خـطاب الأمير
إذا كانت الحرب كراً وفراً
فإن السلام مكر.. مفر
أحبوا الأمير، وخافوا الأمير
ولا تقنطوا من دهاء الأمير
فليست لنا غاية فى المسير
ولا هدف، غير أن تستقر الأمور
على ما استقرت عليه: أمير على عرشه
وشعب على نعشه..
أنا خنجر من حرير
أحبُ الرعية إن أخلصت
وإن أرخصت دمها فى سبيل الأمير
فعُمْر الرعية فى الحب عُمْرٌ طويل
وعُمْر الرعية إن كرهتنى قصير..
أنا صانع الجيش من كل جيش بلا أسلحة
جمعت الجنود كما تجمع السبحة
لأبنى مجتمعاً للتحدى ومجتمعاً للتصدى
ومجتمعاً يدمن المذبحة
أنا السيف والورد والمصلحة
وليس على ما أقول شُهود
وليس على ما أريد قُيود..
وليست عقيدتنا صنماً جامداً، فاحذروا
نفاق الصديق.. وحاجته للتمدد خلف الحدود.
وليس العدو عدواً إلى آخر الحرب..
قد نتحالف فى ذات يوم لنحمى أنفسنا من صديق لدود
ومن إخوة لا يطيعوننا، حين نذبحهم يصرخون
ويرموننا بالظنون، ولا يفهمون
سياستنا أو كياستنا حين نحرق أطفالهم بالصواريخ
كى لا يمروا
فإن كانت الحرب كراً وفراً
فإن السلام مكر.. مفر
* * *
حقوق الأمير على الناس أكبر من واجبى
ألم أجد الناس جوعى.. فأطعمت
وعارية.. فكسوت
وتائهة فهديت؟
وساويت بين المثقف والمرتزق
(وأما بنعمة ما أنعم الحكم -حكمى- عليك.. فحدث)
ألم أبنِ خمسين سجناً جديداً لأحمى اللغة
من الحشرات، ومن كل فكر قلق؟
ألم أخلط الطبقات لألغى نظام التقاليد والمرجعية والزمن
المحترق؟
فمَن يذكر الآن أجداده؟
ومَن يعرف الآن أولاده؟
ومَن يستطيع الرجوع إلى شجر العائلة
ومَن يستطيع الحنين إلى زهر ذابلة
ومَن يستطيع التذكُّر دون الرجوع إلى حارس القافلة؟
(وأما بنعمة ما أنعم الحكم -حكمى- عليك.. فحـدث)
ألم أجد الماءَ فى غيمكم يختنق
فحركتُه واستجاب وآب إليكم.. ألم أنطلق
بكم نحو أعلى الشعارات كى نلتحق
بمجتمعات الرخاء؟ فكونوا كما أشتهى أن تكونوا..
وسيروا
إلى بلد لا حدود له، لا رعاة، ولا شاعر أو ملك
فقد تفتنون وقد تتخمون.. وقد أمتلك!
دعوا الأرض بوراً، لأن الفِلاحة عار القُدامى
قطعتُ الشجر
وألغيتُ بُؤس الزراعة
لأستورد الثمر الأجنبى بنصف التكاليف..
فالشعبُ نصفان: جيش وباعه!
ولا تعملوا فى المصانع، فهى ديون على دولة تتنامى
رويداً رويداً على فائض الحرب من شهداء
ومن جُثث فى العراء.. وبترولنا دمكم
والصناعة إنتاج ما أنتجت حربنا من يتامى
نوظفهم فى معارك لا تنتهى كى يعيشوا
وكى يُنجبوا للإمارة كنز الإمارة، هاتوا يتامى
لتحيا الخزينة عاماً وعاماً
وإلا، فمن أين أطعمكم.. والإمارة قفر
وإن الحروب اقتصاد معافى.. وحر
وإن الهزيمة ربح ونصر
وإن كانت الحرب كراً وفراً
فإن السلام مكر. مفر
* * *
تقولون: ماذا يريد الأمير؟
أقول: أريد البعيد البعيد البعيد
ألا فادخلوا خاتمى واحداً واحداً بانضباط شديد
وشدوا الحزام، وجُوعوا قليلاً ليشبع هذا الوطن
فلن نستطيع بلوغ المعالى بغير المِحن..
شعاراتنا ذبلت فوق جدراننا، فارفعوها ليشهد هذا الزمن
على أمة لا تعيش من الخبز وحده
ومدت تماثيلنا يدها فاملأوا يدها وردة تلو وردة
ولا قمح فى الحقل، فلتزرعوا الملح فوق المخدة
وهزوا جذوع الشعارات يساقط التمر منها..
* * *
تقولون: ماذا يريد الأمير من الحرب.. ماذا يريد الأمير
المحارب؟
أقول: أريد حروباً صغيرة
سأختار شعباً صغيراً حقيراً أحاربه كى أحارب
وأحمى النظام من الباحثين عن الخبز بين الزرائب
فحين نخوض الحروب
يحل السلام على الجبهة الداخلية.. ننسى الحليب وننسى
الحبوب
فيا قوم، قوموا.. فهذا أوان الأمل
وهذا أوان النهوض من المأزق المحتمل
إذا حاصرتنا جيوش الشمال
نحاصر إخوتنا فى الجنوب
وإن حاصرتنا جيوش الجنوب
ندمر إخوتنا فى الشمال
وحين نحاصر بين الشمال وبين الجنوب
أحاصركم فى الوسط
فلا تقنطوا من دهاء الأمير، ولا تقعوا فى الغلط
فخير الأمور: الوسط
وأنتم رهائن عندى. فخروا وخروا
ولا تسألونى: أفى الأمر سر؟
إذا كانت الحرب كراً وفراً
فإن السلام مكر.. مفر
* * *
تقولون: ماذا عن السلم؟ ماذا يريد الأمير؟
أقول: أريد من السلم ما لا فضيحة فيه
أغازله دون أن أشتهيه
وأبنيه سراً، وأحرسه بالحروب الصغيرة
كى يتقينى العدو وكى أتقيه
وأحمى سلام الخنادق من نزوات الخطاب
ومن طيش هذا الشباب..
وأحصى مدافعهم ثم أحصى مدافعنا - الفوارق سِلمٌ
وأحصى مصانعنا ثم أحصى مصانعهم - الفوارق سِلمٌ
وأحصى مواقعنا ثم أحصى مواقعهم - الفوارق سِلمٌ.
ولكننى لا أريد السلام
لأن السلام المُقام على الفرق بين العدوين ظلم
وإن السلام المقام على الظلم ظلم
وإن السلام المقام على الاعتراف بغيرى ظلم
فلا بد من نصف سِلم
ولا بد من نصف حرب
لأحفظ شعبى
وأحفظ حكمى..
أحارب مَن أستطيع محاربته
بلا رحمة أو حرام
أُسالم مَن لا أريد ولا أستطيع محاربته
بغير معاهدة للسلام
فإن السلام مغامرة كالحروب.. وشر
وإن كانت الحرب كراً وفراً
فإن السلام مكر.. مفر!
* * *
.. ويا قوم، يا قوم، من آخر الليل يطلع فجر
سلام عليكم إلى مطلع الفجر، يا أيها الصابرون على الليل
حولى
أقاسمكم ما وهبت من المعجزات.. وأذرف ظلى
عليكم، لكى يتساوى الجميع بظلمى وعدلى..
وأعرف، يا أيها الناس، ما تحمل النفس، والنفس أمارة
بالتخلى
عن الصعب، والمجد صعب كما تعلمون..
قليل التجلى..
ولكننا سنواصل هذا الطريق إلى منتهاه.. إلى منتهاكم
فلا تقنطوا من دهائى، ومن رحمة النصر، فالنصر صبر
على الليل.. والليل -يا أمتى- درجات..
فمنه الطويل، ومنه القصير.. ومنه الذى يستمر
ثمانين حولاً، سأحكمكم.. لا مفر
إذا كانت الحرب كراً وفراً
وكان السلام مكراً مـفـراً
فإن النظام مكرٌ.. مكر