"ازدراء الدين" يودي بحياة من لا ذنب لهم في باكستان
"ازدراء الدين" يودي بحياة من لا ذنب لهم في باكستان
صورة أرشيفية
قبل عام، انقلبت حياة الطفلة الباكستانية "عليا" رأسًا على عقب، فقد سُحل والداها المسيحيان وأحرقا لأنهما ألقيا في النفايات ما اشتبه على أحد جيرانهما المسلمين أنها صفحات من القرآن.
وباكستان جمهورية إسلامية يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة غالبيتهم العظمى من المسلمين، وهي تتشدد في معاملة من يتهمون بازدراء القرآن وصولًا إلى الإعدام، كما أن اتهامات بازدراء الدين كلفت 50 شخصًا حياتهم في العقود الثلاث الماضية، معظمهم من الفقراء وأبناء الأقليات، بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش".
بعد مقتل الوالدين، تركت "عليا" البالغة 4 سنوات مصنع الطوب حيث كانت عائلتها تعمل في ظروف تشبه العبودية، وانتقلت إلى منزل جدها لأمها في أحد الأحياء الشعبية في لاهور شرق باكستان، حيث تعيش مع شقيقها الأكبر وشقيقتها الصغرى.
وبدعم من مؤسسة دينية، تمكنت "عليا" وأشقاؤها من التخلي عن العيش في مصنع الطوب، والذهاب إلى المدرسة، والحصول على حياة أفضل.
لكن ذلك لا يجعل الأطفال الثلاثة ينسون والديهم والمأساة التي وقعت لهم جميعًا.
ويقول جد "عليا": الأطفال يبكون دائما، ويريدون والدهم ووالدتهم، ونحن لا نشعر بالأمان".
فالطريقة التي قتل فيها الوالدان "شاما بيبي" و"شهزاد مسيح" كانت فظيعة، فقد اجتمع مئات الأشخاص وانهالوا عليهما بالضرب ثم أحرقوهما في فرن مصنع الطوب حيث كانا يعملان منذ عشرين عاما.
وأثارت هذه الحادثة التي وقعت في الرابع من نوفمبر ضجة في باكستان، لكنها ليست فريدة من نوعها.
فقد قتل في العام نفسه ما لا يقل عن 7 أشخاص، من بينهم أربعة من الجماعة الإسلامية الاحمدية ومحام، لاتهامهم بازدراء الدين أو مساندة من يفعلون ذلك.
وكما في معظم الحوادث المماثلة، تبين أن شاما وشهزاد كانا بريئين ما اتهمهما به الجمع الغاضب، فالصفحات التي أحرقت ووضعت في القمامة لم تكن سوى صفحات من كتاب طب قديم كان يستخدمه والد شهزاد في مهنته كمعالج تقليدي.
بخلاف الحوادث المماثلة التي وقعت سابقا، تعامل القضاء بحزم مع هذه الجريمة، وما زال 104 أشخاص في السجن من بينهم صاحب المصنع وخمسة مسوؤلين فيه ورجلا دين اثارا الجموع في قرية مجاورة للإنقضاض على الزوجين.
واتهم القضاء صاحب المصنع بأنه منع الزوجين من الفرار حين شعرا بالخطر، طالبا منهما دفع الديون المتوجبة عليهم قبل الرحيل.
وقال المحامي رياض انجوم "أنا على ثقة تامة أن العدالة ستتحقق".
ومن المؤشرات على حزم السلطات في هذه القضية أن المحكمة رفضت إعلان شقيق القتيل إسقاط حقه عن صاحب المصنع لاحتمال أن يكون تعرض للضغط.
ويبدو أن القضاء الباكستاني يتجه إلى التساهل إزاء ما يوصف بأنه ازدراء للدين، لكن "هذا لا يكفي لمنع حوادث مماثلة من الوقوع" بحسب المحامي.
ويقول:"ينبغي تغيير قانون ازدراء الدين، لكني لا أظن ان البرلمان سيعدل هذا القانون في القريب المنظور، لأن عددا كبيرا من الناخبين يرون ان هذا القانون هو حكم الهي".
ويضيف "قانون ازدارء الدين سيف مصلت على رقابنا".
يذكر العمال الفقراء في مصنع الطوب شاما وشهزاد ذكرًا حسنًا، ويقول عنهما زمليهما رشيد محمد "كانا عاملين مثلنا، شقيقين لنا، ما جرى لهما ظالم ويشعرنا بالحزن".
يؤكد المدير الجديد للمصنع سفدار نذير إن "الناس هنا تعلموا الدرس، ولن يقع حادث مماثل بعد الآن".
استأنف المصنع عمله من مدة قصيرة فقط، "لأن كل العمال هربوا بعد الحادث"، بحسب نذير.
إلا أن العائلات المسيحية الخمس التي كانت تقيم في المصنع وتعمل فيه لم تجرؤ على العودة.
ويقول إقبال، شقيق شهزاد "يمكن أن يعتدى علينا نحن أيضًا".
ويضيف لمراسل وكالة "فرانس برس" في قرية كلاركاباك ذي الغالبية المسيحية قرب المصنع "أخذنا رجال الأمن إلى المحكمة ثم وضعونا هنا، لم نعد نجرؤ على الخروج من الحي".
ويؤكد إقبال أنه لم يكن هناك أي توتر طائفي بين العمال، لذا يصعب عليه تفسير الوحشية التي عومل بها شقيقه وزوجته، مشيرًا إلى بعض المشاحنات الشخصية البسيطة التي وقعت بين شقيقه وبعض زملائه.
وتشرح هينا جيلاني الناشطة في مجال حقوق الإنسان، كيف تقع هذه الأحداث قائلة: "عندما ترفع اتهامات بازدراء الدين لا ترتكب الجموع أعمال العنف من تلقاء نفسها".
وتوضح "يثير هذه الأفعال شخص لديه مصلحة محددة، دينية أو شخصية أو مادية" ثم يتأثر الحشد الذي عادة ما يكون مؤلفًا من مقربين منه وينزلق إلى العنف.
وإلى هذه التصرفات غير المسؤولة التي ترتكبها الحشود المعبأة، تضاف مشكلة الأحكام القضائية القاسية.
فما زال 17 شخصًا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقهم لادانتهم بازدراء الدين، من بينهم المسيحية اسيا بيبي التي اتهمها جيرانها المسلمون بأنها شتمت النبي محمد، علما أن اتهاماتهم لها أتت بعد شجار شخصي.