإرهاب، ومن أجل تحقيق هذا الثقل العربى الذى يأتى بالتكامل العربى.. ما الخطوات التى يجب السير عليها لتحقيق هذا التكامل؟ أو ما المعوقات التى تقف فى وجهه؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
لا بد من ثقل عربى فى المرحلة المقبلة يركز على الموضوعات المدرجة فى جدول أعمال الكون الذى نعيش فيه
- المعوق الأول هو أن العلاقات العربية - العربية عادة ما تتأثر بثنائية المنظور، وأخشى أن تكون مجالات الاختلاف متأثرة بالموقف الكلى، إن تفعيل العقل العربى يحتاج إلى التفكير خارج الصندوق وخارج النطاق الضيق، تحدثنا عن أن إسرائيل لا تمتلك سياسة خارجية، بحسب توصيف هنرى كيسنجر، لأن كافة المعضلات الإسرائيلية تُقاس فى إطار السياسة الداخلية، هل أصبحنا بالمقاربة أشبه بوضع العزلة فى كل دولة، وتضييق الأجندة للحديث مع بعضنا البعض حول موضوعات الساعة نتيجة التأثير الداخلى لمخاوفنا؟ هناك كتلة أزمات عراقياً ويمنياً وسورياً وليبياً، ويقال فوضى الفتاوى وأقول فوضى الأزمات، هل هذا يحول دون النظرة الاستراتيجية؟ بمعنى أن نمارس نظرة الحكيم الذى يرى أن ذلك الخلاف لا يُذهِب للموضوعية قضية؟ بمعنى لو أخذنا الموضوعات الثلاثة الكبرى التى تُعرض على الجمعية العامة قبيل إقرارها فى التنمية المستدامة للوصول إلى أهداف الألفية، كما تسمى، فهى بلا شك موضوعات المياه والطاقة والبيئة الإنسانية، فإلى متى سيبقى اللاجئ على أرض الغير بمعدل 27 عاماً؟ هل هناك نظرة سياسية متوسطة المدى لتفعيل وتمكين هؤلاء، فضلاً عن تزويدهم بالأسلوب الأبوى للتمويل الذى لا يكفى معظم احتياجاتهم؟ ولماذا ذلك التمويل إذا كانوا أكفاء ويمكن إدخالهم فى العملية الإنتاجية التى تصبو إليها الدول المستضيفة للاجئين مثل ألمانيا؟
الشباب العربى مطالب بالمساهمة فى صياغة فن المحادثة لنستطيع تجاوز هذه المرحلة الصعبة
فى هذا السياق أقول: لا بد من تأسيس صندوق عالمى للزكاة مُحاسَب وشفاف يتعامل مع ابن السبيل كإنسان وليس كرقم، ويسهم فى معالجة الأزمات مثل اللاجئين بما يحفظ الكرامة الإنسانية للجميع فى الإقليم.
■ أليست هناك مزايدات على المهاجر السورى اليوم؟
- حينما تقول المجموعة الأوروبية إنها تسمح بدخول المهاجرين السوريين إلى ألمانيا ولا تسمح بدخولهم إلى جمهورية التشيك أو جمهورية المجر، فالأوروبيون يعلمون تماماً أى دول هى بحاجة لأى كفاءات، والتضييق على الحدود هو بغية معرفة وتوزيع الكفاءات على كافة الدول الأوروبية، كما صرحت بذلك المستشارة الألمانية ميركل.
■ بالعودة إلى موضوع التكامل العربى، سؤال الهوية ربما يطرح نفسه بقوة فى هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الأمة العربية، فهل باتت الهوية العربية فى خطر؟ وكيف يمكن أن نؤسس لهوية عربية جامعة تعترف بالتنوع والتعدد وتعيد للشاب العربى اعتزازه بهويته العربية؟
- أعتقد أن الهجرة أصبحت أمنية عند العرب الأكفاء وكأنما يقولون أنتم علمتمونا وهيأتمونا ونحن لنا الحق فى اختيار الأماكن التى تعترف بكفاءاتنا وليس بمن نحن. فالهوية ليست هوية اجتماعية ضيقة، بل هى هوية مهنية وهوية خبرة سنوات فى الحياة الأكاديمية -على سبيل المثال- أو الاقتصادية أو الاجتماعية فى التواصل مع موضوعات الساعة. إن الهوية العربية أو عبر القطرية، وهو مفهوم بديل عن الهوية القطرية لكل دولة، هى بحد ذاتها تتآكل إلى شبه الدويلة، والدويلة الصغيرة والتمزق الحاصل هو نتيجة لغياب الاعتراف بالتنوع. أنت مهاجر فى الولايات المتحدة ومبدع فى مجال عملك، أليس من حقك أن نعترف لك بجنسيتين؟ أليست التجربة الإسرائيلية إذا سألنا عن الهوية هى إسرائيل واحدة مقابل 22 دولة عربية؟ أليست القيمة المضافة هى الخبرة والتمويل الذى يأتى من خلال وجود هذه النخبة فى الخارج؟ نتحدث عن السياسات الكبرى فضلاً عن الحديث عن المصالح الضيقة وكأنما الإنسان لم يغادر قريته أومدينته أو جهويته.
الدين هو أسلوب حياة والحكم فى نهاية المطاف لله تعالى.. لكن الحركات المتطرفة توجه الكلمة كما تشاء
آن الأوان أن ندرك أن اللغة العربية دخلت الأمم المتحدة كلغة معترف بها، لكن أن نستخدم هذه اللغة لمصطلحات العصر الذى نعيشه أو الذى سيعيشه أبناؤنا من بعد، هو السؤال الذى يطرح نفسه، ماذا نكوِّن من هذه الهوية للأجيال المقبلة؟
■ فى مداخلة لكم فى ندوة «من أجل الحوار المشترك» التى احتضنها متحف محمد السادس فى العاصمة الرباط، تحدثتم عن حق السلام أو قانون السلام، هل باتت المنطقة العربية عصية على السلام؟ وماذا نفعل حتى يعود الاستقرار إلى منطقتنا؟
- التنازلات فى قانون الحرب، بما فيها تأسيس الصليب الأحمر، كانت الغاية الأساسية منها أن نجعل الحروب أكثر إنسانية ورحمة، لكن عندما نرى مشاهد القتل العشوائى لأسباب متعددة، يبدو لى أن سلوكيات السلام هى عبارة عن أقوال لا تُمارس فى الواقع. وفى منتدى الفكر العربى الذى أتشرف برئاسته، ساهم مجموعة من الشباب العربى فى وضع ميثاق اجتماعى عربى، فى أول نصوصه الحذر من كافة أنواع التمييز، بما فى ذلك التمييز الجهوى أو الطبقى، وبالمناسبة لا توجد فى علم الاجتماع، إلا فى مفهومنا العربى الضيق، طبقة سياسية نخبوية، لأن الإنسان يمتاز بإنجازه ولا يمتاز بموقعه الوظيفى والنخبوى إلا عندنا فى العالم العربى. إن سلوكيات السلم تتطلب الصدق مع الذات والصدق مع الآخر والصدق مع الخالق، إذا كان الإنسان مؤمناً، وهذه الدرجة من الصدقية تتطلب تعاوناً ثلاثياً وسياسياً فى قمة الهرم: تشريعى، تنفيذى وقضائى، اقتصادى واجتماعى مع المجتمع المدنى. لذلك طالبت سابقاً بتأسيس تواصل اجتماعى من أجل السلم، أو تواصل مجتمعى على كل ما تيسر لنا من أجهزة المعلومة الرقمية بألسنتها المختلفة، وإلا ربما اضطررنا لنأخذ درساً من المنظمات المتطرفة التى عمت العالم بتغريداتها، وكأنما احتكرت الصفاء والخلاص وفق أجندتها الخاصة، واحتكرت كذلك مفهوم التواصل، واحتكرت الحقيقة بتغييب مصادر المعلومة والمعرفة، وهذا جزء من مشكلتنا الإعلامية فى العالم العربى، لأن الدول لا تستسيغ إلا ما هو متفق مع الخط الرسمى. وهنا أقول: أين الإطار الحضارى السلمى للاختلاف؟
■ من أجل السلم ومن أجل التعايش السلمى وحق الاختلاف هناك حديث اليوم عن تجديد الخطاب الدينى.. ما رأيكم فى هذا التوجه؟
- من حيث التعريف فإن الدين هو أسلوب حياة، وأسلوبية الحياة هذه لا بد أن تتطور فى كل زمان ومكان. الدين والعقيدة يجب ألا يجتمعا فى تعريف ما أسميته بـ«الخطاب الدينى»، لأن الخطاب الدينى ليس مبنياً فقط على النصوص، لكنه مبنى على القيم التى نستقيها من النصوص وجلّها من الناحية العملية، إذا تحدثنا عن الإسلام أو الديانات الموحّدة، تستند إلى الإيمان الأكيد بأن الإنسان مستخلف للقيام بواجبه على هذه الأرض، وخدمة البيئة التى يعيش فيها، أكانت فى الفضاء الروحانى أم الفضاء المجتمعى أم الفضاء التاريخى. فكيف نستطيع أن نقول إن هناك خطاباً دينياً ونحن نرى مشاهد الدمار حولنا من كل صوب، سواء كانت بيد المسلم أم بيد المسيحى أم بيد اليهودى، فهل هذا جزء من الخطاب الدينى؟ أليست هذه المسميات بلا مسمى أو أنها ربما تحتاج إلى تسميات أخرى؟
- أقول مرة أخرى، إن الحركات المتطرفة نالت من الصفاء لأنها توجه الكلمة كما تشاء، ونالت من التوحيد (نحن الموحدون وغيرنا لا، فمن قرر ذلك؟)، ونالت من أسلوب الحياة الكريمة، بمعنى أن يعيش الإنسان وينعم فى مرحلة وجيزة من الحياة؛ ومن ثم ينتقل إلى الرفيق الأعلى. إن المؤمن هو كل من يدلى بشهادته ويتجه إلى القبلة فى صلاته، لكن أن يُقال إن هذا السلوك أو ذاك هو سلوك دينى وخطاب دينى، فأقول مرة أخرى إن الدين هو أسلوب حياة، والحكم فى نهاية المطاف هو لله تعالى.
■ كيف يمكن محاربة هذا الفكر أو السلوك المتطرف وكيف يمكن مواجهة التنظيمات الإرهابية؟
- لو أخذنا 100 ألف تغريدة منذ بداية شهر رمضان للمسميات المختلفة للحركات المتطرفة، فدعونا نتساءل: هل هذا يعبر عن خطاب دينى أم تكليف لفرق متخصصة فى فهم نبض الشارع من بطالة وفقر وحرمان وعدم استجابة دولة محتلة كإسرائيل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وغيرها؟ تأتى هذه التغريدات لتعالج وتسترضى الغرائز الإنسانية التى تصل فى نهاية المطاف إلى الغريزة الأساسية وهى أقتُل أو أُقتَل. إن العلاج لا بد له أن يكون على أساس الفهم الذى يسبق التفاهم، أنا أتفهّم ألمك، لكن هناك جسر بين الألم والأمل. شاهدت فيلماً اسمه «عكس السير» لمؤسسة أديان فى لبنان، حيث يأتى فى ذروة الحرب الأهلية اللبنانية الرجل المسلم، سواء السنّى أو الشيعى، والمسيحيون من الكنائس الشرقية المختلفة وينزلون معاً إلى الكارانتينا ليعالجوا المرضى والمعوزين فى ذلك الظرف العصيب من القتال. هذا الخطاب يشبه خطاب الكنيسة اليونانية عندما تنتقل الكنيسة إلى الشارع فى ذروة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة.. أليس هو الخطاب المطلوب وهو خطاب القدوة وخطاب الفعل وليس التوقف فقط عند الكلام والمزايدات؟
■ ما رسالتكم إلى الشباب العربى، بماذا تنصحونه سموكم ليستعد للقيام بدوره فى نهضة مجتمعه وبناء الدولة الحديثة والإسهام فى المسيرة الحضارية العالمية؟
- لست بموضع تقديم الرسائل إلى أحد، لكننى من خلال الاطلاع على الرسائل المتبادلة بين الشباب سواء كانوا عرباً أم غير عرب، أقول إن ذروة هذه الرسائل تتمثل فى إما الانتهاء إلى الحروب والمواجهة، نتيجة فقدان الأمل واللجوء إلى الأصعب، أو تحريك الخطاب السياسى عن طريق ضبط الشارع. أتمنى من الشباب العربى أن يسهم فى صياغة فن المحادثة النبيل فيما بيننا لنستطيع أن نتجاوز هذه المرحلة الصعبة بتحمّل بعضنا بعضاً، وليس المقصود الاتفاق الكلى مع بعضنا البعض، لكن توضيح مواقفنا من بعضنا. لذلك اقترحت تشكيل فريق السلم الاجتماعى، بحيث نستمع إلى الجميع آخذين بعين الاعتبار أن تنمية الحياة بكل تجلياتها يقوم على تداخل الأبعاد الإنسانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.