«دير القصير».. قرية فى «حضن الجبل».. و50 ألف مواطن تحت خطر «العزلة والثأر»
«دير القصير».. قرية فى «حضن الجبل».. و50 ألف مواطن تحت خطر «العزلة والثأر»
الأهالى ينتظرون المعدية للعبور للبر الغربى
على بعد 50 كيلومتراً من مدينة أسيوط، وتحديداً فى الجهة الشرقية للنيل، حيث تنقلك المراكب الشراعية أو المعديات، يعيش أكثر من 50 ألف مواطن بقرية دير القصير، التابعة لمركز القوصية، فى منازل متهالكة داخل أحضان الجبال، يعانون حياة غير آدمية، ويفتك بهم الثأر ويقضى عليهم شيئاً فشيئاً.
الأهالى: حياتنا غير آدمية ومش لاقيين ناكل.. وامرأة تحمل رضيعها المريض: «مش عارفة هيكمل معايا ويعيش ولا لأه».. والشباب يبحث عن لقمة العيش فى الخارج
وتنعزل 3 عزب كاملة بالقرية عن الحياة، نظراً لعدم وجود معدية تربط بين شرق النيل وغربه، فيما يعانى الطلاب يومياً للانتقال إلى مدينة القوصية، إلى أن جمع الأهالى أموالاً من بعضهم لشراء لنش لنقل الأهالى والطلاب. ولكى تصل إلى القرية، فإن عليك قطع مسافة 20 كيلو من مدينة القوصية، مروراً على قريتى فزارة وعرب فزارة، والوصول إلى عزب قرية دير القصير، والمشى مسافة كيلومتر وسط جبال من القمامة المترامية حول المساحات الخضراء المجاورة للنيل، وعند الوصول إلى «الطامية البحرية» التابعة لدير القصير أمام شارع البحر، يوجد عدد من اللنشات التى قام الأهالى بشرائها، لنقلهم من الضفة الغربية إلى الشرقية للنيل.
50 ألف مواطن يعيشون فى منازل بالجبل، و3 عزب فى عزلة تامة، و4 ساعات يستغرقها الأهالى للوصول إلى المستشفى
سيدة تحمل طفلها الرضيع، الذى يعانى من المرض منذ يوم كامل، لا تعلم إن كان سيكمل حياته أم سيفارقها، بسبب انفصالهم عن الحياة، وعدم وجود مستشفى بالقرية أو مواصلات تنقل الأم برضيعها، وبصوت يملؤه الحزن قالت «يسرية محمد»: «استغرقت 4 ساعات فى الطريق للوصول أنا وطفلى إلى المستشفى، ونعانى من نقص الخدمات الطبية فى القرية، ما تسبب فى مقتل المئات من أبنائها». وأوضح سيد عبدالفضيل محمود، مواطن بالقرية، أنه تم حفر قواعد مستشفى القرية منذ عامين، إلا أنه لم يستكمل، وأضاف: «عند ولادة أى سيدة فإنها تواجه الموت مرات عديدة، ونطالب المسئولين بسرعة التحرك لإنقاذ القرية المهمشة التى لم يرحمها الجبل من عنائه، ولا يعرفها المسئولون فى زياراتهم».
«الجبل لم يرحمنا وأصحاب اللنشات بتاخد 50 جنيه توصيلة»، بدأت سيدة محمد عبدالله، من أهالى القرية حديثها، لافتة إلى أن أقصى حلم لسكانها، معدية تنقلهم للضفة الثانية.
أما شيماء يوسف، طالبة بالثانوية العامة، فذكرت أنها تستيقظ الرابعة والنصف فجراً من أجل أسبقية الركوب والانتقال إلى الجهة الغربية عن طريق اللنش، ثم تقطع أكثر من نصف كيلو إلى موقف السيارات، وتستغرق ساعة كاملة فى المواصلات إلى مدينة القوصية، وهو ما يضيع مستقبل عدد كبير من الطلاب غير القادرين على مواصلة تلك المشقة اليومية البدنية والمادية.
وقال ممدوح فرغلى، أحد أهالى دير القصير، إن القمامة تسببت فى نشر الأمراض بين الأطفال، وزيادة التلوث فى المياه، وانتشار الحشرات الضارة، إضافة إلى ذلك تشهد القرية إطلاق نار شبه يومى بسبب الخلافات الثأرية بين أكثر من 20 عائلة، ما تسبب فى حصد أرواح العشرات، ولجوء الأهالى لشراء الأسلحة، والعمل داخل الجبال، وعدم النظر إلى نظافة الطرقات والترع، ناهيك عن تجريف عشرات الأفدنة، والقضاء على محاصيل القمح والذرة بسبب تلك الخلافات، وأرجع ياسين محمد، أحد كبار أهالى القرية، تدهور الحالة المعيشية للسكان إلى الخلافات الثأرية، مشدداً على أن شراء الأسلحة والذخيرة أصبح الشاغل الأول لهم. كما يضطر عشرات الموظفين الحكوميين المنتمين للقرية إلى هجر بيوتهم والانتقال إلى محال أعمالهم، فيما اضطر الشباب للهرب من القرية بسبب الخلافات الثأرية، وبحثهم عن لقمة العيش فى الخارج.