روبير سوليه: أقول للمصريين.. لا تتعجلوا جنى ثمار الثورة
روبير سوليه: أقول للمصريين.. لا تتعجلوا جنى ثمار الثورة
الكاتب والأديب الفرنسى روبير سوليه
أكد الكاتب والأديب الفرنسى روبير سوليه، ذو الأصل المصرى، فى حواره مع الإعلامية دينا زهرة على شاشة «سى بى سى إكسترا»، أمس، أن مصر هى شغفه، وحب الطفولة بالنسبة له، حتى إنها أصبحت بعد ذلك حب دراسته، مشدداً على أنه لا يمكن فهم الأحداث الجارية بأى بلد إلا بعد التعمق فى ماضيه، مشيراً إلى أنه فخور بكونه فرنسياً وفخور أيضاً بانتمائه إلى مصر، وأنه يجيد اللغة العربية لدرجة أنه لا يطيق أن يخطئ فيها، كما أنه يعشق «النكتة المصرية». ولمح الأديب الفرنسى إلى أنه ترك مصر عام 1964 بعد مرور 8 سنوات على العدوان الثلاثى عام 1956 الذى شاركت فيه فرنسا، لافتاً إلى أن فرنسا ارتكبت حماقة بتحالفها مع الإنجليز والإسرائليين لاسترداد قناة السويس التى تنتمى لمصر أصلاً.. وإلى نص الحوار:
■ مساء الخير سيد «روبير سوليه» الصحفى والكاتب والروائى الفرنسى من أصل مصرى.
سوليه: شكراً لك، اسمحى لى أن أتحدث بالفرنسية لأننى أعيش فى فرنسا منذ 50 عاماً.
■ لا مانع.. كما ذكرت أنت غادرت مصر عام 1964 وأنت من أصل مصرى لعائلة سورية، وعملت كصحفى بجريدة «Le Monde» الفرنسية اليومية، وبالتوازى ألّفت العديد من الروايات وكتبت العديد من المقالات.. قبل الدخول فى تفاصيل أعمالك وهى أكثر من 20، هناك 18 عملاً عن مصر من أصل 23، فلماذا لم تتوقف عن الكتابة عن مصر؟ ولماذا تكتب كثيراً عنها؟
الأديب الفرنسى فى حوار لـ«سى بى سى»: إزاحة النظام الاستبدادى فى يناير لا تعنى ترسيخ الديمقراطية
سوليه: أنتِ محقة، إجمالاً كل كتبى تقريباً متعلقة بمصر سواء من قريب أو من بعيد، وذلك لأن مصر هى شغفى، إنها حب الطفولة، وأصبحت فيما بعد موضوع دراستى. أنا لست متخصصاً فى مسألة واحدة، لست اقتصادياً ولست عالم مصريات ولست متخصصاً فى علم الاجتماع، ولكن لدىّ اهتمامات عامة بكل نواحى الحياة المصرية وأيضاً بكل الحقب التى مرت بها مصر. لم أتوقف عن اكتشاف هذا البلد محاولاً فهمه جيداً، لم أنته ولن أنتهى من ذلك أبداً.
■ فى أعمالك نجد أن أول عمل لك عن مصر هو رواية «الطربوش» عام 1992.. فلماذا لم تكتب عن مصر لمدة 25 عاماً؟
سوليه: نعم، ما حدث أننى تركت مصر فى عمر 17 سنة بعد قضاء فترة طفولة ومراهقة رائعة، كنت أعيش سنوات رائعة فى مصر الجديدة، وفكرة الرحيل وطىّ صفحة كانت غالباً مؤلمة لى، وبمثابة النفى، كنت سعيداً جداً فى فرنسا، طويت صفحة مصر لمدة 20 عاماً، ثم جذبتنى إليها ولم تتركنى أبداً، منذ تلك اللحظة أردت فهم تاريخ عائلتى وعائلات مثلها من أصل سورى ولبنانى، ولماذا أتوا إلى مصر منذ وقت بعيد، ولماذا كانوا يعيشون بشكل جيد فيها، ولماذا رحل بعضهم فيما بعد، لقد كنت بحاجة لفهم كل هذا عبر رواية «الطربوش» التى لم تكن عن تاريخ عائلتى بل عن تاريخ عائلة خيالية.
■ ما الذى يعنيه لك أن يتم تقديمك ككاتب فرنسى من أصول مصرية؟
سوليه: هذا سؤال رائع، أنا قضيت كل حياتى منذ عمر الثامنة عشرة فى فرنسا وتزوجت فرنسية ولدىّ أطفال وُلدوا هناك، شغلت وظائف مهمة، وقضيت كل حياتى فى فرنسا. أنا اخترت هذا، ولكنى فخور جداً بانتمائى الآخر. كنت أود أن أحدثك باللغة العربية فقط، أنا مطلع كفاية على اللغة العربية بما يجعلنى لا أحب أن أخطئ فى نطقها، وأحب العربية المصرية بشكل خاص، كما أعشق النكتة، ما أقصده أننى أحب هذه اللغة، لكننى لا أتحدث لغتين بشكل كامل، ولا أدعى ازدواج الثقافة، بل ازدواج الانتماء.
مصر شغفى.. وفرنسا ارتكبت حماقة بتحالفها مع الإنجليز والإسرائيليين فى «عدوان 56»
■ لقد نشأت فى حى مصر الجديدة وهو الذى وصفته بـ«مدينة الحدائق والجنة».. لماذا تعتبره كذلك؟
سوليه: لأنه تم تصميمه عام 1900 كمدينة للحدائق فى الصحراء شُيدت على كل النماذج، وشاركت فى عام 2001 فى مئوية مصر الجديدة. وهى كانت مدينة استثنائية فى فن عمارتها وفكرتها وتقسيمها العمرانى وسكانها الذين كانوا مختلطين، حيث كل الأديان والأصول، وكانت الحياة هناك هادئة، كل من عاش ويعيشون فيها متأثرون بهذه المدينة.
■ أنت تركت مصر عام 1964 بعد مرور 8 سنوات على العدوان الثلاثى الذى شاركت فيه فرنسا.. هل هذه الحرب غيرت مصيرك؟
سوليه: نعم إنها كانت علامة فارقة، كنت متأثراً، وكان عمرى 10 سنوات فى عام 1956، وبالنسبة لى كانت حدثاً كارثياً، حيث إننى كنت ذا ثقافة فرنسية، وفرنسا ارتكبت حماقة بتحالفها مع الإنجليز والإسرائليين لاسترداد قناة السويس التى تنتمى لمصر أصلاً، وكانت ستعود لها على أى حال عام 1968. وخسرت فرنسا فى بضعة أيام عاصمة ثقافية، عاصمة محبة كانت قد تكونت على مدار من 100 إلى 150 عاماً، وهذه كارثة، ليس لى بشكل شخصى لأن الفرنسيين والإنجليز قد طُردوا، وأنا وقتها كنت مصرياً، لكننى أجد أن هذه الحرب كانت سلبية جداً بالنسبة لفرنسا، وأيضاً بالنسبة لمصر لأنها خسرت هى الأخرى برحيل أفراد كانوا مرتبطين بها.
■ مصر كانت مستعمرة إنجليزية قديمة، إذن هناك سيطرة سياسية إنجليزية، لكن كانت هناك هيمنة ثقافية فرنسية.. بماذا تفسر هذا التناقض؟
سوليه: هذا مهم جداً لأنه حدث منذ عصر محمد على وليس نابليون بونابارت كما نقول عادة. الحملة الفرنسية لنابليون لم تغير فى مصر، واستغرقت 3 سنوات كسرت خلالها النظام المملوكى، وفتحت الباب لمحمد على كى يؤسس دولة حديثة، وفرنسا كانت محظوظة ألا تستعمر مصر عام 1882، كانت ذكية فى عدم استعمار مصر، فهى تركت ذلك للإنجليز يستعمرونها عسكرياً وسياسياً، ولعبت هى على محور آخر هو الثقافة واللغة، ولهذا كانت فى مصر عشرات الصحف باللغة الفرنسية فى عام 1900، وكانت هناك جريدة واحدة فقط باللغة الإنجليزية هى «إيجيبشيان جازيت» وكان لديها عدد محدود من القراء، لدرجة أن نصف عدد صفحات الجريدة كان يُنشر باللغة الفرنسية.
■ اللغة الفرنسية نفسها فى فترة معينة كانت تُعتبر لغة النخبة.
الضيف: نعم، كانت لغة الصالونات، ولكنها كانت أيضاً لغة تجارية ولغة العدل الدولى، وكانت اللغة التى أحبها القوميون المصريون لأنهم كانوا يقاومون الإنجليز. سعد زغلول وطه حسين تعلما الفرنسية، ومصطفى كامل أتم دراستة بفرنسا.
■ ما هو وضع الفرانكفونية اليوم فى مصر؟ وأنت مدافع كبير عن الفرانكفونية واللغة الفرنسية؟
الضيف: أنا أدافع عن الفرانكفونية فى مصر، كما أدافع عن تعلم اللغة العربية فى فرنسا، وأعتقد أنه من أجل أن نتعارف لا بد أن نتواصل ليس فقط باللغة الإنجليزية التى تُستخدم فى المطارات. اللغة الفرنسية لم يعد لديها الوضع نفسه فى العالم كله، لقد خسرت، لكننى شاركت فى إنشاء ودعم الجامعة الفرنسية فى مصر، لأننى أعتقد أن كل إنسان اليوم يجب أن يتقن 3 لغات، «لغته الأصلية» فى حالة المصريين، فيجب أن يعرفوا جيداً العربية، ثم «الإنجليزية» لأنها لغة التواصل دولياً، ويجب اختيار لغة أخرى تكون لغة الثقافة، وأنا أفضل أن تكون اللغة الفرنسية، الشخص الذى يتحدث 3 لغات جيداً ستكون كل الأبواب مفتوحة أمامه.
الديمقراطية شىء معقد وطويل وتتطلب توجيهاً وتعليماً وتؤدى إلى إراقة الدماء
■ كما فى روايتك الأولى «الطربوش» ثم الجزء الثانى منها «سهرة فى القاهرة» وآخر رواية «فندق مهرجان» نجد دائماً أنك تمزج بين التاريخ الخاص والعام مع وجود دائم لفكرة التعدد الثقاقى.. لماذا تصر على هذه الفكرة؟
سوليه: تعلمين.. الحنين شعور معقد ولا نعلم أبداً إن كان لدينا الحنين لعالم مفقود أم الحنين للطفولة، بالنسبة لى لدىّ الحنين وأقرّه، ولكن ليس هو فحسب. لو لم يكن لدىّ سوى الحنين لما عدت إلى مصر مرة أو مرتين فى العام ولما درست مصر بهذا الشكل، ولما أحببت المصريين اليوم كما أحببتهم فى الماضى، لكن أحياناً أتذكّر فى طفولتى وفترة المراهقة الساحل الشمالى من الإسكندرية إلى مرسى مطروح، لم يكن هناك أى شىء، كانت فقط صحراء وشواطئ ساحرة.
■ كيف ترى تطور مصر بعد فبراير 2011؟
سوليه: فى يناير وفبراير 2011 العالم بأكمله تابع ما كان يحدث فى مصر بشغف كبير، لكن خابت آمال كثيرة لأن الجميع أدرك فيما بعد، والمصريون أولهم، أن إزاحة نظام استبدادى لا تعنى ترسيخ الديمقراطية. الديمقراطية شىء معقد وطويل وتتطلب توجيهاً وتعليماً وتحتاج إلى وقت، وهى مؤلمة وتؤدى إلى إراقة الدماء، ولكن هذا ما يحدث فى كل دول العالم، دائماً ما يكون الوضع هكذا، لكننا نعيش فى مجتمع يتعجل جنى الثمار، وهذا مستحيل، لذلك كانت هناك خيبة أمل كبيرة.