شهادات من المغرب في حق الراحل جمال الغيطاني
شهادات من المغرب في حق الراحل جمال الغيطاني
شهادات من المغرب عن الغيطاني
رحيل الكاتب والروائي الكبير جمال الغيطاني لم يؤثر فقط في الوسط الثقافي المصري، ولكن شكل صدمة لكل أصدقائه وقرائه ومريديه في المغرب، فالغيطاني الذي طالما اعتبر أن هناك ندية ثقافية بين الشعبين المصري والمغربي على اعتبار أن الثقافة المصرية جزء أصيل من التكوين الروحي المغربي، والإرث المغربي الروحي ماثل في مصر من التصوف إلى العمارة والموسيقى، لم يكن روائيا عربيا مكررا، كما لم يكن صديقا وعاشقا عاديا للمغرب، ولم يكن ليمر خبر رحيله دون أن يترك أثرا بالغا في قلوب كل من عرفه او قرأه نصوصا ستظل خالدة.
يقول عبدالرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب: "برحيل الكاتب العربي الكبير، الأستاذ جمال الغيطاني، يكون المشهد الثقافي والأدبي والإعلامي العربي، قد فقد رجلا نادرا وكاتبا كبيرا، كرس حياته للكتابة والإبداع وخدمة الثقافة العربية، ولا أدل على ذلك من حجم المكتبة التي خلفها أديبنا الراحل، بما تحتويه من مؤلفات وكتب في مجالات مختلفة، فضلا عما قدمه للثقافة والفكر والأدب العربي من خدمات جليلة، ستظل شاهدة على حضوره الوازن، وعلى إسهاماته التجديدية في خطابنا الإبداعي والإعلامي الثقافي العربي، فضلا عن مواقفه الجريئة المعروفة، وخصوصا من الإخوان المسلمين".
وأضاف العلام: "بالنسبة لنا، نحن في المغرب، فقد ظل كاتبنا الراحل، حاضرا بقوة، ومنذ وقت مبكر، سواء عبر مشاركاته المؤثرة في اللقاءات، وعلى رأسها مشاركته في ندوة الرواية العربية الشهيرة، عام 1976، التي نظمها اتحاد كتاب المغرب في فاس، أو عبر تتبعه اللافت لحركية المشهد الثقافي ببلادنا والتعريف به وبأصواته، عدا اهتماماته الجليلة بالأفق التاريخي والحضاري والصوفي المغربي، في تلويناته الفنية والعمرانية والفكرية والموسيقية، فكان كاتبنا الراحل، رحمه الله، خير من عمل على تقريب واجهة الإبداع المغربي في العالم العربي، من خلال الدور المضيء للمنبر الثقافي الشهير (أخبار الأدب) الذي أسسه الأديب الغيطاني، إلى جانب حضوره الكبير، من خلال كتاباته الروائية، في الجامعة المغربية، فأنجزت حولها بعض الأطاريح المتميزة، ويكفي، هنا، أن أشير إلى الأطروحتين الرائدتين لكل من الباحث بشير القمري والباحث الحبيب الدائم ربي".
ويقول سعيد يقطين، الناقد المغربي: "تعرفت على جمال الغيطاني أولا من خلال مجاميعه القصصية، ثم من خلال (الزيني بركات) التي رأيتها بداية تحول حقيقي في الرواية العربية الجديدة، وعندما التقينا أول مرة في 1979 بفاس، تعمقت معرفتي به، وبعوالمه الخاصة التي تتمثل في الاهتمام الدقيق بالتراث، كان يبدو لي، وهو الصحفي، وكأنه باحث في الآثار على طريقته الخاصة، وأرى شغفه بالتراث المغربي، وعشقه له لذلك نظير ولعه بتراث أي قطر زاره في الشرق أو في الغرب، لذلك اجتمع له، من خلال عمله السردي، ما لم يتحقق لكثير من الروائيين".
وأضاف ياقطين: "عانق التراث العربي، وأبدع من خلال تفاعله معه، بكيفية لم تتح إلا للقلائل من الروائيين العرب المعاصرين نصوصا تحمل سماته الخاصة، وبصمته المتميزة، وصار بذلك مدرسة سردية لها ملامحها المميزة بفقد جمال، نفقد هرما سرديا ترك للمكتبة العربية نصوصا متعددة المشارب، ومتنوعة المقاصد، إعادة قراءة نصوص جمال، ستظهر ملامح تلك المدرسة التي أقامت جسورا قوية مع السرد العربي القديم، وتركت أثرها القوي في السرد العربي الحديث".
ويقول بشير القمري، كاتب وناقد مغربي: "الغيطاني هو من اكبر الروائيين العرب، ويرتبط اسمه بلحظة اساسية في تاريخ الرواية العربية وهي لحظة تأسيس ما كان يسمى في السبعينات بالرواية العربية الجديدة. والغيطاني هو صوت من بين اصوات روائية كبيرة ظهرت في مصر، كيوسف القعيد وابراهيم عبد المجيد، وادوارد الخواص، والروائي الحيدر حيدر في سوريا، وإلياس الخوري في لبنان، ومن المغرب محمد عز الدين التازي الذي لحق بهذا الركب مبكرا، فالغيطاني لا يمكن النظر إليه متفردا، بقدر ما يرتبط بلحظة أساسية وهي لحظة تطور النص الروائي العربي الجديد، علما أن الذين أسسوا لهذه النصوص لم يظهروا دفعة واحدة، إنما كانت هناك كتابات أولى وهناك نصوص بشرت بتحولات معينة".
وأضاف القمري: "هذا بالإضافة إلى أن الغيطاني اهتم أيضا بالسرد العربي القديم وأعاد إنتاجه في نصوصه، الغيطاني سيبقى اسمه نابعا ومؤثرا وقويا، فهو جزء من الذاكرة العربية وجزء مما حققت الرواية العربية، وبالإضافة إلى الروائي، فالغيطاني كان قاصا صحفيا بارزا وكأنه كان أيضا مؤرخا، بمعنى من المعاني، للذاكرة وللإيقاع الروحي والتاريخي والحضاري للأمة العربية".
وقال محمد بنيس، شاعر: "لو صح السجود لدون الله، لسجدت لهذا العبقري الفذ وهذا الكاتب المبدع، ولسجدت إجلالا واحتراما لروحه الطاهرة، فالغيطاني هو الإنسان ذو الأخلاق الفاضلة، وهو الكاتب والروائي والمبدع الذي طالما حظي بتقدير كبير وخاص من جيل واسع من الأدباء والشعراء الكبار، ورحيله اليوم هو خسارة للثقافة العربية".
وأضاف بنيس: "لا أجد من الكلمات ما يسعفني لكي أعبر عما يخالجني من أسى وألم على فقدان هذا العزيز الذي أعطى الكثير من حياته للأدب والفن، لكن عزاءنا أنه ستبقى أفكاره ضياء ونبراسا للأجيال المقبلة لما قدمه وما تركه من تراث عربي أصيل أغنى الخزانة العربية في كل المجالات، وإنا لله وإنا إليه راجعون".
ويقول أحمد إيهاب جمال الدين، سفير مصر في المغرب، إن الغيطاني قيمة ثقافية يعتز بها كل مصري، ولم أعرفه إلا عاشقا للمغرب ومدافعا عن عمق الروابط التي تجمع الشعبين المصري والمغربي، كان من دواعي اعتزازي تنظيم السفارة لندوة بالمكتبة الوطنية بالرباط، العام الماضي، حيث تحدث الأديب الراحل والدكتور أحمد التوفيق، وزير الأوقاف المغربي، حول الجذور التاريخية للعلاقات "المصرية- المغربية" بحضور لفيف كبير من كبار المثقفين المغاربة الذين حضروا من مدن بعيدة حبا وتقديرا لقيمة جمال الغيطانى.
وأضاف السفير: "الراحل كان من أكثر المتحمسين للكشف عن الكنوز الثقافية والتاريخية التي تجمع الشعبين المصري والمغربي والمدافعين عن عمق الصلات الروحية والثقافية، وكان أيضا مولعا بتوثيق هذه الروابط وتجلياتها في التراث والأغاني والموسيقى والمعمار في أنحاء مصر المختلفة، مكانة الغيطاني في قلوب المغاربة عبرت عنها حجم الاتصالات التي تلقيتها من كبار المثقفين والمسؤولين المغاربة التي أعربوا فيها عن الأسى لرحيل الفقيد، الشيء الذي يعتبرونه خسارة كبيرة لرمز من رموز الثقافة المصرية والعربية ارتبطوا به ويعز عليهم فراقه".