«الخلافة».. أسطورة المتطرفين لتأسيس «دولة الكَهَنة»
«الخلافة».. أسطورة المتطرفين لتأسيس «دولة الكَهَنة»
زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن
استدعت حركات الإسلام السياسى والحركات المتطرفة، وعلى رأسها الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وأخيراً تنظيم داعش، مفهوم الخلافة للسيطرة على المسلمين، وتبرير ما يمارسون من أفعال وإيجاد أصل دينى لها، وتأصيل شرعى لإراقة الدماء، وترفع تلك الحركات والتنظيمات بجميع فصائلها شعار «الخلافة الإسلامية»، وإعادتها كدولة أيديولوجية ثيوقراطية، دولة دينية للكهنة، تحكم بها تلك جماعات الإسلام السياسى الدول العربية والإسلامية، والعالم إن أمكن.
حركات الإسلام السياسى حول العالم.. تاريخ طويل فى البحث عن «السلطة» تحت شعار «تطبيق الشريعة»
مفهوم الخلافة استحضرته جماعات الإسلام السياسى من العصور الإسلامية الأولى، فى نهاية العهد النبوى، تلك الإشكالية التى ظهرت بمجرد وفاة النبى محمد، وتشددت تلك الجماعات فى مفهوم الخلافة، وجعلتها محور عملها ودعوتها، حتى إن بعض تلك الجماعات، كتنظيم «داعش»، قاتل المخالفين له وكفّر بعض مَن رفضوا بيعة «البغدادى»، زعيم التنظيم، وحوّروا مفهومها إلى «دينى» تساوى مع أساسيات الدين ويُبنى عليه الولاء والبراء.
حسن البنّا أسّس «الإخوان المسلمون» عقب سقوط الخلافة العثمانية لإعادة إحياء المصطلح.. وخرجت باقى الجماعات الإسلامية من رحم «جماعة الدم والإرهاب»
وعقب سقوط الخلافة العثمانية، فى 1924، بأربع سنوات، أسّس حسن البنّا، جماعة الإخوان، كرد فعل لإلغاء الخلافة ومحاولة لإعادتها، ليكون «البنا»، مرشد الإخوان الأول، والرائد فى إحياء فكرة الخلافة وإعطائها مدلولاً أيديولوجياً، ووضع خطط واستراتيجيات لعودتها. يقول «البنا» فى رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان «الإخوان المسلمون والخلافة»: «الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير فى أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام فى دين الله.
نسبة النساء من مجموع المقاتلين بين صفوف «التنظيم» 25٪ منهن فرنسيات
من رحم «الإخوان»، خرجت باقى الجماعات الإسلامية الأخرى، أو تأثرت بها، فجاء تنظيم الجهاد، الذى تشابه مع الإخوان فى أن جعل فكرة الخلافة أساس عمله، حتى فى أموره الهيكلية، وكما بنى «الإخوان» هيكلهم التنظيمى على البيعة، وهى لفظ اشتق من العهد الإسلامى الأول، بنى تنظيم الجهاد، السابق على الجماعة الإسلامية ومن رحم تنظيم الجهاد الذى تأسس فى النصف الثانى من ستينات القرن الماضى، مرتبطاً بالإخوان، كانت أول محاولة فعلية لتأسيس خلافة يكون مقرها وبدايتها مصر.
خطّط صالح سرية، الإخوانى الذى أسس خلية جهادية فى عدد من المحافظة اشتهرت باسم تنظيم الفنية العسكرية، للانقلاب على الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى عام 1974م. قبيل ذلك بعام، كان «سرية» أصدر أول وثيقة جهادية حملت عنوان «رسالة الإيمان»، أكد خلالها أن من موجبات الإيمان «وجود خليفة يبايعه الناس، وإمام يقوم بأمر الدين والدنيا، وجعل عدم وجود ذلك، والسعى إلى تحقيقه من نواقض الإيمان»، لكن فشل تنظيم الفنية العسكرية فى الانقلاب على «السادات»، وقُبض على أعضائه، ومنهم مؤسس التنظيم وصاحب الفكرة، صالح سرية، الذى وُجد فى أوراقه، بيان إعلان الجمهورية الإسلامية، موقع باسم «صالح سرية أمير المؤمنين وخليفة المسلمين»، وقال ياسر سعد، القيادى الجهادى السابق، أحد أعضاء تنظيم الفنية العسكرية، إنهم بايعوا «سرية» على أنه «أمير المؤمنين وخليفة المسلمين».
ودخلت الجماعة الإسلامية صداماً مع الدولة عقب تأسيسها فى منتصف السبعينات، وكان هدف الصدام إنشاء دولة إسلامية، يترأسها خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، إلا أن قوة الدولة أحبطت من مخططات الجماعة الإسلامية، رغم نجاحها بالتعاون مع تنظيم الجهاد فى تنفيذ اغتيال الرئيس السادات، الذى كان مقرراً أن يعقبه انقلاب عسكرى، مستغلين بذلك حالة الفوضى التى كانت ستحدث، ثم إعلان دولة الإسلام، إلا أن قوات الأمن المصرية نجحت وقتها فى التصدى لهذا المخطط وإفشاله. بعد انتقال الجهاد إلى أفغانستان، لمقاومة الاتحاد السوفييتى، وبعد نجاح المجاهدين المدعومين من دول عربية وغربية، فى القضاء على الاحتلال السوفييتى لأفغانستان عام 1988، وخروج آخر جندى روسى، سعى أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، إلى تأسيس «خلافة عالمية تكون نواتها أفغانستان». وحسب أيمن فايد، القيادى السابق فى القاعدة ومستشار «بن لادن» الإعلامى، فإن استراتيجية «أسامة» كانت إنشاء دولة إسلامية فى أفغانستان، كوادرها المجاهدون الذين أتوا من كل الدول العربية والإسلامية، وعقب إنشاء الدولة الإسلامية التى سيكون زعيمها «بن لادن» نفسه، وأمير المؤمنين بها وخليفة المسلمين فى الوقت نفسه، تكون أفغانستان نموذجاً للدولة الإسلامية، على النموذج النبوى الأول وعهد الخلفاء الراشدين، ما يدفع شعوب، بحسب الاستراتيجية، الدول العربية والإسلامية تنظر للنموذج الإسلامى الأفغانى، لتثور على حكامها، بمساعدة جهادية من جهاديى أفغانستان، لتتحقق الخلافة العالمية الإسلامية، وعلى رأسها «بن لادن».
وأضاف «فايد»: «عمل بن لادن فعلاً على إنشاء الدولة الإسلامية العالمية وأعلن إنشاء تنظيم القاعدة، إلا أن ظهور حركة طالبان فى عام 1994 وسيطرتها على أكثر من 80% من الأراضى الأفغانية، أفشل استراتيجية «بن لادن»، ووضعه أمام خيارين، إما احتواء «طالبان»، أو الصدام معها.
وتابع: «حركة طالبان، نشأت فى ولاية قندهار، وكانت مثل باقى الشعب الأفغانى على المذهب الحنفى فقهياً، والأشعرى عقائدياً، وكانت كل أهدافها لا تتخطى أفغانستان، فاختار أسامة بن لادن احتواء «طالبان» بدل الصدام معها، وتمكن وقيادات «القاعدة» من تغييرهم إلى مدرسة أهل الحديث فى الفقه بدلاً من المذهب الحنفى، والعقدية السلفية، بدلاً من العقيدة الأشعرية، وأعطى طابعاً عالمياً لطالبان، حينما بايع زعيمها الأول ومؤسسها الملا محمد عمر، وأطلق عليه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ليبايعهم جميع الجهاديين فى أفغانستان من المقبلين من جميع الدول العربية والإسلامية، ورغم تلك المبايعة، فإن أعمال «طالبان» ارتكزت فى أفغانستان فقط دون غيرها، بينما توسع تنظيم القاعدة فى دول أخرى، وتبنى عمليات فى عدد من الدول ضد المصالح الغربية والأمريكية.
تطورت فكرة الخلافة لدى تنظيم داعش، الذى أعلن ما سماه «دولة إسلامية فى العراق والشام»، أعقبها إعلان تنظيم داعش عودة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، بتنصيب زعيمه أبوبكر البغدادى فى 29 يونيو 2014 خليفة للمسلمين.
الخلافة عند تنظيم «داعش» الإرهابى أخذت بُعداً أكثر تشدداً، حيث طالب التنظيم جميع التنظيمات الجهادية فى شتى أنحاء العالم بما فيها تنظيم القاعدة، الذى يعد التنظيم الأب بالنسبة لداعش، ببيعة خليفة داعش، وتشددوا فى الأمر حتى ربطوه بالدين، ووصفوا رافضى البيعة بـ«المرتدين والكفار»، وحاربوا حتى الفصائل الجهادية التى تعمل إلى جانبهم فى سوريا، والتى لم توافق على بيعة زعيم داعش.
وقرر تنظيم داعش، بأن خلافة البغدادى، هى الخلافة التى نصّ عليها النبى فى آخر الزمان بقوله: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، مجيّشا بذلك الجهاديين من جميع الدول، ومخاطباً مشاعرهم بأنه أول تنظيم أعاد الخلافة لا إلى وضعها العثمانى، حيث كانت خلافة سياسية وليست دينية، ذات طابع صوفى، بل خلافة على منهاج النبوة، خلافة سلفية جهادية.