«فريدريك إنجدال»: الحرب ضد «داعش» مزيفة و«واشنطن» تسعى إلى «ليبيا جديدة» فى سوريا
«فريدريك إنجدال»: الحرب ضد «داعش» مزيفة و«واشنطن» تسعى إلى «ليبيا جديدة» فى سوريا
فريدريك إنجدال
قال المؤرخ والكاتب الأمريكى فريدريك وليام إنجدال، إن العالم يشهد بالفعل حرباً عالمية ثالثة فى ظل التطورات الأخيرة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا، مؤكداً أن كل تلك الحروب هى نتيجة طبيعية لاستراتيجية الولايات المتحدة التى يعرفها الجميع باسم «الشرق الأوسط الكبير»، مشيراً، فى حواره لـ«الوطن»، إلى أن التدخل الروسى فى سوريا جاء بناءً على طلب الحكومة الشرعية على عكس التدخل الأمريكى، ولفت «إنجدال» إلى أن الولايات المتحدة حاولت زعزعة استقرار أنظمة الشرق الأوسط، من خلال خطة وضعتها الاستخبارات الأمريكية لتصعيد أنظمة تسيطر عليها، مثل جماعة الإخوان، وإلى نص الحوار:
مؤرخ أمريكى لـ«الوطن»: العالم يشهد بالفعل «حرباً عالمية ثالثة»
■ بداية، كيف ترى التدخل الروسى فى سوريا؟
- الرد الروسى على طلب الحكومة الشرعية فى سوريا، حكومة الرئيس بشار الأسد، بالتدخل ضد الإرهابيين وتهديداتهم، ساهم فى اتخاذ العالم خطوة مهمة تجاه السلام المطلق، ولكنه سلام لن يتحقق بسهولة رغم ذلك، وعلى سبيل المثال، إذا قرأنا خطابات الرئيسين الأمريكى باراك أوباما والروسى فلاديمير بوتين، فى اليوم نفسه يوم 28 سبتمبر، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن التناقض صارخ، «أوباما» يحاول تبرير منطق «القوة تصنع الحق»، بينما «بوتين» يدعو إلى احترام خريطة خطة الأمم المتحدة، والتعاون بين الدول بما فى ذلك الولايات المتحدة، فى الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابى والتهديدات الإرهابية فى سوريا، وحتى الآن «واشنطن» رفضت كل تعاون ممكن، والحرب الأمريكية «المزيفة» ضد «داعش» انكشفت تماماً للعالم، وخسرت الولايات المتحدة كثيراً على مستوى الرأى العام العالمى، أما روسيا فقد كانت حريصة جداً على إيضاح أهدافها والتنسيق مع الجيش السورى الشرعى وإيران والعراق وأطراف أخرى أيضاً، وربما تستطيع روسيا أن تنقذ سوريا والعالم من حرب أكثر اتساعاً وشراسة.
■ وكيف ترى الدور الأمريكى فى تفاقم الأزمة السورية، علماً بأن الغارات الأمريكية على «داعش» لم تحقق الكثير حتى الآن؟
- أكثر ما كشفه التدخل العسكرى الروسى فى سوريا، هو حقيقة أن «التدخل الأمريكى» الذى لم يحصل على موافقة السلطات الشرعية فى سوريا، ساعد تنظيم «داعش» الإرهابى ولم يضره، وهو ما يقودنا إلى استنتاج أن الولايات المتحدة وأجهزة الاستخبارات تستخدم تنظيم «داعش» الإرهابى لتدمير نظام الرئيس السورى بشار الأسد وتحويل سوريا إلى «ليبيا جديدة» على غرار الفوضى الجارية فى ليبيا حالياً، وقد كان هذا الأمر جزءاً من استراتيجية أمريكية طويلة المدى، وقد انكشفت تلك الاستراتيجية بعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 فى عهد الرئيس السابق جورج بوش، وهى الاستراتيجية التى يعرفها الجميع باسم «الشرق الأوسط الكبير»، فهى فى جوهرها تطالب بتغيير أنظمة الشرق الأوسط من خلال زعزعة استقرار وأمن تلك الأنظمة، بهدف تنصيب جماعة الإخوان المسلمين فى الحكم، نظراً إلى أن الولايات المتحدة تتحكم فى تلك الجماعة، وهو ما حدث فى مصر حين وصل الرئيس الأسبق محمد مرسى التابع لجماعة «الإخوان» إلى الحكم، وقد كانت الاستخبارات الأمريكية على «علاقة حميمة» مع الإخوان المسلمين منذ أن أُجبروا على مغادرة مصر فى خمسينات القرن الماضى، وهناك أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» السابق، كان يعمل مع الاستخبارات الأمريكية والإخوان على خلق «المجاهدين» فى أفغانستان فى ثمانينات القرن الماضى، ومن بعدها فى البوسنة والشيشان ودول أخرى، و«الربيع العربى» ما هو إلا خطة من وضع الاستخبارات الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية لزعزعة الاستقرار بهدف إسقاط الأنظمة والوصول بـ«الإخوان» إلى الحكم، والآن «الحرب القذرة» لـ«واشنطن» انكشفت للعالم كله من خلال التناقض والتضارب الذى ظهر من خلال الأثر الذى أحدثه التدخل الروسى حتى الآن.
■ وما احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة؟ وما التداعيات المحتملة لتلك الحرب العالمية الجديدة؟
- فى رأيى، الحرب العالمية الثالثة قائمة بالفعل حالياً، فـ«الهيمنة» التى أقصدها هى فى أيدى عصابة تتحكم فى «واشنطن»، وهم يتحكمون ويملكون بنوك «وول ستريت». وبالطبع هؤلاء وحلفاؤهم يقفون وراء كل الحروب التى دارت فى القرن الماضى، وهم أيضاً يقفون وراء الدمار الاقتصادى الذى حدث فى الدول الناشئة والنامية خلال فترة ما بعد عام 1945، وهو من سعوا إلى الحصول على الأرباح من خلال نشر الصناعات الزراعية المسممة من خلال التلاعب فى الجينات الخاصة بالنباتات، وقد فعلت تلك الطائفة الكثير والكثير لإضعاف دول وتعزيز نفوذ جماعات بهدف الحفاظ على مصالحها، ولكن منذ عدة سنوات بدأت تلك الطائفة فى الشعور بأنها تفقد قواها ونفوذها فى العالم، خصوصاً مع إعلان إنشاء الاتحاد الأوروبى وخروج دول أوروبا من هيمنة الولايات المتحدة، وهناك أيضاً الصين التى باتت قوة عالمية جديدة فى طريقها إلى الهيمنة، وهناك أيضاً عودة روسيا إلى مكانتها السابقة فى العالم، ومن أجل وقف تلك التحديات التى تواجه الهيمنة الأمريكية، بدأت «واشنطن» فى إطلاق كل تلك الأزمات والحروب، فهناك الحرب فى أوكرانيا لقطع الطريق على روسيا للوصول إلى ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبى، وإطلاق حرب شاملة فى الشرق الأوسط بهدف السيطرة على مصادر الطاقة التى ظلت لسنوات طويلة تحت سيطرة الشركات الأوروبية والصينية، وهناك أيضاً حرب ضد الصين لقطع طموحاتها فى بحر الصين الجنوبى، وهناك حروب أخرى ضد الأمم التى تثور ضد الهيمنة الأمريكية مثل الصين والبرازيل، وبالطبع الحرب ليست عسكرية بالضرورة، والآن استطاعت الولايات المتحدة استغلال أزمة اللاجئين فى أوروبا لإثارة الأزمات داخل تلك الدول من خلال المنظمات الحقوقية التى تمولها بشكل أو بآخر، وكل تلك الأزمات يتم توظيفها بشكل مثالى لزعزعة استقرار الدول المختلفة وإجبار العالم على الدخول فى متاهة من الحروب تدوم 30 عاماً على الأقل، وهو ما يقود العالم إلى «عصر مظلم جديد» له طابعه الخاص تكون فيه الولايات المتحدة هى المهيمنة على كل شىء، على غرار فاشية الثمانينات.
لا نعيش فى عالم «النظام الواحد» وعلى الغرب احترام قوانين الدول الأخرى والعالم لم يعد يتحمل تكلفة المزيد من الحروب
■ وهل هناك فرصة لاستعادة الشرق الأوسط كما كان يوماً؟
- فى رأيى، ليس هناك رابح فى تلك الحرب الجارية، ولذلك فأنا لا أرى فرصة ممكنة لاستعادة الشرق الأوسط كما كان بعد تلك الحروب، ولكن أعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك «شرق أوسط» أفضل كثيراً مما كان عليه، فقط من خلال تضافر جهود تلك الدول فى المنطقة وفى العالم أجمع، لاستغلال الظروف الممكنة للقضاء على الواقع الذى فرضته الولايات المتحدة منذ أن بدأت حروبها فى المنطقة عام 1991 من خلال قصف العراق، وفقط من خلال أن يدرك الناس فى تلك الدول ما حدث لهم وكيف سمحوا للولايات المتحدة أن تفعل ما فعلته، وكيف تحول الخير فيهم، فإنه سيكون هناك عالم أفضل كثيراً فى المستقبل.
■ وما أفضل وسيلة للقضاء على تنظيم «داعش» الإرهابى والتنظيمات الأخرى فى سوريا والعراق؟
- فى الواقع، المسار الحالى الذى تتخذه روسيا والجيش السورى والدول المتحالفة معهما هو مجرد خطوة أولى، وفى النهاية هناك مصادر تمويل لـ«داعش» و«القاعدة» لا بد من قطعها والقضاء عليها، ومن الغريب أن نرى وزارة المالية الأمريكية ومكتب الإرهاب والتمويل الاستخباراتى فاعلين جداً حين يتعلق الأمر بقطع شريان الحياة الاقتصادى عن دول كبرى مثل إيران وروسيا حالياً، ولكنهما يعجزان عن قطع إمدادات التمويل للجماعات الإرهابية مثل «داعش»، أليس هذا الأمر غريباً بعض الشىء؟ أعتقد أن الطريقة الأفضل للقضاء على تلك التنظيمات، هى التوضيح أمام العالم حقيقة أن «داعش» و«القاعدة» وكل التنظيمات الإرهابية التى تدعم السلاح والإرهاب، تحصل على دعم من أنظمة استخبارات غربية، وليس الولايات المتحدة فقط، وإنما بريطانيا وفرنسا وأضيف إليهم إسرائيل أيضاً، أما الأمر الثانى للقضاء على تلك التنظيمات فهو ملاحقة ومحاكمة كل من ساهم فى تجنيد الشباب وانخراطهم فى مهنة القتل والإرهاب تحت ادعاءات أنه «طريق الله»، بهدف فضح حقيقة هؤلاء الأشخاص.
■ كيف ترى موقف الرئيس السورى بشار الأسد؟ وهل تعتقد أنه سينجح فى الاحتفاظ بمنصبه بعد كل ما جرى؟
- هنا أنا أتفق مع الموقف الروسى تماماً، فهذا الأمر ليس سؤالاً أجيب عنه أنا أو أى شخص آخر غير سورى، ومن يقرر هوية السورى هو الشعب السورى وليس أى شخص أو دولة أخرى، ليست الحكومة البريطانية وليست الحكومة الأمريكية ولا أى حكومة فى العالم، هو يحاولون فرض شكل جديد من الغطرسة الاستعمارية يمكنهم من خلاله فرض الإملاءات على تلك الدولة، ولهذا فإن هذا الأمر يرجع إلى السوريين وحدهم بعد أن يتم التوصل إلى سلام حقيقى واستعادة الاستقرار، وحين يكون اللاجئون قادرين على العودة إلى منازلهم، الدول مهمة والحدود مهمة، فنحن لا نعيش فى عالم «النظام الواحد»، وعلى الأقل ليس حالياً، ولهذا، فإنه علينا أن نحترم قوانين الدول الأخرى ومبادئ السلام.
■ هناك بعض الغموض حول موقف إسرائيل من النزاعات الدائرة على حدودها، فكيف ترى رد الفعل الإسرائيلى؟
- حكومة «نتنياهو» ليس لديها أى رغبة فى السلام مع جيرانها، وبشكل عام ينتهج «نتنياهو» العقيدة القديمة للملك فيليب الثانى ملك مقدونيا، حيث يعمل بعقيدة «فرق تسُد»، حيث استطاع «نتنياهو» الاستفادة من الصراع السنى الشيعى، والاستفادة أيضاً من الحرب فى سوريا، والمؤشر الأخير على هذا هو قرار إسرائيل بمنح شركة «جينى» للطاقة الحق الحصرى فى التنقيب عن النفط فى مرتفعات الجولان المحتلة، وهى المنطقة التى أعلنت «جينى» أنها اكتشفت فيها حقل نفط ضخماً فى الشهر الماضى، ويقول الوزراء الإسرائيليون إنه مع وجود الفوضى فى سوريا، فإن «دمشق» عاجزة عن إيقاف إسرائيل حتى بالرغم من أن إسرائيل تحتل «هضبة الجولان» بشكل غير شرعى منذ حرب عام 1967، وهناك ملاحظة أخرى بشأن «جينى»، فهى تتخذ من مدينة «نيوارك» فى «نيوجيرسى» الأمريكية مقراً لها، وهى شركة لم يسمع الكثير عن مجلس مستشاريها الدوليين، خصوصاً إذا نظرنا إلى هذا المجلس نجده يضم ديك تشينى، نائب الرئيس الأمريكى الأسبق، ورئيس الاستخبارات الأمريكية السابق، جيمس وولزى، وجاكوب لورد روتشيلد، وهذا الأمر غريب بلا شك، وقد سبق أن اطلعت على تقارير تفيد بأن الاستخبارات الإسرائيلية تدرب سراً إرهابيين من «داعش» فى مواقع داخل «تركيا»، بهدف إدخالهم إلى الحدود السورية والقتال ضد حكومة «الأسد».
■ وهل سيكون من المعقول الافتراض بأن الحرب الدائرة حالياً ستتسع كثيراً فى المرحلة المقبلة؟ ومن الأطراف الجديدة التى يحتمل أن تنضم إلى تلك الحرب؟
- «واشنطن» تتلمس بشكل ملح أى طريقة لتخريب الانتصارات الأخيرة ضد «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى فى سوريا، من خلال إعلان أنها سترسل 50 من قواتها الخاصة إلى سوريا، ليس للتعاون مع «الأسد» وإنما لدعم «المعارضة المعتدلة» التى تواجه «الأسد»، وفى رأيى هذا يعنى «الإرهابيين»، الأمر أصبح جنونياً، فالوجود الجوى الروسى فى سوريا منع «واشنطن ولندن وباريس» من تأسيس منطقتهم «محظورة الطيران» التى كانوا يخططون لها فى سوريا، وهو أمر لو كان قد حدث، لكان وضع «الأسد» وحكومته على طريق «هزيمة ليبية» جديدة، وقد كان التدخل الروسى فى 30 سبتمبر الماضى، بناءً على طلب الحكومة السورية الشرعية، على عكس القوات الأمريكية، وقد نجح هذا التدخل فى منع مخطط إقامة منطقة حظر الطيران فى سوريا.
■ يقول بعض المحللين إن الفوضى فى الشرق الأوسط سببها الحكومات الغربية التى تسعى للحفاظ على مصالحها، كما هو الحال مع النفط الليبى مثلاً، فكيف ترى هذا الأمر؟
- فى عام 1970، قال هنرى كيسنجر إن «التحكم فى النفط يمنحك التحكم فى كل الأمم»، وهى مقولة معروفة عن «كيسنجر»، وهذه هى السياسة الأمريكية، أو تحديداً هى السياسة الأمريكية والبريطانية، فمنذ عام 1899 تقريباً، استطاعت شركتا «بى. بى» و«شيل» للصناعات النفطية، مساعدة بريطانيا فى السيطرة على مصادر الطاقة فى الكويت. وغالباً ما يناسب هذا الأمر عمالقة صناعة النفط وبنوكهم، الذين يسعون إلى زعزعة استقرار دول مثل ليبيا، بهدف تقليل إنتاج النفط فيها وتقليل المعروض فى السوق العالمى كنتيجة لذلك، ولكن مع قرار المملكة السعودية باستمرار معدلات إنتاج النفط على هذا المعدل، فإن هذا الأمر تسبب فى تراجع أسعار النفط بقوة بشكل يؤثر على المنافسة التى تواجه النفط من الغاز الصخرى الأمريكى، وقد أصبحت سوق النفط بشكل عام الآن فى حالة فوضى تامة.
■ قبل أيام، حذر مجلس العموم البريطانى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من خططه لتوسيع الدور البريطانى فى استهداف «داعش» من خلال قصف سوريا أيضاً، كيف ترى هذا الأمر وهل سيحصل «كاميرون» على الموافقة لتنفيذ تلك الخطة؟
- لا أعتقد أنه سيحصل على هذه الموافقة، وهذا الأمر هو إشارة إلى حالة اليأس والإحباط التى أصابت الدوائر الأمريكية بعد فشل خطتهم فى سوريا بسبب التدخل الروسى، وهم الآن يبحثون بقوة عن خيارات بديلة، وهناك مؤشرات قوية -إن لم تكن قد ثبتت بالفعل- أن «فرضية تفجير الطائرة الروسية التى أقلعت من مطار شرم الشيخ بقنبلة، تمت على الأقل من خلال موافقة (واشنطن ولندن)، وربما (تل أبيب) أيضاً».