اللواء سمير بدوى: «السيسى» لن يسمح بانتقاص «نقطة واحدة» من النيل.. ويسعى لإضافة 9 مليارات متر مكعب
اللواء سمير بدوى: «السيسى» لن يسمح بانتقاص «نقطة واحدة» من النيل.. ويسعى لإضافة 9 مليارات متر مكعب
اللواء أركان حرب سمير بدوى
أكد اللواء أركان حرب سمير بدوى، قائد قوات حفظ السلام الأسبق بأفريقيا والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا حالياً، أن مصر تسعى لتحويل «خصومها» لـ«أصدقاء» عبر العمل على المصالح المشتركة لتلك الدول، مشدداً على أن مصر تحل خلافاتها مع الدول الأفريقية والعربية عبر المفاوضات، وأن «الحل العسكرى» غير مطروح على الإطلاق مع تلك الدول، وإلى نص الحوار:
■ عايشت الدول الأفريقية لسنوات.. كيف تنظر تلك الدول لمصر؟
- دائماً تحتاج الدول الأفريقية الشقيقة لمساندة مصر، وجهودنا الداعمة لهم، وهم يحبون مصر كثيراً، لكن تخلى مصر عن دورها فى القارة لفترة من الفترات خلق الفرصة لوجود دول «غير مرغوب فيها» لتبدأ فى العمل ضد مصالحنا من خلال توغلهم داخل القارة؛ فغيابنا سمح لبعض الدول من خارج قارتنا بـ«خلق فجوة» بين الدول الأفريقية، وانطباعاتهم لا تزال تكنُّ حباً لمصر، بل ويشعرون بالفخر لكون مصر دولة أفريقية، ورائدة، ومتقدمة.
القائد السابق بـ«حفظ السلام» فى أفريقيا: مصر تعمل على تحويل «الخصم» لـ«صديق» فى «أزمة السد»
فجميع الدول الأفريقية تنظر لمصر على أنها «قوة عظمى»، وسند لهم، ويفتخرون بها وبعظمتها، لوجود دولة أفريقية بهذا الثقل، وهم يتمنون أن تقف مصر بجانبهم، وحينما كنا فى حفظ السلام هناك، لا يمكن لأحد أن يصف سعادتهم بوجود قوات مصرية تشاركهم فى حفظ السلام.
■ وهل تعتقد أن غياب مصر سمح لـ«تل أبيب» بالوجود فى «القارة السمراء»؟
- الفراغ الذى خلّفته مصر جعل القارة مطمعاً لإسرائيل، والعديد من الدول الأخرى التى لها مصالح كبيرة فى القارة، فحينما يتقلص دورنا تسعى دول أخرى لملء فراغنا، فـ«أفريقيا» قارة «بكر» بها ثروات طبيعية خيالية لم تُستغل بعد، وبعد غيابنا ملأت فراغنا دول القارة بالمصالح، والكل يبحث عن مصالحه.
■ وهل سعى مصر لعودتها للوجود بالقارة يواجه أطماعهم بها؟
- وجود مصر يحرمهم من الحصول على أطماعهم، فالدول الأفريقية تزكى مصر، وتفضلها عن أى دولة أخرى لأنهم يعلمون جيداً أننا ليست لنا أطماع لديهم.
المفاوضات تسير ببطء بعدما وصلت لـ«طريق مسدود» و«أديس أبابا» أبدت التزامها بعدم الإضرار بـ«مصر»
■ وكيف ترى طبيعة علاقتنا بالقارة منذ ثورة «25 يناير» حتى الآن؟
- بعد «25 يناير» بدأنا فى الانشغال بشأننا الداخلى، مما جعل أطرافاً أخرى تطمع فى السيطرة على الدول الأفريقية استغلالاً لانشغالنا بالداخل لتحقق مصالحها على حسابنا، ظناً منهم أن الأحداث التى تمت فى تلك الفترة ستتطلب المزيد من الوقت والجهد، وبالتالى تحركت تلك الدول بشكل سريع، مما جعل إثيوبيا تعلن عن إنشاء سد النهضة فى أبريل 2011، وذلك فى «عز انشغالنا» بالأحداث الداخلية، وهو ما لم تكن تستطيع أن تفعله قبلها.
54 دولة أفريقية أوصت بعضوية مصر بـ«مجلس الأمن».. وكنا نتحدث باسم القارة الأفريقية
وبعد 30 يونيو 2013، ورغم محاولات بعض الأطراف لتحييد دور مصر عبر تعليق نشاطنا فى «الاتحاد الأفريقى»، فإنه عقب انتخاب رئيس للجمهورية، واتضاح الرؤية وحقيقة الوضع فى مصر كان أول تحرك خارجى للرئيس عبدالفتاح السيسى، عقب توليه الرئاسة، هو حضوره «القمة الأفريقية»، التى عُقدت فى غينيا الاستوائية، وحينها زار دولة الجزائر ثم خرج للقمة ثم لحقها بزيارة للسودان وإثيوبيا، وبعدها تولى الملف الهام جداً الذى شهد توتراً كبيراً خلال فترة العامين ونصف العام الذى حدث على أثر فضائح مؤتمر الرئيس المعزول محمد مرسى المذاع على الهواء، لتتوتر الأجواء وتصل إلى ذروتها، لكن فى أول لقاء جمع «السيسى» برئيس الوزراء الإثيوبى اتفقا خلاله على خطوط عريضة للبدء فى تسوية مفاوضات هذا الملف الهام.
■ تتحدث عن إقرار مبدأ «لا ضرر ولا ضرار»، لكن لماذا تتعنت «أديس أبابا» لتحقق مصالحها على حساب باقى دول حوض النيل؟
- مصر تتمنى الخير والتنمية لإثيوبيا، لكننا لا نقبل بأى تأثير على حصتنا المائية، والجانبان اتفقا على هذا، ومن حق كل طرف أن يبحث عن مصالحه دون أن يعبث بمقدّرات الآخر، فـ«المياه» أمن قومى مصرى لا يمكن المساس به على الإطلاق.
■ وهل هناك احتمالية للجوئنا لـ«الحل العسكرى» ضد إثيوبيا؟
- هذا كلام عار عن الدقة والصحة، وترديده ما هو إلا تصعيد للأزمة لأن «القاهرة» لن تستخدم سوى المفاوضات فى أى خلاف ينشأ مع الدول الأفريقية والعربية، والخيار العسكرى أمر غير مطروح على الإطلاق، ولن يقبل به أحد.
وأشير إلى أن لجوءنا للحل العسكرى هو ما تردده الإذاعات الغربية التى تريد زرع فتيل الأزمة بين مصر وأشقائها الأفارقة، وينبغى عدم الانسياق وراءه بأى حال من الأحوال.
■ وما تقييمك لهذا الملف حالياً؟
- لا بد أن تتعاون الدولتان معاً، فمصر لن تعارض السيادة الإثيوبية على أراضيها وحقها فى التنمية ما دام ذلك لا يتعارض مع حق شعبنا فى الحياة، وهذا ما أقره رئيس الوزراء الإثيوبى حين قال: «يا نعوم سوا يا نغرق سوا»، وهو مبدأ متفق عليه رغم أن المفاوضات تسير ببطء كبير.
وأرى أن الأمور وصلت لـ«طريق مسدود» أيام حكم الإخوان، ولكن بدأت الأزمة فى الانفراج باجتماع الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء الإثيوبى ليتم توقيع اتفاق المبادئ الذى تم فى مارس 2015، وهو اتفاق مُلزم لـ«القاهرة»، و«الخرطوم»، و«أديس أبابا»، وستكون النتائج التى تخرج من المكتب الاستشارى مُلزمة للجميع.
■ لكن «أديس أبابا» تواصل بناء السد دون انتظار نتائج المكتب؟
- الاتفاق الموقّع بين الدول الثلاث يتضمن الالتزام بمبادئ القانون الدولى، والتى من أهمها مبدأ «عدم الضرر»، وألزمت الدول الثلاثة نفسها بذلك، وهو ما يهمنا، لأن مسألة المياه «حياة أو موت» بالنسبة لنا، ولن يسمح الرئيس عبدالفتاح السيسى بانتقاص نقطة مياه واحدة من الواصلة إلينا.
من يروّجون لاتجاه مصر نحو «الحل العسكرى» مع إثيوبيا يحاولون زرع فتيل أزمة مع أشقائنا.. و«القاهرة» تحل خلافاتها بالتفاوض
■ وهل تعتقد أن معاونة إثيوبيا فى التنمية ستكون حلاً للأزمة؟
- مصر يمكنها مساندتهم ومعاونتهم على إحداث التنمية التى يحلمون بها، وهذا ما تم الاتفاق عليه.
■ وما العقوبات التى ستطبق على إثيوبيا حال عدم التزامها بالاتفاق حول الأزمة؟
- العقوبات يحددها القانون الدولى، وهى عقوبات ملزمة لهم لإقرارهم بـ«المعاهدة» التى وقّعوا عليها فى مارس الماضى.
■ حصة مصر المائية لم تزد منذ الستينات رغم تضاعف عدد السكان بنحو 5 مرات على الأقل، فهل يمكن الاقتراح بزيادة حصتنا المائية من «النيل»؟
- مصر تعمل مع العديد من دول حوض النيل من أجل زيادة حصة المياه لمصر، وأهمها مشروعات استقطاب الفواقد المائية بدولة جنوب السودان، والتى خضنا فيها مشواراً كبيراً فى السبعينات والثمانينات، ولكن للأسف فإن الحرب الأهلية بين «الشمال» و«الجنوب» عطلت المشاريع الثلاثة التى كنا نتحرك بها، وهى «قناة جونجلى 1 و2»، و«بحر الغزال»، و«مستنقعات مشار»، وهى المشروعات التى كانت ستوفر من 18 إلى 20 مليار متر مكعب من المياه الإضافية لنتقاسمها مع السودان بواقع 9 مليارات متر مكعب من المياه لكل دولة، ولكن عطلتنا الحرب الأهلية، ولكن خلال هذه الفترة وبعد استقرار الأوضاع نحاول إحياء هذه المشروعات لأننا بحاجة إلى زيادة إيراد المياه بسبب التوسعات العمرانية، والعديد من المشروعات التى تتم، وبالتالى لا بد من زيادة الحصة.
■ وهل تؤثر عضوية مصر بـ«مجلس الأمن» على علاقتها بأبناء القارة السمراء؟
- العضوية جاءت بدعم كبير من الدول الأفريقية، وبتوصية 54 دولة أفريقية لصالحنا، وهذا الأمر يعود بنا إلى فترة الستينات، حينما كنا «المتحدث الرسمى» باسم أفريقيا فى المحافل الدولية باختيار الأشقاء من تلك الدول، وأعتقد أن هذا يتكرر الآن.
ولو نظرنا لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى سنرى أن مصر كانت تتحدث باسم القارة الأفريقية، وكذلك فى مؤتمر التغييرات المناخية المنعقد فى باريس مؤخراً، وأعتقد أن حديثنا باسم القارة الأفريقية يُعد مؤشراً على عودة الدور المصرى فى أفريقيا، فتلك المرحلة تشهد تطوراً غير طبيعى فى العلاقات المصرية الأفريقية.
■ وفى رأيك.. ما توجهات القيادة السياسية فى ملف القارة الأفريقية خلال الفترة المقبلة؟
- القيادة السياسية «حريصة جداً» على التواصل الدائم مع أبناء القارة الأفريقية، وتدعيم أواصر العلاقات مع دول القارة السمراء بوجه عام، ودول «حوض النيل» بشكل خاص.
ومنذ لحظة انتخاب الرئيس السيسى حضر مؤتمران فى أفريقيا، أولهما فى «غينيا الاستوائية»، والآخر فى «أديس أبابا»، فهو يقوم على التوازن فى علاقتنا مع كافة الدول، وكان لا بد من استعادة دورنا على المستوى الإقليمى والدولى؛ وأؤكد أن زيارات الرئيس السيسى ليست «بروتوكولية»، ولكنها تأتى لتحقيق مصالح أو أهداف معينة، فهى زيارات محسوب العائد منها.
■ عملت قائداً لقوات حفظ السلام فى أفريقيا وقرأت مشهدها بشكل جيد.. ما «الذراع» الأقوى تأثيراً فى علاقتنا مع القارة السمراء؟
- لا بد أن نعلم أن الأجيال القديمة من الأفارقة يعرفون دور وحجم مصر جيداً، ولا بد من ترسيخ هذا الدور جيداً؛ فمختلف المجالات مؤثرة بدرجات مختلفة، لكن لا بد من «غزو ثقافى» لترسيخ الصورة الموجودة لدى القدماء عند الأجيال الجديدة.
■ وهل أثّر وجود إسرائيل وغيرها من الدول على تلك الصورة ومصالحنا فى القارة؟
- بالطبع؛ فهذا الوجود يؤدى لصعوبة الدور المصرى بالقارة، وتعمل هذه الدول على إعاقة دورنا فى كثير من الأحيان، ولكننا عندما نتحرك نعمل على تحقيق مصالحنا دون الاصطدام بالطرف الآخر أياً كان، ولكن يمكن أن نسعى لتحويل الخصم إلى صديق من أجل تحقيق المصالح المشتركة.
■ وهل من الممكن لعب الدول العربية دوراً فى حل أزمة سد النهضة؟
- لا بد من إعادة مفهوم التضامن «العربى - الأفريقى»، والذى بدأ فى فترة الستينات، فكان يوجد مؤتمر القمة «العربية - الأفريقية» فى السبعينات، وكان هناك مؤتمر فى «الكويت» منذ عامين، وبالتالى لا بد من الإشارة إلى إعادة إحياء هذه المؤتمرات مرة أخرى، وهناك العديد من الدول العربية التى لديها وفرة مالية، وبدأت تتجه هذه الدول للاستثمار فى أفريقيا.