صيادو «المثلث» يحذرون: الحياة البحرية فى خطر.. والرقابة على الشواطئ غائبة
صيادو «المثلث» يحذرون: الحياة البحرية فى خطر.. والرقابة على الشواطئ غائبة
صيادو «المثلث» يحذرون: الحياة البحرية فى خطر.. والرقابة على الشواطئ غائبة
قرب أحد الشواطئ يرسو عدد من مراكب الصيد، لا توجد بوابة، وعربات محملة بأطنان الأسماك فى طريقها للخروج عبر مدق ترابى ملتوٍ، يقف هناك وعلى مبعدة من ذلك الشاطئ الشيخ محمد طاهر، شيخ الصيادين بشلاتين، يشير إلى ذلك المكان بسبابته، ويقول إنه شاطئ غير مرخص، يستخدمه عدد من الصيادين، ممن يقومون بعمليات صيد جائر وتدمير للحياة البحرية، حيث يستخدمون الشباك والبنادق التى تدمر الشُعب المرجانية.
«طاهر»: الصيادون يستخدمون الشباك الممنوعة والبنادق فى صيد أطنان الأسماك يومياً من شواطئ غير مرخصة
يتقدم «طاهر» ببطء نحو الشاطئ، ينظر إليه ويقول إنه لا يوجد لانش واحد لحراسة الشاطئ لإيقاف عمليات الصيد الجائر فى تلك المنطقة، ويلقى شيخ الصيادين الاتهام على صيادى المحافظات، الذين يأتون للعمل فى تلك المنطقة بعدما جفت شواطئهم من الأسماك: «جايين يخربوا شواطئنا».
ولا يحمّل «طاهر» الصيادين وحدهم المسئولية ولكن يلقى بالمسئولية على الجهات المخصصة للرقابة على الشواطئ، من حرس الحدود وهيئة الثروة السمكية: «من ساعة ما صدر قرار بعدم الصيد بالشباك فى عام 2004 وموقفش الصيد بالشباك ولا يوم واحد»، مؤكداً أن الرقابة فى البر فقط: «تمشى على الشاطئ من هنا ولحد الحدود السودانية مش هتلاقى لانش واحد يقدر يطارد السفن والقوارب اللى بتصطاد بالشباك»، ودائماً ما يتقدم بالشكوى إلى الحدود والثروة السمكية ويكون الرد دائماً: «معندناش لانش مطاردة».
فاض الكيل بـ«طاهر» بعد التحدث مراراً مع الجهات الأمنية للتدخل لمنع الصيد الجائر الذى دمر البيئة البحرية للمدينة والتى كانت غنية بالكثير من الأسماك النادرة، والشُعب المرجانية التى يجب أن يكون التعامل معها بحرص: «فيه أكثر من 80 مركب تعمل فى الصيد الجائر»، ويستطرد: «اللى بيخرج من المرسى الرسمى فى الشهر 15 طن تقريباً فيما تخرج نفس الكمية فى اليوم الواحد المراسى غير الشرعية».
حين يظهر ساحل البحر فى الأفق، على أطراف مدينة الشلاتين، تظهر معها الأكواخ الخشبية لقرية الصيادين، تتراص على ساحل البحر بألوانها الزاهية، وعلى مقربة منها تسكن مراكب الصيد بلونها الأزرق، 15 مركباً لم تذق ملوحة مياه البحر الأحمر، ولم ترتطم بها أمواجه، لم تسكن بداخلها أجولة الأسماك، ما زالت على هيئتها الأولى منذ صنعها.
عام كامل ظلت حبيسة الرمال، تركن إلى جانب البحر دون حركة، تلك المراكب التى تبرعت بها هيئة الثروة المعدنية لصيادى حلايب وشلاتين، لكى تساعدهم على الصيد والإنتاج، ولكنها لم تدر محركاتها طيلة عام، وإلى جانبها يجلس «حسن نوب» عضو جمعية الصيادين، يمسك بإحدى الأسماك النافقة التى يلقيها الصيادون داخل المراكب الجديدة: «زى ما انت شايف اتحولت لمقلب زبالة»، يقول إن هيئة الثروة المعدنية تبرعت بـ15 مركباً للشلاتين، 7 لأبورماد و7 أخرى لحلايب، وسلموهم القوارب والرخص، ولكن اكتشفوا بعد ذلك أن تلك الرخص ليس لها أى إثبات: «تراخيص مضروبة».
ثلاثة ملايين جنيه، يقدر «حسن نوب» تكلفة تلك المراكب، ورغم ذلك: «بقالها سنة مرمية»، مشيراً إلى أن ذلك منتهى إهدار المال العام، وكل مرة يتساءل الصيادون عن سبب تسليم تلك الرخص التى ليس لها أى ملفات، سواء فى حرس الحدود أو هيئة الملاحة، وتقدم الهيئة الكثير من الأعذار الواهية، التى لا تقنع الصيادين إطلاقاً.
«نوب» ابن قبيلة العبابدة اتجه نحو مهنة الصيد بعدما فارق مهنة الرعى مهنة الأجداد، بعدما طال الجفاف البادية، ويقول إن تلك المراكب جاءت دون أدنى فائدة، مشيراً إلى أن أكثر من ثلث سكان الشلاتين يعملون بالصيد، ولكن قلة المراكب وزيادة تكلفتها بقدر لا يتحملونه دفعهم لانتظار ما تجود به هيئة الثروة السمكية من تبرعات لصيادى المنطقة، ولكن: «زى ما انت شايف ملايين مرمية على الأرض من غير فايدة، وكمان مصنوعة من خامات أى كلام».
رفض عضو جمعية الصيادين استلام تلك المراكب، التى كان تضج بالعيوب والتى من شأنها أن تهلك من أول رحلة للصيد، مشيراً إلى أنهم طالبوا بتعديلها أكثر من مرة حتى وصلت للحالة التى هى عليها، ولكن بعد استلامها لم تتحرك شبراً واحداً من الشاطئ.
30 مركباً تبرعت بها هيئة الثروة السمكية من صندوق تطوير الجنوب، لصيادى حلايب وشلاتين.
آدم حسين، بشعره الأشعث، وجلبابه الأبيض، يجلس على اللسان الذى يشق البحر فى ميناء الشلاتين، يتابع حركة دخول الأسماك مع اقتراب غروب الشمس، بعد عودته من رحلة صيد استمرت عشرة أيام، ويقول إنه يعمل بالصيد منذ عام 1996، مشيراً إلى أنه يعتمد فى الصيد بشكل كبير على صيد أسماك الزينة، ويقول إن موسم الصيد فى الشلاتين يبدأ من شهر أبريل، ولكن تدمير الثروة السمكية بفعل الصيد الجائر قضى على الموسم، وإن هناك بعض الصيادين ينزلون باستخدام أدوات غطس لصيد الأسماك النادرة والقروش باستخدام البنادق.
بعيداً عن مرسى الشلاتين، يظهر كوخ خشبى قديم، وإلى جواره يظهر مركب فى طور البناء، وبداخله عدد من النجارين، يعملون على قدم وساق للانتهاء من صناعته، هنا ترسانة الشلاتين، والمكان الوحيد الذى لديه القدرة على صناعة مركب قادر على الإبحار، كوخ خشبى متهالك، وبداخله أحد الأسرة وعدد وأدوات الصناع والنجارين.
وعلى مقربة من مركز صناعة المراكب فى المدينة، يقف بجسده النحيل، ولحيته الكثة «يوسف الشاعر» نجار وصاحب تلك الترسانة المتواضعة، موجود فى الشلاتين منذ أكثر من عشرين عاماً، يعمل على صناعة السفن وبيعها لأهل المدينة: «أنا هنا من ساعة لما كانت المرسى ديه مفيهاش خمس مراكب على بعض».
يحلم «الشاعر» أن يتحول ذلك المرسى الصغير إلى ميناء كبير، يستطيع أن يوفر له مكاناً مناسباً للقيام بعمله فى صناعة المراكب، ويقول الرجل القادم من المطرية، للبحث عن لقمة عيش فى صناعة المراكب فى تلك المياه البكر: «حاول أكتر من واحد ينفذ نفس مشروعنا ولكن فشل»، ورغم صعوبة الحياة داخل كوخ خشبى، ورغم عدم قدرة الصيادين على تكلفة المراكب لأن المبالغ كبيرة: «الشغل برضه على القد مش زى الأول بعد إلغاء التراخيص لمراكب الصيد»، ويقول إن سعر الرخصة وصل إلى 60 ألف جنيه فى ظل قرار هيئة الثروة بوقف الترخيص: «يعنى تقريباً بثلاثة أضعاف ثمنها».
ولكن الشاعر لم ييأس واستمر فى عمله، ويرى أن ذلك المكان يحتاج لاهتمام ليكون أكبر المدن السياحية وأكبر مراسى الصيد فى البحر الأحمر: «المرسى هنا مفيهاش غير 300 مركب تقريباً لكنها تستوعب ضعف العدد»، ويحصى الشاعر المراكب التى صنعها منذ بداية عمله: «تقريباً صنعت 25 مركب صيد» ويشير إلى ذلك اليخت الذى يحاول الانتهاء من صناعته فى أسرع وقت، خاصة فى ظل بعض المحاولات التى يقوم بها بعض الصيادين على استحياء للعمل بالسياحة.
آدم حسين
حسن نوب
يوسف الشاعر