محيي إسماعيل في حواره لـ"الوطن": بدأت السينما في فيلم إيطالي مع مونتيرو
محيي إسماعيل
وجد فى النفس البشرية وتعقيداتها هويته الأبرز، فبدأ فى اقتحامها بجرأة شديدة، ونجح فى الوصول إلى سرها، وعلى جدران منزله تراصت 100 شخصية بعناية شديدة، وكل منها تنبئ بموهبة، وقدرات تمثيلية، وأدوات فنية كبيرة، مكنته من أن يكون رائد فن «السيكو دراما» فى مصر والعالم، ليؤكد الفنان محيى إسماعيل، أنه يمتلك مقومات النجم من منظور مختلف، وفى حواره لـ«الوطن»، أكد محيى إسماعيل أنه لم ينتظر تكريماً مصرياً، رغم سعادته بمبادرة مهرجان جمعية الفيلم، وانتظاره لتكريم مهرجان المركز الكاثوليكى نهاية الشهر الحالى، وتطرق فى الحوار إلى تاريخه كأول فنان يتخصص فى أداء الأدوار النفسية المركبة، بالإضافة إلى قراءته للوضع السينمائى الحالى ومشاريعه الفنية المقبلة.
■ كيف جاءت بدايتك مع تقديم الأدوار النفسية المركبة؟
- كانت بدايتى فى السينما من خلال فيلم إيطالى، مع المخرج روبيرتو مونتيرو، ثم كررت معه التجربة مرة أخرى، فى فيلم بعنوان «أبطال المجد»، بالتعاون مع الفنان أحمد رمزى، ولم أستطع الاستمرار هناك بسبب ظروفى المادية وقتها، ومع العودة إلى مصر قدمت أول أعمالى أمام الفنانة سعاد حسنى، فى فيلم «بئر الحرمان»، وبعد هذا الفيلم كانت رغبتى فى أن أقتحم هذه المنطقة، التى لم يتبحر فيها أى ممثل بالقدر الكافى، فكانت شخصية «حمزة» فى فيلم «الإخوة الأعداء» هى البداية بالنسبة لى، وحصلت على عدة جوائز عن هذا الدور، منها جائزة من مهرجان «طشقند» الروسى عام 1976، ومن هنا شعرت بتميزى فى هذه المنطقة.
التحضير للشخصية عملية في منتهى الخصوصية.. أختار أدوارى وفقا لمعايير فنية خالصة
■ وهل تأثرت نفسيا بالدخول فى دهاليز النفس البشرية وما تحمله من تناقضات فى أعمالك؟
- أداء التراكيب النفسية المعقدة لم يؤثر علىَّ بشكل أو بآخر، فمن يدخل إلى تلك الشخصيات لا بد أن يكون علمياً وعقلانياً إلى حد كبير، خاصة أن الأدوار النفسية تعتمد على النسب الدقيقة، فحدوث خلل فيها قد يؤدى إلى عدم التوازن، الذى قد يؤثر على طبيعية الدور، أو على الممثل، ولكن الله منحنى القدرة على التوازن، حتى لو يخال للبعض أننى لست طبيعياً، وقدمت كل أدوارى على مستوى عال من الدقة والتوازن، ودائماً بعد كل دور أحاول الخروج من عباءة الشخصية، فأدخل فى فترة استجمام تصل إلى أسبوعين، أسافر فيها إلى مناطق مريحة، بحثا عن الهدوء النفسى، والتخلص من بقايا الشخصية.
■ وما الترتيبات التى تقوم بها لتحقيق التوازن النفسى لأداء هذه الشخصيات؟
- فى البداية لا أستطيع أن أعمل على شخصيتين فى نفس الوقت، وأحرص بشكل كبير على وجود مسافات وفترات زمنية طويلة بين الأدوار، على عكس الأدوار العادية، حيث تحتاج إلى نسج الدور بدقة على مدى شهرين، وأعيش فى هذه الحالة وأحاول تهيئة الجو الخاص بالشخصية وأعيش معها منفرداً، فالتحضير للشخصية عملية فى منتهى الخصوصية، لذلك يكون الممثل حالة نادرة فى الوجود، عندما يمتلك فناً حقيقياً، يتمكن به من تفسير العالم، من خلال رؤية وبصيرة وتجارب، كما تشكل الصدمات مادة خصبة للفنان، يعمل من خلالها وفقاً لمدى صعوبتها.
■ وما المعايير التى تعتمد عليها فى اختيار أدوارك؟
- أختار أدوارى وفقاً لمعايير فنية خالصة، وكنت أحاول دائماً من خلال أدوارى أن أبرز تفاصيل النفس البشرية، التى يستهوينى الدخول إليها، والتطرق إلى معالمها، وساعدنى فى ذلك دراستى للفلسفة، والقراءة المستمرة فى مجال علم النفس، فأنا أستطيع أن أرى البشر من الداخل بمنتهى الوضوح، فجزء منها موهبة من الله، حتى أستطيع الدخول إلى تلك المناطق الصعبة داخل الإنسان، فمن الممكن أن أفهم الدور جيداً، ولكن لا أستطيع أن أوصل الشخصية للجمهور، أو لا أستطيع ترجمة ملحوظات المخرج بشكل دقيق أمام الكاميرا، وفى النهاية علم التقمص له ناسه، وهم قلة على مستوى العالم، وكان الراحل أحمد زكى هو الوحيد الذى يجيد فن التقمص، ولا يوجد أحد على الساحة الفنية الآن يصل إلى تلك المرحلة، وهو يعتبر من تلامذتى، بعد أن التصق بى لفترة طويلة، ولكنى أعتبر أكثر فطرية فى أدوارى من خلال التقمص الكامل.
التحضير للشخصية عملية في منتهى الخصوصية.. أختار أدوارى وفقا لمعايير فنية خالصة
■ وهل تدخلت من قبل فى كتابة أدوارك السينمائية؟
- لم أشارك فى عمل واحد إلا وأضفت للدور على الورق بموافقة المخرج، حيث أضيف للشخصية مجموعة من النقاط والتفاصيل، ولكن قلمى لا يتدخل فى السيناريو، لأن عملى يكون فى البناء الدرامى للشخصية، وإلا يعتبر ذلك إلغاء لكيان ورؤية المخرج، ولكن تقتصر الإضافات والتعديلات على نطاق الشخصية فقط.
■ وما أبرز الشخصيات التى تدخلت فى بنائها الدرامى؟
- شخصية «حمزة» فى فيلم «الإخوة الأعداء»، فوفقاً للقصة الأصلية لم يكن مصاباً بالصرع، ولكنى قمت بإضافة ذلك لخلق بعد جديد للدور، وكان المخرج حسام الدين مصطفى، يرغب فى استبدالى بممثل آخر بعد هذا الاقتراح، حيث لم يكن لى اسم على الساحة الفنية وقتها، ورشحنى الراحل نور الشريف لأداء تلك الشخصية، وبعد تصميمى على هذا التعديل تحدانى «حسام الدين» أن أقدمها بشكل جيد، وبالفعل كان مشهد نوبة الصرع أول مشهد يتم تصويره بالفيلم، وبالفعل فاجأته بالأداء، ولم يكن يتوقع أن يخرج المشهد بهذا الشكل، ليسألنى بعد ذلك «هو فيه صرع تانى»، لنقدمه بعد ذلك فى 4 مشاهد، فكان مخرجاً عظيماً وعبقرياً، ويسعى للبحث داخل الممثل عن أدوات تمثيلية كبيرة.
■ ولماذا حصرت نفسك فى أدوار «السيكو دراما» دون غيرها؟
- أنا أسست لمنهج خاص بى فى التمثيل، وليس لى أى تلاميذ، ووضعت نفسى فى تلك الخانة مع سبق الإصرار والترصد، وكنت أجسد لشىء لم يكن موجوداً من قبلى فى السينما المصرية، وهو ما اعترفوا به مؤخراً، قائلين «محيى إسماعيل استحدث شيئاً لم يكن موجوداً على مدى 120 عاماً من السينما المصرية، وأسس لمنهج قائم على علم النفس التحليلى، لتجسيد جميع العقد النفسية لدى البشر، ولم يفعل هذا أى ممثل داخل مصر أو خارجها»، فكان «الإخوة الأعداء» فاتحة خير بالنسبة لى، وقررت من خلاله العمل فى أدوار «السيكو دراما»، فخلال عمرى الفنى الذى وصل إلى 50 عاماً، قدمت 100 شخصية متباينة، تنطوى على مجموعة كبيرة من التفاصيل والأبعاد الإنسانية، ما بين اليهودى، والمعتوه، والشخصية المتفوقة، والحرامى، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأعمال التاريخية، لشخصيات غربية، بداية من نابليون، ويوليوس قيصر، وديليسبس، واللنبى.
■ وهل تعتبر دورك فى «الإخوة الأعداء» هو لعنة النجاح بالنسبة لك؟
- أنا لا أعتبرها لعنة على الإطلاق، فشكرى سرحان قدم ما يقرب من 300 عمل على مدى مشواره الفنى، ولكن «شباب امرأة» الأبرز، ومحمود المليجى قدم ما يتجاوز 350 عملاً، ولكن «الأرض» هو الباقى فى وجدان الجمهور، فكل فنان له دور يلتصق به حتى وفاته، وما أريده أن أظل موجوداً بها، فأنا لم أحبس نفسى داخل شخصية بعينها، فهناك نوع من التقلب داخل الأبعاد النفسية المختلفة، فقدمت كل ألوان التمثيل فى الشخصيات، وأعتبر ممثل الدور الواحد.