مدير مكتب عرفات يروي لـ"الوطن" ذكريات الحصار ومرض أبو عمار
مدير مكتب عرفات يروي لـ"الوطن" ذكريات الحصار ومرض أبو عمار
النوباني مع عرفات
عشر سنوات هي تلك المدة التي قضاها السيد ظافر النوباني في مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث عمل مديرا عاما للمساعدات الإنسانية منذ عام 1996 حتى وفاة عرفات، بعد أن سمحت سلطات الاحتلال بعودته لأرض فلسطين حيث كان النوبابي قبلها يعمل في دائرة شؤون الوطن المحتل بالعاصمة الأردنية عمان وما إن عاد حتى تم تعيينه في المنصب سالف الذكر ويتمثل في أنه الدائرة المختصة بالتواصل مع الجمهور والرئيس عرفات وتختص هذه الدائرة باستقبال طلبات الجمهور ومقابلتهم وتلخيص قضاياهم ورفعها مباشرة إليه للتأشير عليها بالموافقة.
النوباني تحدث لـ"الوطن" عن ذكرياته مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حيث كان يرافقه دوما وعاصر معه الحصار الذي فرضه عليه الاحتلال الإسرائيلي فيقول: "أثناء فترة الحصار مع أبو عمار كان هناك تجفيف في الأمور المالية والظروف كانت صعبة للغاية وكانت مبالغ أسر الشهداء بالكاد كان يتم توفيرها وكنا لا نقوم بإدخال أي ورقة بخصوص الماليات ضمن البريد، حيث إنه كان يتابع العمل يوميا وكان يعمل من الساعة الثامنة والنصف صباحا حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وفي أحد الأيام قبل صلاة الجمعة مباشرة وجدت سيدة تتكئ على شجرة وبجوارها طفل صغير مريض وكانت تبكي، وزوجها كان يقف صامتا وعندما اقتربت منهم قال لي إنه كان أسيرا لمدة 11 عاما في سجون الاحتلال وولده هذا بطنه منتفخ لأنه مريض بالكبد وسنه لم تكن يتجاوز العام فسألته عن المطلوب، فكان رده أتمنى من الرئيس أن يصادق على طلب علاجه في ألمانيا وزراعة كبد له والعملية كانت تتكلف حينها 150 ألف يورو فأخذته معي المسجد في المقاطعة ومررت به من الأمن حيث كان يصلي الرئيس في الداخل وكانت من عادة أبو عمار أنه يصلي مع المواطنين، وعقب الصلاة يصافح كل مواطن".
يتابع النوباني: "عندما رآه أبو عمار سأله لماذا أنت حزين فرد الرجل عليه بأن نجله مريض وتأثر جدا عرفات من منظر الطفل وقال هذا ابني ويجب أن أعالجه وأعرضه على طبيبه الشخصي الذي أخبره أن العملية مستحيلة لطفل في مثل هذه السن وعلى الرغم من هذا صادق على الشيك ووفر للعائلة تذاكر السفر ولكن الطفل توفي".
يضيف النوباني: "بعد أربعين يوما من الحصار استقبل أبو عمار متضامنين أجانب وطلب من الموجودين عدم إزعاجهم وبالفعل كان الجرحى والشهداء يخرجون من خلالهم للسفارات الأجنبية، وكان معنا حينها رئيس اتحاد عمال أوروبا وكان رجلا مرحا معنوياته مرتفعة ولكنه في أحد الأيام كان عبوس الوجه وحزينا ولا يتحدث مع أحد فقال لي إنه يحب زوجته جدا وهذا عيد زواجه الخامس والعشرين ولن يتمكن من الاحتفال معها، وكنا حينها 400 شخص محاصرين في المقاطعة، فذهبت إلى أبو عمار وسردت له تفاصيل القصة كاملة فسألني عرفات عن الشموع وقال لي متى ستحتفلون وكان ردي في تمام الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل فقال لي أخبرني قبلها بربع ساعة وأعطاني علبة كان بها لحم".
يستطرد النوباني في السرد: "ذهبت لأبو عمار قبل الاحتفال بربع ساعة وذهب إلى غرفته وبحث في الأدراج عن علبة شيكولاتة وفستان فلسطيني مطرز كان أحمر اللون ولكن القصف جعله مليء بالأتربة وحوله إلى اللون الأبيض، وكان أبو عمار يتحرك في المبنى بكشاف وكانت الكهرباء منقطعة آنذاك وفي أثناء الاحتفال قلت للرجل انظر من خلفك وحينما استدار وجد أبو عمار وقال له رئيس اتحاد العمال: هذا أجمل يوم في عمري، ورد عليه عرفات بأن كنيسة القيامة محاصرة والمجرم شارون يريد اقتحامها، فقال له رئيس اتحاد العمال إنه والمتضامنين مع القضية سيكونون سفراء فلسطين في الخارج".
يسكمل النوباني حديثه: "كولن باول زارنا بعد 34 من الحصار وكان أبوعمار حينها يضع المتاريس على مكتبه وكانت هناك فوهة دبابة داخل المبنى عبر إحدى النوافذ، وحينما دخل باول صاحبته في جولة وجعلته يشاهد الحمامات فلم يكن لدينا سوى حمامين وكنا 400 أو 500 شخص نستخدمهم والمياه كانت منقطعة والكهرباء أيضا ولم نأكل حينها حتى لا نضطر للتردد على الحمامات التي أصبحت غير آدمية كبقية الأوضاع أثناء الحصار، وكان مطلب كولن باول من أبو عمار الذي جاء به من الجانب الإسرائيلي هو تسليم الأشخاص الذين اغتالوا وزير السياحة الإسرائيلي، فيما طالب رئيس الأركان الأمريكي الذي كان معه جميع أسماء الموجودين في المقاطعة، ولكن أبو عمار رفض وقال له أنت ترى الأوضاع فكان أول رد فعل لباول هو مطالبة الاحتلال بعودة المياه والكهرباء وبالفعل عادت الكهرباء والمياه".
وعما يتردد من دس الاحتلال الإسرائيلي مادة البولونيوم المشع لعرفات أثناء الحصار، يوضح النوباني أن 95% من المنتجات التي كانت تدخل المقاطعة إسرائيلية وكانت السيارة تدخل معسكر "بيت إيل" للتفتيش، كانوا يتحكمون بكل شيء- أدوية عرفات والمياه والطعام، ونفس أعراض المرض ظهرت على عرفات قبل عام في شهر رمضان وكانت حالته الصحية سيئة للغاية.
يشير النوباني إلى أن "آخر يوم لعرفات في المقاطعة وقبل سفره إلى باريس كان صائما ورافضا أن يضع أي طعام في معدته وزارنا حينها وزيرتان فلسطينيتان وكان لا يستطيع الحركة فحملناه ليقابلهما"، موضحا أن أبوعمار علّم الجميع الشجاعة قائلا: "يا ليتني أعود محاصرا مع أبوعمار".
وعن إنسانيات أبو عمار يقول: "هناك واقعة عاصرتها معه، حيث كان الأسرى المحررون يخرجون من السجون لا ينجبون فساعدهم بـ(أطفال الأنابيب) وكان يتابع الفحوصات الخاصة بهم، وكان يهتم بمساعدات الزواج والتعليم، وكان دائما يقول إنه يريد فلسطينيين متعلمين".