رحلة الوصول للجنسية.. إمضاءات 10 مشايخ.. و«انتظار الفرج»
رحلة الوصول للجنسية.. إمضاءات 10 مشايخ.. و«انتظار الفرج»
أبناء العلياب مع محرر «الوطن»
حينما بدأت شمس الغروب الذهبية تتسلل خلف الأكواخ الخشبية فى قرية «العالى»، مع اقتراب المغيب، وقف محمد عثمان صالح إلى جوار الكشك الذى بناه بـ«الخشب الحُبيبى» ليسكن فيه مع عائلته قبل 5 سنوات، بعدما هجر عيشة الجبل والسعى وراء المطر.
ويهم «صالح» مسرعاً من أجل إدخال الأغنام للحظيرة، وينتظر عودة نجله «خليل» من الكُتّاب الذى يحفظ فيه القرآن، قائلاً لـ«الوطن» إن «حلمه هو أن يرى نجله عائداً مرتدياً الزى المدرسى، والذى يمنعه عن الوصول له عدم امتلاكه بطاقة الرقم القومى، ولكن هذه اللحظة التى طال انتظارها باتت قاب قوسين أو أدنى، منذ تقديم أوراقه كاملة قبل 6 أشهر لإدارة شئون القبائل، ونحن نجلس فى انتظار فرج الكريم».
ويضيف: «إجراءات الوصول إلى تلك الأوراق «حبالها طويلة»، وبها الكثير من التعقيدات والمتطلبات التى لا تتوافر لجميع سكان المثلث الحدودى، عبر طريق طويل من انتظار موافقة «شئون القبائل» على أوراقهم، وحتى هذه اللحظة سيظل هؤلاء «البدون المصريون» بلا أوراق رسمية.
ويضيف «صالح» لـ«الوطن»، أنه لا يوجد فرد فى عائلته يمتلك أى أوراق ثبوتية وهو ما صعب عليه الإجراءات، والتى تبدأ بضرورة وجود أحد أفراد أقارب «العصب» يمتلك أوراقاً وبطاقة رقم قومى.
«عثمان حسين»، ابن قبيلة العبابدة، جلس يتفحص أوراقاً عدة نثرها أمامه على الطاولة، يقلب فيها بغضب، ويمسك بطرف إحدى الأوراق، ويقول ممتعضاً إن «الطريق لحصول كل منهم على حقه فى بطاقة تثبت وجوده، تثبت أنه إنسان يعيش على تلك الأرض، وله ما لبقية أقرانه طريق طويل للغاية، ومن يقفون فى انتظار الحصول على بطاقة أو شهادة ميلاد كثر فى تلك البقعة من أرض مصر».
بعد 6 أعوام من المحاولات.. «حسين» يستعين بأقاربه من «البشارية» فى أسوان لاستخراج شهادة ميلاد
رحل «حسين» تاركاً بلدته «إبرق» فى جبال البحر الأحمر، التى تقع على بعد 120 كيلو غرباً من مدينة الشلاتين، بعدما عم الجفاف البادية ولم يجد الرجل فى مهنة الرعى وتربية الأغنام ما يكفى لتربية أبنائه، وهو يقول: «أنا محظوظ إنى جيت المدينة ولكن أشقائى وأبناء عمومتى يعيشون فى الجبال بدون أى حقوق لأنهم باختصار لا يملكون أوراقاً تثبت وجودهم من الأساس».
ويشير إلى أن الطريق والإجراءات التى تضعها الحكومة لأبناء قبائل العبابدة والبشارية للوصول إلى الأوراق الثبوتية طويلة و«متعنتة»، وحتى بعد الوصول لها يكون الأمر متروكاً لتقدير الجهات الرسمية، ولذلك ينتظرون بالأشهر وبالسنوات للحصول على «البطاقة».
سلك «حسين» ذلك الطريق كثيراً خلال مساعدته لأشقائه وأبنائهم وأبناء عمومته، ودخل فى مفاوضات طويلة مع ضباط شئون القبائل لإنهاء الإجراءات التى تستمر بالشهور، وكان آخرها لابنة شقيقه اليتيمة «آمنة».
ويوضح «حسين» أن الطريق يبدأ من شهادة الميلاد، مؤكداً أن الكثير منهم لا يمتلكها، وبذلك يكون الطريق مقطوعاً من البداية. أما إن كانت لديك شهادة ميلاد بذلك تكون وضعت قدمك على أول الطريق، ومن شهادة الميلاد إلى البحث عما يسمى «عصب» أى قريب من الدرجة الأولى لديه بطاقة رقم قومى «أبوك، أخوك، أو جدك».
ولا يقف الأمر عند الحصول على «عصب»، والذى يعد أزمة كبيرة للبعض، حيث لا يمتلك الكثير أوراقاً ثبوتية، فبذلك يحرم أشقاؤهم وأولادهم وكل نسلهم من الحصول على أوراق فى المستقبل.
25 ألف نسمة يعانون من أزمة أوراق الجنسية فى حلايب حسب تصريح نائب البرلمان عن الدائرة
ويتابع: بعد الوصول إلى «قريب عصب» على المتقدم أن يحصل على إمضاء من عشرة مشايخ من مشايخ القبائل: «اللى يوافق يمضى لك واللى يخاف من المشاكل ومن ضغط شئون القبائل يرفض»، وهكذا يستمر الراغب فى الوصول للبطاقة «كعب دائر» على مشايخ القبائل فى الجبال والقرى البعيدة حتى الوصول إليها بعد جهد جهيد.
والكثير من أوراق أقارب «حسين» يحتفظ بها الرجل، ومنهم من لا يملك شهادة ميلاد، وآخرون لم يشملهم الحصر، ورفض شيخ القبيلة كتابة ما يسمونه بـ«إقرار نسيان» أى أنه نساه خلال عملية الحصر التى تمت فى التسعينات، والكثير من لديهم شهادة وحتى الآن فى انتظار «الفرج» وموافقة شئون الضباط على الإصدار.
ولذلك أصبح السفر للمحافظات بعيداً عن الشلاتين مهنة الباحثين عن أوراق ثبوت من «البدون»، فبعد 6 سنوات ظل يبحث فيها «حسين حسن» عن بطاقة حتى وصل الأمر به للسفر إلى أسوان، وبشهادة اثنين من أقاربه من قبيلة البشارية المقيمين فى أسوان استطاع أخيراً استخراج شهادة ميلاد وأوراق ثبوتية وأوراق رقم قومى.
ولكن هذا العمل أوقع «حسن»، الذى يعمل فى الحجر البيطرى بمدينة الشلاتين، فى مأزق آخر حيث لا يتمتع هو وأسرته بأى امتيازات منحها الجيش للمقيمين فى الشلاتين وحلايب، وأصبحت تلك الأوراق الثبوتية مجرد «حبر على ورق»، كما يقول، وهو ما كاد أن يزج بولده للتجنيد بالقوات المسلحة، رغم أن أبناء المدينة الحدودية لديهم إعفاء من التجنيد.