«الأندر جراوند».. بين إعادة اكتشاف التراث الشعبى وتغريبه
«الأندر جراوند».. بين إعادة اكتشاف التراث الشعبى وتغريبه
فرقة «وسط البلد»
«الأندر جراوند» مصطلح يعبر عن المطربين والفرق الغنائية التى تغنى «تحت الأرض»، أو تعمل مستقلة عن منظومة الإنتاج المتعارف عليها، بما تحمله من أضواء ودعاية وشهرة، ورغم الصعوبات التى تواجه هذه الروافد الفنية فإنها أصبحت مطروحة على الساحة الغنائية، وأصبح لها جمهور عريض من الشباب، يتتبعون خطاها ويتلمسون ما تحمله هذه الشريحة من أفكار اعتمدت بشكل كبير على استلهام التراث الشعبى وإعادة تقديمه بشكله البسيط أو المزج بينه وبين الإيقاعات الغربية، وقد يكون التراث الشعبى بمثابة النفق الذى أخرج هذه الفرق من «تحت الأرض»، لتصل لجمهور الشباب بمنتج جديد فيه مزج بين الحاضر والماضى.
هانى عادل: «كراكشنجى» حققت نجاحاً كبيراً.. والتراث جذور تربطنا بالوطن.. و«الهلباوى»: «اللى ملوش قديم ملوش جديد»
«الغناء الشعبى هو مرآة لما يحدث فى الواقع» هكذا فسر المطرب محمد محسن تراجع الفن الشعبى بشكل ملحوظ قائلاً: «الفن ليس له قواعد ثابتة يتغير بتغير المنظومة المحيطة به، فما يقدم الآن هو خلاصة انعدام رؤية الإصلاح الشامل».
وأضاف محسن «من فات قديمه تاه، هى جملة صحيحة ويجب علينا كموسيقيين الاعتناء بأغانى التراث الشعبى الذى أفرز إنتاجاً ضخماً، بداية من فنان الشعب سيد درويش الذى يعتبر المجدد الأصلى للأغنية المصرية، بعد أن غنى للشيالين والحشاشين وأيضاً قدم النشيد الوطنى، بعد أن فقدت مصر خلال الأربعين عاماً الماضية الهوية والسمة المميزة للغناء، على خلاف ما تمتلكه بعض الدول ليسهل التعرف على التراث التركى أو الهندى والمؤسف هو ضياع الصبغة المصرية من الأغانى».
«التراث الشعبى هو الجذور القوية التى تربط الإنسان بوطنه وهو الثقافة الفطرية للشعب» عبر هانى عادل مطرب فرقة «وسط البلد» عن أهمية التراث والفلكلور المصرى للأغنية، قائلاً «نحاول تقديم الأغانى القديمة بشكل جديد يتقبله الشباب، وهو ما يسهم فى تعريفهم بأصولهم الموسيقية، ولا تعتمد الفرقة على لون معين فى اختيار الأغانى، فالأمر راجع لما تحمله الأغنية من قوة جذب إبداعية، فعندما قدمنا أغنية «آه ياللالى» من الفلكلور المصرى لاقت قبولاً، وبعد إعادة تقديم «كراكشنجى» بشكل جديد مع الفنان الشعبى أحمد عدوية، حققت نجاحاً كبيراً بالرغم من كونها قدمت من قبل بأكثر من شكل ولكن التجديد مطلوب دائماً».
وفى الوقت نفسه عملت فرقة «مسار إجبارى» على تقديم نسخة أكثر حداثة ومواكبة للعصر لمجموعة من الأعمال منها «أنا هويت وانتهيت» لسيد درويش، و«متفوتنيش أنا وحدى» للراحل سيد مكاوى، وأشار العازف تامر عطا الله إلى أن الفرقة تعمل على إعادة التراث كمنتج جديد من خلال المزج الموسيقى بين المرجعية الشرقية والغربية دون المساس باللحن الأصلى، بشكل أقرب إلى الجيل الحالى الذى يفضل السرعة، ورفض عطا الله ما يتردد حول أن الشكل الجديد للأغانى ينتقص من قيمتها التراثية قائلاً «نحن نخرج صوت التراث المحبوس فى الزمن ونعيد له الحياة مرة أخرى، فكم شاباً يعرف موسيقى سيد درويش والشيخ إمام ويستمع لها؟ ومن يستمع إلى موسيقى التخت والقانون؟ لكن الآلات الحديثة هى التى تعطى الأغنية روحاً جديدة أقرب للشباب من خلال الإيقاع السريع والتنويعات الموسيقية».
وتابع العازف بـ«مسار إجبارى» أن الفرقة تعمل على الإضافة للعمل برؤية أقرب دون المساس بقيمته الإبداعية، على عكس ما يحدث مع موسيقى «المهرجانات» التى تعد فى نفس الوقت موسيقى ناجحة لأنها جمعت حولها قطاعاً كبيراً من المستمعين.
«100 عام فى عمر الغناء هى فترة زمنية قصيرة جداً» قالها الفنان حازم شاهين مؤسس فرقة «إسكندريلا»، مشيراً إلى أن إطلاق اسم تراث على هذا النوع من الأعمال راجع إلى وفاة أصحابه فقط، ولكن بالنسبة للحداثة فهى إبداع وليد اللحظة ما زال قادراً على الإمتاع والعطاء، مثل الأغانى الجماعية للفنان سيد درويش التى تتناول موضوعات مختلفة تعبر عن الواقع بشكل عبقرى، مع ما تحمله من قيم أثرت الفن المصرى.
وتابع شاهين: «المزج بين الحداثة والتراث نجح فى إعادة الناس إلى الغناء الهادف الراقى مرة أخرى وتعريفهم بجيل العمالقة من الفنانين، والوضع الحالى هو أكبر دليل على تعطش الجماهير لهذا النوع من الفن».
وقالت المطربة فيروز كراوية: «إعادة تقديم الأغانى مرة أخرى لا يقتصر على تراث الأغنية الشعبية فقط بل يمتد إلى أغانى الفلكلور القديمة، وهو ما يعرف باسم «الكفر»، وإذا أخذنا المطرب العالمى «فرانك سيناترا» مثالاً سنكتشف أن أغنياته قدمت بأكثر من 40 طريقة مختلفة، ولكن التعامل مع هذه الظاهرة فى الوطن العربى يقابل بشىء من العدوانية، وأنا مع الحفاظ على روح العمل الأصلية دون مساس، ولكن برؤية إبداعية مختلفة فى التوزيع، فعندما قدمت أغنية «طرف أصابيعه» التى تندرج تحت التراث السيناوى قدم المؤلف مؤمن المحمدى معالجة شعرية جديدة،
وفيما يتعلق باستخدام مطربى «المهرجانات» أجزاء من أغانى التراث القديمة فى أعمالهم، أشارت «كراوية» إلى أن هذا الأسلوب معروف موسيقياً، وعبدالحليم حافظ استخدم جزءاً من موشح «بحقك أنت المنى والطلب» فى أغنية «أمرك يا سيدى».
ويرى المطرب على الهلباوى: «أن تقديم الأغانى التراثية سواء المصرية أو غيرها جزء مهم فى رسالة الفنان، يسعد من خلالها جمهورها القديم وينقلها للجيل الجديد مشبعة بمعنى وقيمة تعيدها لحداثتها مرة أخرى»، معللاً ذلك بأن «اللى مالوش قديم مالوش جديد»، وشدد الهلباوى على ضرورة أن يقدم الفنان الجديد للأغانى القديمة ويضيف لها إحساسه وينقلها للناس بطريقته الخاصة، ورفض «الهلباوى» تقديم أغانى أم كلثوم والشيخ إمام فى موسيقى المهرجانات ووصفها بـ«قلة الأدب»، خاصة أن الأمر بعيد عن الفن تماماً لأنه يتدخل فى القالب اللحنى لهذه الأعمال.
على الجانب الآخر وبشكل فردى بعيد عن الفرق الغنائية ظهرت صورة أخرى من الأغانى التراثية أو الشعبية التى أخذت منحى جديداً تحت عنوان «الطرب التراثى» الذى قدمه عدد من المطربين الشباب مثل محمد محسن، دينا الوديدى ومريم صالح، بالإضافة إلى تجربة الفنانة دنيا مسعود فى البحث وتوثيق الشعر والموسيقى الشعبية، فقدمت أغنية «نعناع الجنينة» بشكل جديد يختلف عن الذى قدمه محمد منير، مستعينة بكلماتها الكاملة التى تعتبر أغنية غزلية تعود جذورها إلى الجعافرة بالصعيد.